Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/02/2008 G Issue 12936
الخميس 21 صفر 1429   العدد  12936
بكر أبو زيد.. مدرسة علم وصبر
إبراهيم بن علي الخشان - بريدة

المرض ابتلاء يهد الجبال، لكنه - أبداً - لا يهدّ الصابرين. والصابرون - وحدهم - يصمدون في المعركة مهما كانت شدتها وضراوتها. الابتلاء والصبر العنوان الأبرز في مسيرة العالِم العلَم بكر بن عبدالله أبو زيد.. أما قصة صبره مع العلل والأسقام فسيجدها - بإذن الله - في صحائف أعماله رفعة في الدرجات وعلواً في المنزلة؛ فقد قدم على برّ رحيم أرحم به حتى من نفسه. أما قصة صبره في العلم فشرف لكل قلم أن يكتب عن عالم بقامة هذا العلم الأشم الذي تميز بتأصيل دراساته تأصيلاً علمياً شرعياً لتبقى شاهداً على غزارة علمه وبراعته، وسجلت مؤلفات الشيخ حضوراً متميزاً في حلقات كبار علماء الأمة، ومن أبرز الأدلة على ذلك تحول كتاب (حلية طالب العلم) إلى متن يشرحه الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين؛ فأنعم بالمتن وشرحه، وأنعم بصاحب المتن وشارحه من عالمين ربانيين، وعلى نهج العلماء الربانيين سار الشيخ بكر أبو زيد في اهتمامه بالجانب العقدي وتنقية العقيدة وحراستها من الشوائب والمثالب، فقام برصد الألفاظ والعبارات التي يشيع استعمالها بين أفراد المجتمعات الإسلامية، وبيّن حكمها في عمل معجمي غير مسبوق.. ولم تكن تلك المناهي اللفظية وحدها هي التي أقلقت الشيخ وأقضت مضجعه؛ فهناك أعداء الفضيلة الذين يريدون هتك سترها، ويسعون جاهدين لجر الأمة إلى مستنقع الانحطاط، غير آبهين بشؤم المعصية، ولا عابئين بما سيجره ذلك من تفكك في القيم والأخلاق، وسوقوا - ولا يزالون - لذلك بشعارات تخدع ضعاف العقول وتغري سفهاء الأحلام؛ فتصدى الشيخ لهم برسالة (حراسة الفضيلة)، وكعادة الشيخ ميزها بالتأصيل العلمي البعيد عن الأساليب الإنشائية والشحن العاطفي، كما ميّزها بسلاسة العبارة وسهولة اللفظ؛ مما جعل الكل يقبل على قراءتها: الصغير والكبير، وذو العلم وافره وقليله؛ فكتب الله لها قبولاً فريداً، وتسابقت المساجد والجمعيات والمؤسسات ودور العلم إلى إقامة مسابقات منوعة على مضامينها، وتنافس المحسنون من الأثرياء والشركات وأعيان المجتمع على تمويل تلك المسابقات، محتسبين ذلك عند الله أجراً ل(حراسة الفضيلة).. فأوغر ذلك صدور ذوي الهوى، وأقطاب المنهج الخفي الذين لا يريدون للفضيلة حراسة.. فحاول أحدهم استفزاز الشيخ بقول معناه: (من فوض بكر أبو زيد ليكون حارساً للفضيلة)؛ فلم يأبه به الشيخ.. وانبرى محبو الفضيلة يدافعون عن الفضيلة وحراسها، وتوج ذلك فضيلة الشيخ صالح الفوزان برد موجز جاء فيه: (وأنت ما الذي أغضبك من حراسة الفضيلة)؟ فألقم حجراً ولم يحر جواباً!

شيخنا.. آن أوان الرحيل وأنت الذي طالما تخفف من الدنيا استعداداً لهذا اليوم وما بعده.. آن أوان الرحيل؛ فسترحل وسيبقى علمك وحليته نجماً تهتدي به الأمة وتستضيء.. آن أوان الرحيل فسترحل وستبقى العقيدة نقية صافية.. سترحل.. ولن ترحل الفضيلة - بإذن الله -، بل ستظل تحت حراسة ولاة أمرنا - حفظهم الله - الذين ما انفكوا يؤكدون - وما زالوا - أنهم اتخذوا القرآن الكريم دستوراً، والدين منهجاً، وألا مزايدة على الدين والوطن.

آن أوان الرحيل.. فسترحل.. وسيبقى عزاؤنا فيك مصيبتنا فيمن هو خير منا ومنك محمد - صلى الله عليه وسلم - فلله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وسنصبر ونحتسب.. سائلين المولى أن يغفر لك، وأن يجزل لك الأجر والمثوبة، وأن يجعل ما قدمت خالصاً لوجهه، وأن يحسن عزاءنا فيك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.












 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد