Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
سُقُطْرَى جزيرة الأحلام
د.عبدالعزيز بن محمد الفيصل

إذا أردت أن تحلم بأشياء غريبة وعجيبة فعليك التوجه إلى جزيرة سقطرى، تلك الجزيرة التي تغتسل شواطئها بماء المحيط، وتمد إحدى يديها إلى إفريقيا والأخرى إلى آسيا، إنها جزيرة اللبان ودم الأخوين والتنوع النباتي الذي يصل إلى أربعة آلاف نوع، إنها جزيرة الخيال لأن سكانها يغمرون الزائر بحكايات موغلة في الخيال تتجاوز ما دُوِّن في ألف ليلة وليلة وقرى واق الواق، ويبدو أن عزلة الجزيرة هي التي وسعت المدارك وفتحت الآفاق لسكانها في مدى التَّخيّل والإيمان بالأمور الخارقة والسحر،

إن نظرة بعيدة إلى عمق البحر من رجل يقبع في جزيرة محدودة المساحة كفيلة بغمره بالأوهام والخيالات التي لا تقف عند شواطئ المحيط الهندي أو سِيْفِ عَدَن أو ساحل المُكَلاَّ وإنما تتجاوز ذلك إلى البلاد البعيدة في أقصى المعمورة.

لقد كانت زيارة الجزيرة حلماً يراودني حتى تحقق بفضل من الله ثم بفضل المهندس عبدالله بقشان الذي وضع طائرته الخاصة تحت تصرف ضيوفه، وأنا واحد منهم حيث أقلعت بنا الطائرة من مطار المُكَلاَّ في حضرموت إلى جزيرة سقطرى التي تبعد عن المُكَلاَّ بما يقارب ستمائة كيل، وحطت بنا الطائرة في مطار الجزيرة التي يبلغ طولها مائة وعشرين كيلا وعرضها سبعين كيلا، وبها جبال وسواحل رملية ومحميات بحرية وبرية، ومن أشهر أشجار الجزيرة شجرة دم الأخوين، فهذه الشجرة ترتفع في حدود ستة أمتار ولها جذع واحد بارتفاع ثلاثة أمتار ثم تتفرع مكونة مظلة جميلة، وتُخرج هذه الشجرة صمغا أحمر يعالج النزيف ويعرف بدم الأخوين التِّنين والفيل إشارة إلى الأسطورة الهندية القديمة. ولا توجد هذه الشجرة إلا في هذه الجزيرة، وتوجد شجرة أخرى تعرف ب(دبا) لها جذع يشبه جذع النخلة المجرد من الكرب، وترتفع بقدر المترين ثم تزهر، ولا توجد في مكان آخر، ومن الغريب أن الجزيرة على سعتها وكثرة مدنها وقراها لا يوجد بها حيوان مفترس من ذئب أو ضبع أو نمر أو غير ذلك وحتى الكلب لا يوجد بها، ولا توجد بها الأفاعي السامة، ومن مدن الجزيرة حَدِيبُو. قَلَنْسِيَة. نَوْجَد. و من متنزهاتها (دِيْكسم).

وزيارة هذه الجزيرة من ضمن زيارة مدن وقرى حضرموت فقد استجبت أنا وزملائي أعضاء الرحلة لدعوة كريمة من الشيخ عبدالله سالم باحمدان والمهندس عبدالله أحمد بقشان حيث سلمنا الدعوة الدكتور عمر عبدالله بامحسون لزيارة حضرموت والوقوف على معالمها، واستجابة لهذه الدعوة الكريمة قامت مجموعة من المثقفين السعوديين ومعهم بعض التجار بزيارة هذه البلاد التي أنجبت أسرة الشاعر العربي الأول امرئ القيس، كما أنجبت الأشعث بن قيس الذي كان له مع أبي بكر -رضي الله عنهما- مواقف طريفة، وأنجبت عبدالرحمن بن الأشعث الذي كاد أن يقوض الخلافة الأموية وقد أرهبت قوته الحجاج صاحب البطش والقوة، وغير هؤلاء من أعلام العرب الذين أنجبتهم حضرموت، ومما سَهَّل التنقل في هذه البلاد أن المهندس عبدالله بقشان وضع طائرته الخاصة تحت تصرف الوفد، فأقلتنا طائرة بقشان من مطار الرياض متجهة بنا إلى الجنوب، وحيث إن الطيران ليس مرتفعاً فقد استمتعنا برؤية الكثبان الرملية الممتدة إلى ما لا نهاية في الربع الخالي، وهذه الكثبان تبنيها وتهدمها الرياح الشرقية والغربية فتأتي على شكل دوائر أو أقواس من الشرق إلى الغرب بعكس كثبان الدهناء التي تبنى من الشمال والجنوب، وعندما دخلنا أجواء حضرموت بدت لنا الجبال التي تكتنفها فروع وادي حضرموت، وعندما اجتمعت الفروع في الوادي انخفضت الطائرة متيحة لنا رؤية الوادي وما فيه من قرى، ولا زالت تطير منخفضة فوق المزارع والقرى، والجبل على يميننا ويسارنا حتى هبطت في مطار سيئون، وقد اتجهنا من مطار سيئون إلى مدينة تريم حيث زرنا مكتبتها التي تحتوي على كثير من المخطوطات وكتب التصوف، ثم قمنا بزيارة دار المصطفى للعلوم الشرعية التي يدرس فيها تسعمائة طالب عن أربع عشرة دولة إسلامية. وزرنا جامع المحضار بتريم، وهذا الجامع يشتهر بارتفاع مئذنته التي بنيت من الطين بارتفاع أربعين متراً. وزرنا قصر عشة التراثي لأسرة الكاف. وغادرنا مدينة تريم التاريخية إلى عاصمة الإمارة الكثيرية القديمة سيئون حيث زرنا قصر حاكمها الأول الكثيري، وهذا القصر يتألف من أربعة طوابق، وهو مبني من الطين، وشاركنا في ندوة أدبية في كلية التربية بجامعة حضرموت. ومن المدن التي اطلعنا على آثارها مدينة شبام بلد المباني الطينية ذات الستة طوابق وبعضها يصل إلى سبعة طوابق أو ثمانية طوابق، وجل المباني مأهولة مع أن المدينة باقية على طرازها القديم وليس لها إلا مدخل واحد، وتشتهر هذه المدينة بناطحات السحاب الطينية، والمدينة من المدن القليلة التي تحتفظ بطابعها القديم مع بقاء سكانها، ولذلك اهتمت مؤسسة ألمانية بمدينة شبام ففتحت مكتباً لها في هذه المدينة يشرف على مساعدة السكان في ترميم بيوتهم والاحتفاظ بطابعها القديم بحيث يكون الترميم بالمواد التي بنيت بها البيوت.

ومما زرناه في حضرموت وادي (دَوْعَن) وما أدراك ما وادي دوعن، فهو وادي حضارمة المملكة ففي هذا الوادي بيوت الأسر التي اشتهرت بالثراء في المملكة ومنها بيوت: بقشان، باحمدان، بن لادن، باخشب، بن زقر، باوزير، العوبثاني، وغيرهم.

وفي هذا الوادي (خَيْلَة) قرية مضيفنا الرجل الشهم الكريم المتواضع المهندس عبدالله أحمد بقشان، فمن حبه لهذه القرية أطلق على طائرته الخاصة (خيلة) وكتب اسم القرية على الطائرة بالحروف اللاتينية، وقد أكرمنا في منزله في خيلة كما أكرمنا في قصره في المُكَلاَّ وعرض علينا الفنون الشعبية الحضرمية من رقصات برية وبحرية، هذا الرجل عنوان الكرم ودماثة الخلق فهو بشوش ومتواضع فكأنه لا يملك هذه الأموال التي يصرف منها على وجوه الخير الشيء الكثير من بعث الطلاب إلى الجامعات وفتح الطرق وتوفير المياه للمحتاجين في حضرموت وتوفير مولدات الكهرباء، فيده يد بذل وعطاء في سبيل الخير، كثر الله من أمثاله. قلت القليل وتركت الكثير مما شاهدته في قصر القعيطي في المكلا، وفي أماكن أخرى في حضرموت.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد