Al Jazirah NewsPaper Tuesday  26/02/2008 G Issue 12934
الثلاثاء 19 صفر 1429   العدد  12934
أحفاد الفايكنج.. الهمجية مرة أخرى
محمد بن عيسى الكنعان

أعادت 17 صحيفة دانمركية نشر الرسوم المسيئة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي سبق أن نشرتها صحيفة (يولانس بوستن) في 30 سبتمبر عام 2005 م، بحجة الرد على محاولة اغتيال أحد رسامي تلك الرسوم المسيئة، بحسب إفادة الشرطة الدانمركية؛ ما خلق شعوراً عاماً بالغضب إزاء هذه الجريمة في حق أكرم البشر - عليه أفضل الصلاة والسلام - ، كما أعاد أجواء المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدانمركية مرة أخرى إلى العالم الإسلامي؛ الأمر الذي يعني أن الدانمركيين لا يزالون مصرّين على إثارة الكراهية والبغضاء مع الأمة الإسلامية، وأنهم لا يريدون تعزيز قيم التواصل الحضاري والتعاون الدولي والتعايش السلمي بين شعبها وشعوب أمتنا، التي لا يمكن أن تقبل إهانة دينها أو الإساءة إلى مقدساتها الخالدة، وفي طليعتها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، خصوصاً أن تواطؤ 17 صحيفة على نشر رسوم الخزي الحضاري يؤكد أن (أحفاد الفايكنج) لا يعترفون بأية قيم إنسانية سامية يمكن أن تسود شعوب الأرض، أو يقدرون أية علاقات أممية راقية تعزز التعايش السلمي بين أمم هذا الكوكب، الذي لا يحتمل الهمجية الإعلامية باسم حرية التعبير.

عندما انطلقت المقاطعة الاقتصادية الأولى عام 2006م رداً على نشر الرسوم المسيئة أول مرة، خرج علينا من يتمنطق بخطاب حضاري وهو يرى الإساءة واضحة، ويتحدث عن أخلاقيات أمتنا التي لا تأخذ الكل بجريرة البعض، وهي بهذا لا تنسجم مع المقاطعات الاقتصادية؛ لأن المقاطعة تعاقب بلداً كاملاً مثل (الدانمرك) من أجل صحيفة متهورة لا تعي حقيقة رسالة الإعلام الهادف، القائمة على الفضائل الإنسانية والخصال النبيلة، وأن الأجدى أن نحاور الدانمركيين (الديمقراطيين)، ونحاول إقناعهم بأن الرسوم ليست حرية تعبير؛ لأن (الحرية المسئولة) تتوقف عند حدود الآخرين ولا تتعدى على حرياتهم وأولها الدينية، بينما كان الرأي العام الإسلامي الذي يؤيد المقاطعة ويشارك في فعالياتها يؤكد أنها فاعلة وستؤتي أكلها، وبالفعل جاءت بنتائج ملموسة ومؤثرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالنسبة لحكومة الدانمرك، ودلالة ذلك دخول أمانة الاتحاد الأوروبي على خط الأحداث، ومحاولتها التنسيق مع حكومة الدانمرك والحكومات العربية والإسلامية والهيئات والمنظمات الإسلامية للتهدئة والخروج من الأزمة بحل يتفق عليه الجميع. إذاً الحل مع عودة همجية أحفاد الفايكنج يكون على مستوى شعبي وصعيد رسمي؛ فالمستوى الشعبي يتجسد بإحياء المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدانمركية، والصعيد الرسمي يكون بالضغط من قبل الحكومات العربية والإسلامية لتبني قرار دولي في المحافل الدولية من أجل إصدار قانون عالمي (يجرم) الإساءة إلى الأديان والمقدسات والأنبياء، عليهم السلام، كما نجحت بذلك إسرائيل في إصدار قانون (معاداة السامية).

تبقى الإشارة إلى أن تكرار الدانمركيين للجريمة في حق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، يعني أن (أحفاد الفايكنج الاسكندنافيين) هم امتداد ل(همجية) أجدادهم، وإن اختلفت الطريقة وتعددت الوسائل. أجدادهم الذين كانوا يلقبون بأحفاد البقر؛ لأن البقر أكثر الحيوانات همجية وثوراناً أعمى،. أجدادهم الذين كانوا يجوبون البحار بسفنهم الطويلة التي كانت تشبه طيور الماء، ويغيرون على الشعوب والتجمعات السكانية المتحضرة ويفتكون بها قتلاً وتدميراً وتخريباً بلا سبب ديني أو دافع سياسي، إنما لإشباع النزعة الإجرامية لديهم التي لم تسلم منها كل شعوب أوروبا؛ فهم معروفون في العقلية الأوروبية ب(غزاة الشمال)؛ لهذا كانت حياتهم قائمة على مبدأ واحد هو (الهمجية)؛ همجية في الحرب فلا أخلاق، وهمجية في التعامل الإنساني فلا علاقات، وهمجية في الحياة العامة دون نظام يحكمهم أو قيم تردعهم، من أجل ذلك يجب أن يكون الرد (الفكري) والطرح (الإعلامي) الموازيان للمقاطعة الاقتصادية والتحركات السياسية، نابعين من مقارنات التاريخ ومفاهيم الحريات وحقائق القيم والمبادئ التي كان عليها المسلمون بهدي نبيهم - عليه الصلاة والسلام -، وبين ما كان عليه الدانمركيون، وكيف تميز المسلمون بفتوحاتهم التي كرست لقيم التسامح الديني والعدالة الاجتماعية والمساواة البشرية؛ فلقد كانت التعاليم المحمدية العظيمة تسبق الجيش بعدم العدوان أو الإغارة أو قتل الشيخ والطفل والمرأة أو قتل الرهبان في صوامعهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وبين غارات الفايكنج التي لا تتجاوز تعليمات قادتهم بقتل الناس وتدمير الحضارة وتخريب العمران، حتى خلدوا في ذاكرة الشعوب المنكوبة بالغزاة الهمجيين.

أما (حرية التعبير) التي لا تطبق إلا ضدنا فهي أكذوبة سخرها الغرب للعبث بالمقدسات وإسقاط حاجز المحرمات بما يتوافق مع خطابه الحضاري المادي الذي لا يعترف بالمقدس، فهل تسمح الدانمرك أن تنشر المقالات الرصينة والتاريخية عن حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعن شريعة الإسلام بقيمها العالمية ومقاصدها الحضارية بنفس الصحف التي نشرت الرسوم المسيئة.. لن يقبلوا؛ لأن القصد هو التشويه في ظل الحملة الغربية على الإسلام تحت دعوى الحرب على الإرهاب، أو مسألة (النظام الديمقراطي) الذي لا يستطيع أن يفرض على الصحف الدانمركية ما تنشر أو ما تدع، إذاً ليتحمل هذا النظام تبعات الحرية التي يدافع عنها بالإساءة إلى الآخرين.



Kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد