Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/02/2008 G Issue 12935
الاربعاء 20 صفر 1429   العدد  12935
خواطر في الأمن الوطني (5)
م. عبدالرحمن بن سليمان الدايل- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام (سابقاً)

الدور الإعلامي في الأمن هو دور يرقى إلى مستوى المواجهة الحقيقية عند الشروع في تحسين الحالات الأمنية، أو التخطيط لتحقيق المزيد من الأمن والاستقرار، انطلاقاً من أهمية الإعلام في عالمنا المعاصر الذي يعايش تأثيرات تقنية وعلمية حديثة، جعلت من التواصل الثقافي أمراً حتمياً ومن الانفتاح على الحضارات والأخذ والعطاء ومواجهة الانفجار المعرفي واقعاً لا مفرّ منه، فلم يعد بمقدورنا أن نتخيل إعلاماً قادراً على العزلة، أو إعلاماً يضرب حول نفسه سياجاً من الحصار في عصر الفضاء المفتوح والتقدم في ميادين العلوم والتقنية.

ومن هنا تأتي خطورة الدور الذي يُلقى على عاتق أجهزة الإعلام وخصوصاً في الميدان الأمني بالمملكة ويعود ذلك إلى عوامل عدة: منها ما يتصل بمكانة الأمن في وطننا وخصائص هذا الوطن بما حباه الله من نعمة وشرف القيام على خدمة الحرمين وارتباط اسم المملكة ومكانتها بدين الله الخاتم الذي ارتضاه رب العالمين ديناً لا رسالة بعده، ومن هنا ارتبطت تربية أبناء هذا الوطن المعطاء بدين الله القويم وتعاليمه الصافية، وكذلك ارتبط الأمن فيه بتلك المكانة المتميزة له وبالتربية التي يغرسها هذا الوطن في نفوس أبنائه، وهنا تبرز إلى حقيقة الواقع الذي نعايشه أهمية الإعلام الذي يرتبط بمكانة المملكة وسماتها المميزة في عالم الأمم والأوطان.

ولسنا هنا بصدد سرد ما يجب أن يتحلى به إعلامنا من صفات أو يتميز به من خصائص، بل نحن أمام دوره في المواجهة لإرساء دعائم الأمن في هذا الوطن، حيث يأتي دور الإعلام ويرسخ ليصبح سلاحا فاعلاً في العملية الأمنية بما له في قدرة على التأثير والمشاركة في التربية، وإيقاظ الضمائر وبناء العقول وحشد الطاقات من أجل البناء والتنمية، وتأكيد وحدة هذا الوطن، وتأكيد التلاحم بين قيادته وأبنائه، والتوعية بمجالات التنمية على أرضه، وسبل المشاركة الفاعلة في تحقيق سيادة الوطن وإعلاء شأنه، وقبل ذلك وبعده الإسهام الفاعل والبنَّاء مع الجهات المختصة بالتربية والتعليم في تنمية السلوك الإيجابي لدى المواطن استناداً إلى تعاليم الدين الحنيف ثم انطلاقاً من واجبات المواطنة الحقَّة التي يفرضها شرف الانتماء إلى هذا الوطن المعطاء.

فهل إذا قام الإعلام بمثل هذه الأدوار في وطننا هل لنا أن نتصور بعد ذلك اختلالاً في الأمن أو نزوعاً نحو الجرائم التي تسيء إلى الوطن وسمعته؟

إن النفس البشرية في حاجة إلى تكامل الجهود الموجهة إليها حتى لا تحيد عن طريق الصواب، وهي في حاجة إلى تكاتف الجهات العاملة في ميادين التربية والتوجيه والتثقيف والإعلام والأمن وغيرها من المؤسسات حتى يمكن للأمن أن يزدهر وتنبسط مظلته في أنحاء الوطن كافة وعلى مختلف جنبات الحياة، فقد أصبحنا نعيش في أيام لا يمكننا فيها الفصل بين الأدوار أو إلقاء نظرة جزئية على الحالة الأمنية فإذا بنا نوجَّه أصابع الاتهام إلى جهة بالتقصير، فالأمن مرتبط بالسلوك، والسلوك ذو شأن عظيم في حياتنا ولا يقف تكوينه أو تشكيله عند المدرسة، أو عند ضبط الجريمة بواسطة رجال الأمن، بل إن للإعلام أدواراً لا يمكننا تجاهلها في بناء السلوك وتكوينه لدى الناس، وكثيرة هي النماذج على ذلك والتي يمكن أن نسوقها عن دور الإعلام ويكفي أن نقف أمام ظاهرة أفلام العنف التي تعرضها وسائل الإعلام لنتبين مدى تأثيرها على الناشئة، وكيف تحفظ في عقولهم ونفوسهم مهيئات الجريمة وكيف تُقوِّم لهم النماذج المستوردة التي تُعلي من شأن القوة وتحبب إليهم العنف، وأخذ الحق باليد، ولا تترك مجالاً لتعليمهم السلوك الهادئ المتزن والرزين، الذي يجعل الصفح والرحمة والعفو من أساسيات التعامل بين البشر.

ولنا أن نتصور أيضاً تلك الآثار النفسية التي تنعكس على أطفالنا من أفلام ومناظر العنف التي تسود القنوات الفضائية بحكم ما يعايشه العالم من مشكلات. فهل راعت أجهزة إعلامنا تلك الانعكاسات واتخذت من الوسائل وأنتجت من البرامج ما يحدَّ من تأثيراتها؟

وهل الصورة الذهنية التي رسمتها أجهزة الإعلام في بعض الدول لمرتكبي جرائم العنف والإرهاب وتفننت في تقويمها ونشرها، هل تمكنا نحن من تنقيتها قبل تقديمها لناشئتنا اعترافاً منا بخصوصية هذا الوطن والثوابت التي يقوم عليها؟

إن هذا الدور الإعلامي في محاربة الجريمة وترسيخ عناصر الأمن للوطن لا يمكننا تجاهل قيمته وأثره، لما له من عميق الأثر في نفوس من يتابعون برامج الإعلام ويتأثرون بها، وإن كانت تحتاج إلى تكثيف وتنسيق مع جهات الأمن فهي بحاجة إلى ترشيد حتى لا يختلط الحابل بالنابل فيضيع الهدف من الرسالة الإعلامية والتي تحن في أشد الحاجة إليها في ميادين الأمن والتربية وحسن التوجيه.

إن الأمن في المملكة يستحق - وبجدارة- إعلاماً متميزاً يحقق دعماً فاعلاً لجهود رجال الأمن، إعلاماً يوفر من عناصر التثقيف والتوجيه ما يتناسب مع سمو رسالته في هذا الوطن، ويوفر أيضاً من جوانب التشويق وعوامل الجذب المباحة والآمنة ما يقف حائلاً دون عزوف الناشئة بعيداً نحو إعلام بغيض فيه من السموم والأحقاد ما لا تخفى مخاطره على كل مهتم بالتربية والتنشئة والأمن والإعلام.

إننا في حاجة لتفعيل دور الإعلام ببرامج وآليات تحقق تطلعاتنا نحو خدمة أمننا، ومسيرة التنمية في بلادنا في ظل سياستنا الإعلامية المنبثقة من ديننا والملتزمة بتعاليمه في بناء الوطن والمواطن حتى تجد مسيرة الأمن في هذا الوطن روافد تمدها بالنماء والعطاء وبالجهود الواعية المدركة للدور الإعلامي المطلوب في تحقيق الأمن والطمأنينة والتنمية والاستقرار.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد