Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
أميرة الزهراني والذات في مواجهة العالم
خلط مرحلي مفاهيمي.. وحيرة نقدية بين مرحلتي الستينيات والسبعينيات

عبدالله السمطي

تجرب الناقدة الدكتورة أميرة علي الزهراني في كتابها: (الذات في مواجهة العالم ) أفقا جديدا في قراءة الأعمال السردية في السعودية والخليج واليمن، أو بالأحرى الأعمال الصادرة في الجزيرة العربية، حيث تقوم بقراءة تجليات الاغتراب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية، متجاوزة بذلك الدراسات النقدية التي تركز - على الأغلب - على الجوانب التاريخية ورصد التطورات المضمونية والفنية للأعمال السردية.

إن انتقاء الكاتبة لهذه الظاهرة، والاشتغال عليها نقديا يجعل من الظاهرة المدروسة حقلا واسعا لتعميق دلالاتها، وسبر خواصها وملامحها، ومن هنا، فإن كتاب: (الذات في مواجهة العالم: تجليات الاغتراب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية) - وهو في الأصل رسالة دكتوراة بإشراف الدكتور عبدالعزيز السبيل- يمتلك من اليقين المنهجي، ما يعضد من تعميق دراسة ظاهرة الاغتراب، وبيان أجلى ما تنطوي عليه من دلالات.

فضاء الدراسة:

تقوم دراسة أميرة الزهراني على بحث تجليات الاغتراب في القصة القصيرة في الجزيرة العربية خلال الفترة ما بين 1960-2000م.

وتبين الكاتبة مظاهر الاغتراب في منطقة الجزيرة العربية على عدة صعد: السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي وهي تحدد مجالات الاغتراب في أربعة مجالات، تخصص لكل مجال فصلا من فصول الكتاب وهي: الاغتراب الذاتي الاغتراب الاجتماعي، الاغتراب الثقافي، الاغتراب المكاني.

وتسلط الكاتبة الضوء على الاغتراب الذاتي وهو الذي يتحدد بفكرة انفصال الشخصية عن ذاتها الحقيقية الجوهرية، وتراه في ثلاث ظواهر: الاغتراب الذاتي الناتج عن التنكر الاجتماعي وتعاطي الأقنعة والتزييف الذي فرضته حياة المدينة، والاغتراب الذاتي الناتج عن الانفصال عن العمل، والاغتراب الذاتي الوجودي المتمثل بفقدان المغزى، وفي الظواهر الوجودية الأخرى كالقلق، والخوف، والسؤال عن الموت، والسأم والفراغ.

المبدع المغترب

تقف الكاتبة عند ظاهرة الاغتراب من خلال المقاربة النقدية لقصص خمسة وعشرين كاتبا وكاتبة، ممن ينتمون لمختلف دول الجزيرة العربية، وترى أن هؤلاء الكتاب ربما كانوا الأكثر تمثيلا للاغتراب في إنتاجهم القصصي، والكتاب هم: عبدالحميد أحمد، عبدالله صقر أحمد، إسماعيل فهد إسماعيل، كلثم جبر، حسين علي حسين، سالم الحميدي، عبدالله علي خليفة، أميمة الخميس، ظبية خميس، زيد مطيع دماج، وليد الرجيب، محمد بن سيف الرحبي، عبدالله السالمي، سلمى مطر سيف، أمين صالح، ناصر الظاهري، محمد عبدالملك، محمد عبدالولي، ليلى العثمان، عبدالقادر عقيل، محمد علوان، أحمد محفوظ عمر، محمد الماجد، هدى النعيمي، ناصر الهلابي.

وكما نرى فإن ثمة تنوعا مضمونيا وفنيا في مستويات انتقاء الكتاب والكاتبات من أجيال مختلفة كما أشارت الكاتبة في مستهل كتابها، بيد أنها تذكر أن مرحلة الدراسة تركز على الأعمال القصصية الصادرة خلال أربعة عقود ما بين 1960-2000م، وإذا عدنا إلى ثبت المصادر والمراجع سنجد أن أقدم المجموعات القصصية التي عادت إليها الكاتبة هي مجموعة القاص محمد الماجد من الكويت، بعنوان: (مقاطع من سمفيونية حزينة) صادرة بالكويت 1970م، تليها مجموعة القاص أمين صالح من البحرين: (هنا الوردة.. هنا نرقص) الصادرة في طبعتها الأولى عن دار الآداب، بيروت 1973م، فأين المجموعات الصادرة في عقد الستينات الميلادية من القرن العشرين؟

وتشير الكاتبة إلى أسباب اختيارها الانطلاق من العام 1960كمهاد مبدئي لدراسة ظاهرة الاغتراب في القصة في الجزيرة العربية، وترجع ذلك إلى (أن مشهد التحول في المزاج الإبداعي في العالم العربي قد تأكدت ملامحه في الستينيات، فضلا عن أن فترة الستينيات تمثل مرحلة النضج الفني للقصة القصيرة في الجزيرة العربية) وهذا التبرير غير صحيح لا تاريخيا ولا منهجيا ولا فنيا، فمشهد التحول في المزاج الإبداعي في العالم العربي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية شعرا ونثرا، وبدأ التحول إلى كتابة مضامين جديدة في الشعر والقصة القصيرة والرواية، انتقل بها المزاج الإبداعي العربي من عهد الرومانسية أو الوجدانية العربية إلى عصر الكتابة الواقعية، وإلى رصد المضامين الاجتماعية، ومع بدايات الخمسينيات والثورة الناصرية، وبدايات استقلال البلاد العربية عن الاستعمار الغربي انتقل المزاج الإبداعي وتحول بشكل شبه كلي إلى مناقشة القضايا والمضامين الواقعية شعرا ونثرا، قصة ورواية، وشاع مفهوم الالتزام، وكذلك مفاهيم الوجودية جنبا إلى جنب مع التيار الواقعي المهيمن.

أما عن (النضج الفني للقصة القصيرة في الجزيرة العربية) فإن ذلك تبدى في مرحلتي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين حيث شهد هذان العقدان طفرة ملحوظة في الإصدارات القصصية طفرة كمية ونوعية، وجل الدراسات التي عنيت بالقصة القصيرة في جزيرة العرب تؤكد على أن جيل السبعينيات هو الذي أحدث ما يشبه الطفرة الفنية في القصة القصيرة، بل إن هذا الجيل يسمى حسب صالح الشنطي، وطلعت السيد ب(جيل القصة الفنية) والدليل على ذلك أن الكاتبة عادت بكثرة إلى الأعمال الصادرة في مرحلتي السبعينيات والثمانينيات، كما أنه لا توجد وفرة نوعية من المجموعات القصصية الصادرة خلال عقد الستينيات.

ومن هنا فإن تجليات الاغتراب لم تتمظهر بشكل كثيف، ولم تتحول إلى ظاهرة إلا منذ بداية عقد السبعينيات الميلادية، هذه المرحلة التي شهدت الطفرة النفطية، وارتفاع أسعار النفط بعد حرب العام 1973م مما انعكس جليا على مختلف مجالات الحياة في الخليج العربي تحديدا، وأفضى بشكل نقيض إلى تجلي ظاهرة الاغتراب. إن كتاب الدكتورة أميرة الزهراني من الكتب المهمة التي تعالج ظاهرة لها تجليها الباذخ في القصة العربية بوجه عام، ومن هنا علينا أن نقرأ الكتاب بشكل متأن يقظ، كي نقف بشكل محدد على ما توصلت إليه الكاتبة من نتائج، وهي إجمالا تتمثل في:

-نزعة النصوص القصصية في معالجة اغتراب المواطن في وطنه، من حيث تركيزها على الواقع السلبي للفرد والمجتمع.

-مثل الجنس في القصص تعويضا عن حالة المغترب وجوديا الفاقد للمغزى.

-اتكأت قصص (الاغتراب الذاتي) بشكل باهظ على تقنية الحوار الأحادي الداخلي لأن مشكلة المغترب، وصراع تكمنان مع ذاته.

وقد اتكأت الكاتبة على مصادر ومراجع وفيرة تم الاقتباس منها في متن الكتاب بشكل يدعونا إلى أن نعيد سؤال المنهجية الأكاديمية في طرق البحث العلمي، فصوت المؤلفة يتوارى أمام ركام هائل من الاقتباسات والاستشهادات من كافة الكتب، وكأن دورها بات يتمثل في التوفيق الحلال بين رؤوس هذه الكتب ومؤلفيها، دون اعتبار لمستويات هذه الكتب، وتنوع مناهجها، حيث نرى الكتب التي تهتم بسيمياء العمل الأدبي وحداثته، جنبا إلى جنب مع الكتب النقدية التقليدية التي تستخدم مناهج تقليدية لا وجود لها في عالم النقد والكتابة اليوم، ودون أن ترينا هي رأيها النقدي في القصة القصيرة في الجزيرة العربية.

يؤخذ على الكتاب أخيرا أنه مزج بين الهوامش المقتبسة من المراجع النقدية وبين سرد الكاتبة، فلم نعرف تحديدا الكلام المقتبَس من الكلام المقتبس، وأرجو أن تتلافى الكاتبة هذه المسألة في طبعات تالية للكتاب.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد