Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/02/2008 G Issue 12936
الخميس 21 صفر 1429   العدد  12936
علاقة ابن تيمية بالأحساء
محمد بن عبدالرحمن بن حسين آل إسماعيل

شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن الإمام الفقيه المحدث الحنبلي عبدالحليم بن الإمام الفقيه المحدث الحنبلي مجد الدين عبدالسلام ابن تيمية المولود عام واحد وستين وستمائة والمتوفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة رحمه الله.

طبقت شهرته الآفاق فهو الإمام المحقق المجتهد الفقيه المحدث الأصولي النظار ما رآه أحد إلا وأعجب به.

حسنة من حسنات الدهر إمام في كل الفنون أثنى المحققون من علماء الإسلام عليه.

من أشهر تلامذته الإمام الحافظ ابن كثير الشافعي والإمام المحقق ابن القيم والإمام الفقيه محمد بن مفلح صاحب الفروع والآداب الشرعية والإمام الذهبي ومن أقرانه ومن أعز أصدقائه الإمام الحافظ المزي.

هذا الإمام شغل الناس حياً وشغلهم ميتاً وهو إمام من كبار أئمة الإسلام وليس بالمعصوم يجتهد فإن أصاب فله أجران أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، وإن أخطأ فله أجر على اجتهاده أخباره في كتاب الوافي بالوفيات لابن شاكر الكتبي، وفي الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري، وفي البدر الطالع للإمام الشوكاني، والبداية لابن كثير، وألفت عنه كتب مستقلة، ألف عنه الإمام الحافظ ابن عبدالهادي، والإمام البزار والإمام مرعي الكرمي الحنبلي والشيخ بهجة البيطار والإمام محمد أبو زهرة.

أما الذين ألفوا كتباً للدفاع عنه فقد ألف الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي كتابه النفيس الرد الوافر، وقد أثنى على هذا الكتاب وقرظه فحول علماء المذاهب الأربعة، وفي مقدمتهم الإمام العيني الحنفي شارح الهداية وصاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري.

وممن جمع ثناء العلماء عليه مفتي الديار المصرية العلامة حسنين مخلوف- رحمه الله- حيث حقق الفتاوى المصرية الأجزاء الخمسة وذكر ذلك في مقدمة التحقيق.

وشيخ الإسلام ليس هو بالمعصوم والاجتهاد فيما لا نص فيه لا إجماع، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك رحمه الله.

وكل ما اجتهد فيه فإن له سلفاً فيه وليس بدعاً فما أسيء فهمه من كلامه في توحيد الأسماء والصفات فقد سبقه في فهمه أئمة كبار، كلامهم مدون في كتبهم، وبالرجوع إلى كتابه الحموية الكبرى يرى مصداق ذلك.

والإمام أبو الحسن الأشعري الحنبلي نعم الحنبلي فهو انتسب إلى مذهب الإمام أحمد في كتابه مقالات الإسلاميين وفي كتاب الإبانة عن أصول الديانة وهو آخر كتبه كما حكاه المحققون، وفهم الإمام الآلوسي الحنفي في تفسيره ج1 ص 81 الناشر إحياء التراث العربي ببيروت.

وما نسب إليه خصومه فهو كذب وزور عليه فأكثره حسد وجهل وكلامه في الزيارة موجود ملخصه في كتاب حاشية الروض المربع للشيخ عبدالله العنقري فيه موافقة للجمهور فلم يمنع من زيارة الحبيب- صلى الله عليه وسلم- بل آخر ما قال، ومن نوى زيارة مسجده والسلام عليه فقد نوى مستحباً بالإجماع فإنه لم يقل زيارة مسجده وثم زيارته.

وأماّ التصوف فإنه لم يذمه بل ألف كتابه في التصوف فالمجلد العاشر من فتاويه باسم التصوف والجزء التاسع في علم السلوك وتلميذه ووارث علمه الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين لشيخ الإسلام اسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي وللإمام الأنصاري كلام فيه إيهام ربما لا يقبل عند كثيرين من أهل السنة، ولكن ابن القيم بالغ في الحمل والتأويل لكلامه والاعتذار عنه، وفي كتابه طريق الهجرتين مصداق ذلك. ومن أراد أن يعرف بأن الإمام حجة الإسلام الغزالي أشد من ابن القيم وأشد من ابن تيمية وأقسى في الحكم في قضايا اتفقوا على ردها الغزالي رفضها وابن القيم وابن تيمية تأولاها وأوجدا لها مخارج، ومن أراد التأكد فليقرأ مقدمة كتاب المهذب من إحياء علوم الدين للعلامة صالح الشامي فقد ذكر كل ذلك في مقدمة تهذيبه من باب المقارنة.

نعود إلى الإمام ابن تيمية ثانية فنقول لقد طبقت شهرته الآفاق حتى الأحساء البحرين قديماً عرفوا ابن تيمية وأعجبوا به مما يؤكد أن في الأحساء حنابلة آنذاك.

فبالرجوع إلى المجلد الرابع والعشرين من فتاويه من ص 163 إلى آخر ص 176 نجد سؤالاً موجهاً من أهل البحرين (الأحساء حالياً) يسألونه عن إقامة صلاة الجمعة حيث زاره وفد نقلوا له صورة صلاة الجمعة في بعض قرى الأحساء بدليل قوله: وقد حدثنا بعض الوفد أنهم يجمعون ببعض أرضكم ثم إن بعض أهل العراق أفتاهم بترك الجمعة.

وقبل أن يجيبهم أثنى عليهم وعلى عقيدتهم ودينهم وذكر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وأنهم مازالوا على ما كانوا عليه من الدين والاستقامة حسبما وصله من الوفود.

فمما قال- رحمه الله-: أما بعد فإن وفداً قد قدموا من نحو أرضكم فأخبرونا بنحو مما كنا نسمع عن أهل ناحيتكم من الاعتصام بالسنة والجماعة والتزام شريعة الله التي شرعها على لسان رسوله، ومما نبه ما عليه كثير من الأعراب من الجاهلية التي كانوا عليها قبل الإسلام الخ.

ثم قال: فالحمد لله الذي عافانا وإياكم مما ابتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً ونسأل الله العظيم المنان بديع السموات والأرض أن يتمم علينا وعليكم نعمته ويوفقنا وإياكم لما يحب ويرضاه من القول والعمل ويجعلنا من التابعين بإحسان للسابقين الأولين.

وليس هذا ببدع فإنَّ أهل البحرين مازالوا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إسلام وفضل قد قدم وفدهم من عبدالقيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ، ثم استرسل في ذكر وفد عبدالقيس ثم قال: وبقصة أرضكم احتج الجمهور على أبي حنيفة حيث قال: لا تقام الجمعة في القرى بالحديث المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة المدينة جمعة بالبحرين بقرية يقال لها جواثى من قرى البحرين الخ وكلامه طويل وكله مفيد وأحيل القارئ على مجموع الفتاوى.

ونأخذ من هذه الرسالة والفتوى:

1 - صحة إقامة صلاة الجمعة في القرى والمساكن المبنية باللبن والجذوع والسعف إذا كانت مقراً دائماً.

2 - أن أهل الأحساء من السابقين إلى الإسلام.

3 - وأنهم أهل سنة وجماعة.

4 - وأنهم على الحق والهدى إلى عهد ابن تيمية.

5 - أن في البلاد علماً وعلماء.

6 - أن مذهب أحمد بن حنبل قديم في الأحساء.

7 - أن أهل الأحساء ليسوا منغلقين على أنفسهم.

8 - أن لهم صلة قوية بالعالم الخارجي عن محيطهم.

9 - ومن ورعهم وحرصهم على دينهم يسألون عالماً بعيداً عن وطنهم.

10 - ويظهر أنهم معجبون بعلمه ومنهجه وإلا كيف يقصدونه بالسؤال مع توافر العلماء في كل مكان وهم بجوار العراق ويحجون ويزورون طيبة.

11 - وشيخ الإسلام حياته كلها كفاح وجهاد وسجون رحمه الله رحمة واسعة وتفرغ للعلم والفتوى.

12 - إيمانه القوي بالله ورباطة جأشه في ردوده.

13 - علمه بحال الأحساء العلم التام والمعرفة التامة.

14 - طموح الأحسائيين وقوة إرادتهم.

15 - حب أهل الأحساء وحب ابن تيمية لهم يظهر ذلك في ثقتهم فيما يقول.

16 - من هذه الرسالة تظهر شهرته وأنه معروف على المستوى الإسلامي أنه إمام محقق أهل للفتوى.

17 - لم نر من يرد عليه من علماء الحنفية لأنه رد عليهم.

18 - يدل على قدم الحنابلة في الأحساء.

19 - ابن تيمية حنبلي المذهب، ويجتهد ويحكي أقوال الأئمة ويرجح بكل أدب واحترام للأئمة وخير شاهد كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

20 - في منهج ابن تيمية وفهم أهل الأحساء رد على بعض المعاصرين الذين لا يعتمدون على كتب المذاهب ولا يرجعون إليها ولا يعولون عليها بل يخيل لهم بأنهم مجتهدون فيأتون إلى السلم من آخره وهذا ما يجعلهم يتساقطون.

21 - سعة أفق ابن تيمية حيث حكى ما دار بين الصحابة الكرام في رؤية الله يوم القيامة ولم يكفر بعضهم بعضاً ففيه رد على أهل التكفير وضيقي الأفق.

22 - وفيه رد على من يتهم ابن تيمية بأنه من أهل التكفير.

23 - أخيراً فيه دعوة لمن يدعون الانتساب إلى ابن تيمية وهم يخالفون منهجه من حيث يضيقون بحكاية الخلاف الفقهي مع أنه من الأمانة العلمية.

www.alismaeil.com



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد