Al Jazirah NewsPaper Friday  22/02/2008 G Issue 12930
الجمعة 15 صفر 1429   العدد  12930
«الأخدود» كان يطلق عليها في الماضي رقمات
حضارات تاريخية سادت ثم بادت في نجران ومازالت أثارها باقية إلى اليوم

نجران - فهد الشويعر

قامت قافلة السياحة والإعلام في يومها الثاني من جولتها الأخيرة بمحافظة نجران بزيارة أبرز حضارة تاريخية وأثرية بالمنطقة، وهي مدينة الأخدود التي قال الله عنها في محكم تنزيله بسورة البروج: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11).

وروى مسلم في الصحيح عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمهة عن ثابت بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلما مرض الساحر قال: إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاماً اعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً وكان يختلف إليه، وبين الساحر والملك راهب؛ فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره، فكان يطيل عنده القعود، فإذا أبطأ عن الساحر ضربه، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: يا بني إذا استبطأك الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك فقال: حبسني الساحر، فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد غشيهم دابة عظيمة، فقال: اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب، فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة؛ فرمى فقتلها ومضى الناس، فأخبر ذلك الراهب فقال: يا بني إنك ستبتلى فإذا ابتليت فلا تدل علي، قال: وجعل يداوي الناس فيبرئ الأكمه والأبرص، فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك فأتاه وحمل إليه مالاً كثيراً، فقال: اشفني ولك ما ها هنا، فقال: أنا لا أشفي أحداً، ولكن الله يشفي، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، قال: فآمن فدعا الله فشفاه، فذهب فجلس إلى الملك فقال: يا فلان من شفاك؟ فقال: ربي، قال: أنا؟ قال: لا، ربي وربك الله، قال: أو أن لك رباً غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام، فبعث إلى الغلام فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص، قال: ما أشفي أحداً ولكن الله يشفي، قال: أو أن لك رباً غيري؟ قال: نعم. ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب، فوضع المنشار عليه فنشر حتى وقع شقتين، فقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فأرسل معه نفراً قال: اصعدوا به جبل كذا وكذا فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه، قال: فعلوا به الجبل فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون، وجاء إلى الملك فقال: ما صنع أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فأرسل به مرة أخرى قال: انطلقوا به فلججوه في البحر، فإن رجع وإلا فأغرقوه، فانطلقوا به في قرقور فلما توسطوا به البحر قال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، وجاء حتى قام بين يدي الملك فقال: ما صنع أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، ثم قال: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، أجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس، ثم قل: باسم رب الغلام فإنك ستقتلني، قال: فجمع الناس وصلبه ثم أخذ سهماً من كنانته فوضعه على كبد القوس وقال: باسم رب الغلام ورمى فوقع السهم في صُدغه ومات، فقال الناس آمنا برب الغلام، فقيل له: أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك من الناس؛ فأمر بأخدود فخددت على القرقور - بالضم - السفينة الطويلة أفواه السكك ثم أضرمها نارا فقال: من رجع عن دينه فدعوه، ومن أبى فأقحموه فيها، فجعلوا يقتحمونها، فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت هابت ورقت على ابنها، فنادى الصبي: لا تهابي وارميني ونفسك في النار، فإن هذا والله في الله قليل، فرمت بنفسها في النار وصبيها).

الأخدود

هي مدينة كان يطلق عليها في الماضي اسم رقمات (عاصمة نجران القديمة) وهو موقع في جنوب مدينة نجران في المملكة العربية السعودية وقعت به محرقة عظيمة للنصارى على يد التبع ذي نواس (ملك اليمن واسمه زرعة بن تبان أسعد أبو كرب) اليهودي الذي سار إليهم بجنوده عام 525 ميلادياً؛ فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك أو القتل فاختاروا القتل فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق بالنار وقتل من قتل بالسيف ومثل به حيث الناس يعرضون على النار ويساومون عليها أن يتراجعوا عن دينهم فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، وجاءت امرأة لها بابن ترضعه وكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الطفل (اصبري يا أماه فإنك على الحق)، وكان ممن تكلم في المهد. وزجت في النار حتى اقترب عدد قتلاهم من العشرين ألفاً، إلا أن هنالك رجلاً يدعى دوس بن ثعلبان استطاع الفرار من فرسان ذي نواس الذين حاولوا اللحاق به عند فراره لكنهم لم يدركوه وهرب إلى قيصر الروم ليستنجد به على تبع اليمن اليهودي فأرسل قيصر الروم جيشاً قوامه سبعة آلاف مقاتل بقيادة الرباط ومعه أبرهة الأشرم (الذي جاء ذكره في التاريخ على أنه هو الذي حاول هدم الكعبة)، وتمكن جيش الرباط من القضاء على دولة حمير. ونتيجة لذلك ظلت نجران على مسيحيتها حتى ظهور الإسلام في السنة العاشرة من الهجرة على يد خالد بن الوليد الذي بعث به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى نجران ليدعو أهلها إلى الإسلام ليعود خالد ومعه وفد من أهالي نجران لمقابلة النبي، فلما قدموا عليه سألهم: بم كنتم تغلبون عدوكم فقالوا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحداً بظلم فقال: صدقتم وأرسل أمين الأمة أبا عبيدة عامر بن الجراح ليعلم أهلها شرائع الإسلام، وما إن دخلت نجران في الإسلام حتى بدأت أعداد المسيحيين تقل تدريجياً دون أن تختفي بشكل كلي إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

معالم الأخدود الأثرية

وما زالت آثار الأخدود قائمة تحكي تاريخ حضارات سادت ثم بادت غير أنه لم يتبق منها سوى الأطلال الأثرية المتناثرة التي تظهر بينها ندوب بعض الحفريات العشوائية التي كان الغرض منها نهب الكنوز في الماضي. وتفيد الدراسات بأن عمر هذه المنطقة التاريخي يبلغ نحو 25 قرناً. ويرجح أن يكون هذا التاريخ البداية المعروفة للموقع الذي اكتسب أهمية كبرى منذ عصور سحيقة تجسِّدها الكتابات الهيروغليفية والمعينية والسبئية والعربية الكوفية ونماذج الخط المسند ورسوم الجمال والخيول والأفاعي المنقوشة بطريقة الحفر الغائر. وكل هذا يؤكد أن الأخدود موقع تعاقبت عليه حضارات عريقة محلية وإقليمية ودولية. ومن بين الآثار الموجودة في الأخدود حجر الرحا التي كانت تطحن بواسطته الحبوب قديما ويبلغ قطره مترين، إضافة إلى أطلال أول مسجد بني في نجران ويرجع تاريخ هذا المسجد إلى القرن الهجري الأول، وهو يتألف من مجموعة أعمدة بارزة مبنية من الحجارة المهذبة التي تهدم معظم أجزائها، إضافة إلى بئر مطمورة مثمنة الأضلاع تدل على الإتقان الهندسي.

والأسوار العالية التي كانت فيما يبدو تحيط بالمدينة وأحجار ضخمة يصل طول الواحد منها إلى عدة أمتار منها بوابات المدينة.

ورسومات ونقوش على الجدران والحجارة وحروف وكتابات حميرية بالخط المسند مصممة بطريقة الحفر الغائر، وقطع فخار وحجر معصرة السمسم الذي نقل إلى المتحف الوطني بالرياض. ومن بين آثار مدينة نجران التراثية كعبة نجران الواقعة على قمة جبل (تصلال) على بعد 25 كم من نجران حيث روي أنها بنيت عل أيدي (بني عبد المدان بن الديان الحارثي) حيث شيدت على طراز الكعبة المشرفة، وأن العرب في الجاهلية كانوا يحجون إليها طيلة أربعين عاماً.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد