Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
في استغلال لقلة حيلتها وحيائها وتخوفها من تقلب الأيام 2-2
النساء أكثر عرضة للاعتداء على حقوقهن في المواريث

الجزيرة- خاص

على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة تكشف عدد قضايا النزاع على المواريث في المحاكم إلا أن المشاهدات والواقع المعاش يؤكد أن هذه القضايا تمثل جانباً لا يستهان به من النزاعات بين أبناء الأسرة أو العائلة الواحدة. وإذا كان مرجع هذه النزاعات في أحيان كثيرة هو عدم توثيق الأموال والعقارات من قبل أصحابها وبالتالي صعوبة حصرها عند وفاتهم والسعي إلى توزيعها بين الوارثين، فإن كثيراً من هذه النزاعات والخلافات تعود إلى أطماع بعض الوارثين ورغبتهم في الاستئثار بأكثر من حقهم الشرعي أو عدم رغبتهم في انتقال جزء من ثروات آبائهم إلى أزواج شقيقاتهم من خارج العائلة، أو رغبتهم في حرمان زوجات آبائهم من حقوقهن في الميراث لعدم رضاهم عن هذا الزواج أصلاً وربما لخلافات قد نشأت بين الوارثين بعد أو في حياة آبائهم.

وأياً كان الدافع لمثل هذا السلوك الجائر والمخالف لتعاليم الإسلام وما يرتبط به من قطيعة للأرحام وأكل للأموال بالباطل فإنه يدخل في نطاق أخذ ما ليس بحق واعتراض على الله سبحانه وتعالى في قسمته العادلة للمواريث التي بينها أفضل تبيان في القرآن الكريم.

وقد بادرت (الجزيرة) إلى فتح ملف لصوص المواريث في حلقة سابقة وتواصل في هذه الحلقة إلقاء الضوء على بعض الممارسات في هذا الشأن وآثارها وكيفية مواجهتها.

المشاهدات الأكثر رواجاً وحضوراً في ساحات المحاكم في قضايا المواريث، تؤكد أن النساء يمثلن الشريحة الأكثر عرضة للاعتداء على حقوقهن في الميراث وربما يحدث ذلك في حياة آبائهن، حيث يرفض الأب انتقال جزء من أمواله إلى زوج ابنته من خارج العائلة، فيقدم على كتابة وصية بذلك، أو يلجأ إلى بيع أملاكه (صورياً) إلى أبنائه الذكور. ومن المشاهدات أيضاً إقدام أبناء الزوجة الأولى وهم الأكبر سناً بالطبع على حرمان زوجات أبيهم الأخريات وأبنائهن من الميراث بعد وفاة الأب.

ومثل هذا الفعل له أصل في عصور الجاهلية، حيث كانت المرأة تحرم من الميراث وكذلك الصغار الذين لم يشتد عودهم للكر والفر والقتال. ومن المشاهدات الواقعية في هذا الشأن أيضاً، سلوكيات بعض الأوصياء ونظار الوقف الذين قد يقومون في كثير من الأحيان على استثمار أموال من هم أوصياء أو أمناء على حقوقهم وقد يعرضونها للتلف، أما إذا ربحت ونمت فإنهم يجعلون هذا الربح حقاً خاصاً لهم دون أصحابه الأصليين الذين لهم حق الانتفاع به وبعوائده وغلته.

قصة من الواقع

إحدى هذه المشاهدات يرويها فضيلة الشيخ سامي بن إبراهيم العُمري القاضي بوزارة العدل سابقاً، فيقول: حدث أثناء عملي في القضاء أن دخلت عليَّ امرأة تريد التنازل عن إرثها لإخوانها الذكور فقط، فشد هذا الأمر الخطير انتباهي والذي تكرر أكثر من مرة، فسألت واحدة ممن جاءت للتنازل عن إرثها لأخيها من مزارع عقار وأموال، هل أنت ثرية؟ وحتى لو أنك كذلك فهذا حق لك حلال، قد عاد إليك بشرع الله، فقالت، يا شيخ: يعلم الله أنني فقيرة، وأخي هذا الذي جئت لأتنازل عن حقي إليه أكثر غنى من والدي الذي إليه هذه الأموال، وإذا هو يجوز يا شيخ فأنا لا أتنازل، فضج المجلس الشرعي، لأن هذه المرأة لا تعلم حقها، ولا تعرف أن الشرع قد صانه لها. فقلت لها: لا أحد يستطيع أن يحرمك منه، فالشرع ومن بعد ذلك ولي الأمر حفظ لك حقك، والمحكمة مستعدة لتسليمك مالك، وإذا أردت أن تعطي أحداً شيئاً فبطيب نفس منك وليس رغماً عنك. فبكت المرأة وخرجت من المحكمة ولم تتنازل.

ومثل هذه الحادثة أو الواقعة مثال على عدم توريث المرأة لدى بعض الجهال وإلزامها بالتنازل عن إرثها لإخوانها الذكور باطناً، ولدى المحاكم الشرعية ظاهراً بالرضا، وهي عادة تحدث في عدد من القرى الصغيرة، حيث يحاول البعض اختبار القاضي في بداية عمله ويحاولون أن يمرروا عليه ما يروق للعادات والتقاليد وإن كانت جائزة أو مخالفة لتعاليم الشرع.

وقضية أخرى يرويها الشيخ سامي العمري في هذا الشأن وهي قضية نزاع على عقار موروث بين شقيقين وقد دام نظرها لسنوات طويلة لم يتصافح خلالها هذان الشقيقان، رغم كل الجهود التي بذلها القضاة للإصلاح بينهما وتذكيرهما بخطورة القطيعة، وعندما حضرا إلى المحكمة كانا كأنهما عدوان لدودان متنافران، ولم يتذكرا أنهما نبتا في رحم واحد من صلب رجل واحد، وعند بحث القضية ثبت أن والدهما لم يكن يعدل بينهما وكان يغير أحدهما على الآخر وخص بشيء من أمواله قبل وفاته منها هذا العقار موضوع النزاع الذي كان سبباً في الخصومة بين الشقيقين.

إعطاء كل ذي حق حقه

حول هذه الخلافات والاعتداء على حقوق الوارثين يقول فضيلة الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الربعي مساعد رئيس محاكم منطقة القصيم:

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى آيات المواريث على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آيات بينات لا يجوز لأحد من الخلق تعديلها أو تبديلها بحال من الأحوال، قال الله سبحانه وتعالى بعد بيان استحقاق الوارث وحقوق المورث

{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ

وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

ونحن -ولله الحمد- في هذا المجتمع المسلم لم نجد مشكلة أو ظاهرة تستدعي وجود مخرج منها أو حلول سريعة لها، لأن المجتمع تربى ونشأ على إعطاء الوارث حقه من مورثه وإن وجد حرمان أو نقصان لأصحاب الحق من حقهم فهو نادر -ولله الحمد- والمحاكم تتولى الفصل في ذلك وإعطاء كل ذي حق حقه، لكن هذا لا ينفي أن تحذر كل من يتولى حق وإرث بالغ عاقل أو قاصر أن ينقصه حقه أو يمنعه من عقوبة الله عز وجل والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}.

ويضيف الشيخ الربعي: إن من يفعل شيئاً يوجب حرماً وارث من حقه الشرعي كمن يبيع ممتلكاته إلى بعض أبنائه بقصد حرمان البقية من الميراث بعد وفاته وقد يجعل البيع صورياً فقد ارتكب ظلماً ومعصية، وإذا كان الأب مطالباً بالعدل بين أولاده في العطية في حال الحياة بالأمر الاختياري فكيف بالحق الواجب للوارث من موروثه بعد الوفاة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (واتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فالأمر في التفضيل بين الأولاد والحرمان خطير وصاحبه معرض للعقوبة وإذا حصل تفضيل لأحد الأولاد على بقية إخوته وإخوانه فإن المحاكم الشرعية تنظر في ذلك وتجري عليه النظر الشرعي.

التزام المنهج الشرعي

ويؤكد الشيخ سليمان الربعي أن التصدي للعبث بحقوق الوارثين من مورثهم يكون ببعث وتقوية الوازع الديني لدى من تسول له نفسه فعل ذلك وبيان خطر هذا العبث وعظم أمره عند الله وأن الوارث سوف يأخذ حقه الذي بينه الله عز وجل دون ممانعة أو مماطلة.

وهنا نشير إلى نقطة تهم الوارث والمورث وهي التزام المنهج الشرعي من قبل المورث وعدم الخروج من ذلك حتى لا يحصل خلاف وشقاق ونزاع بين وارثيه بسبب الجنف والجور الذي أحدثه في حياته بينهم، هذا أولاً، وثانياً على الوارثين سرعة إنهاء الميراث وإعطاء كل ذي حق حقه لأن التساهل في ذلك وعدم إنجازه في وقته يدخل الورثة في خلاف وشقاق قد يطول تقطع بسببه الأرحام وتنعدم الصلة والبر والإحسان فيقع المسلم في الإثم بسبب ذلك.

قسمة المواريث

من جانبه يقول فضيلة الشيخ د. نايف بن أحمد الحمد القاضي بالمحكمة العامة بالرياض: تولى الله سبحانه وتعالى قسمة المواريث بنفسه وأعطى كل ذي حق حقه، لكن كثر في هذا الزمن شكوى النساء من عدم إعطائهن حقوقهن من الميراث الذي قسمه الله تعالى لهن بل تعدى الأمر النساء إلى غيرهن من الرجال لذا، وجب إيضاح خطورة هذا الأمر لعل الله تعالى أن يحيي به من ابتلي بشيء من ذلك، والله تعالى قد تولى قسمة المواريث بنفسه حسماً لهذا الباب وقطعاً للنزاع وأنزل في ذلك آيات تتلى إلى يوم القيامة يقرؤها الناس ويسمعونها من الأئمة وغيرهم، وقد امتثل عموم المسلمين لذلك سلفاً وخلفاً ولكن هناك من شذ عن ذلك خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة، فبدأت بعض الدول فضلاً عن الأفراد بتبديل القسمة الشرعية للمواريث سواء بمساواة الأولاد ذكوراً وإناثاً في الميراث أو توريث من لم يورثه الشارع كما في الوصية الواجبة أو إجازة وصية المورث في

حجب بعض الورثة من نصيبهم الشرعي، لذا فمن الواجب على العلماء وطلبة العلم التذكير بخطورة تغيير أحكام الشرع المطهر لرؤى بشرية قاصرة، فقد كانت العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة فحرموهن من الميراث، بل جعلوهن ميراثاً كالمتاع فكان الرجل يرث زوجة أبيه فلما جاء الإسلام أكرمها إكراماً لم يسبق إليه ومهما طال الزمان فلن تظفر بمثله فورثها وأكرمها وقطع ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى قال تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}، عن عكرمه رحمه الله قال: (نزلت في أم كجة وابنة كجة وثعلبة وأوس بن سويد، وهم من الأنصار كان أحدهم زوجها، والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته، فلم نورث، فقال عم ولدها: يا رسول الله لا تركب فرسا، ولا تحمل كلا ولا تنكا عدوا يكسب عليها ولا تكتسب فنزلت الآية.

وكان النساء أكثر عرضة لذلك فإنهن يجدن ضعفاً من أنفسهن، ويخشين عار الضيعة، ويتقين انحراف الأزواج، فيتخذن رضى أوليائهن عدة لهنّ من حوادث الدهر، فلمّا أمرهم الله أن يؤتوا اليتامى أموالهم، أمر عقبه بأمرهم بأن يجعلوا للرجال والنساء نصيباً مما ترك الوالدان والأقربون، فإيتاء مال اليتيم تحقيق لإيصال نصيبه مما ترك له الوالدان والأقربون، وتوريث القرابة إثبات لنصيبهم مما ترك الوالدان والأقربون.

ويستطرد الشيخ الحمد من هنا: فإنه مما يؤسف له أن يوجد في زمننا هذا من لا يتقي الله تعالى في النساء فيمنعهن ميراثهن إما بدعوى تنمية المال وأن المرأة لا تحسن ذلك فيبقى المال عنده دهراً طويلاً لم تنتفع به المرأة أبدا وإن أعطاها أعطاها نزراً يسيراً لا يسمن ولا يغني من جوع فتجد بعض النساء قد أدرجت اسمها ضمن الفقراء الذين تصرف عليهم الجمعيات الخيرية من الزكوات وغيرها وهن أغنى الناس ولكن حيل بينهن وبين أموالهن.

وهناك من يمنع المرأة من العقار دون النقد فتعطى من النقود نصيبها كاملاً أما العقار كالبيوت والمزارع وغيرها فلا يورثها بدعوى أن هذا سيذهب إلى زوجها الغريب عن العائلة لذا تجدهم يكرهونهن على التنازل عن ذلك أو الإقرار عند كاتب العدل ببيع نصيبهن واستلام قيمته نقداً والأمر خلاف ذلك، بل هناك من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة وهو من يأتي بامرأة أخرى تقر بذلك دون علم صاحبة الحق فالله المستعان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة).

وقال النووي ومعنى (أحرج) الحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجر عنه زجراً أكيدا.

منع الميراث!

ويرجع د. الشيخ نايف الحمد أن هذا الذنب وهو منع الميراث صاحبه يدخل فيما رواه مسلم عن يسير بن جابر قال (هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبدالله بن مسعود جاءت الساعة؟ قال: فقعد وكان متكئاً فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، وإن كان الشراح ذكروا صوراً أخرى مما يندرج تحت هذا الأثر فلعل ما ذكرته يندرج تحت عمومه.

ومنع صاحب الميراث نصيبه منه أيضاً من أذية المؤمنين وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}، وهو من الظلم المتوعد صاحبه بعقوبات متعددة في آيات وأحاديث منها: قوله تعال: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} قال ابن كثير رحمه اله تعالى (ينهي الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، ومن يتعاطى ما نهى الله عنه متعدياً فيه ظالماً في تعاطيه أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه فسوف نصليه ناراً) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فيحذر منه كل عاقل لبيب، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} والظلم ظلمات يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، والظلم حرام مهما قل في نظر الظالم {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} قال عليه الصلاة والسلام (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) فقال رجل وإن كان شيئاً يسيراً؟ فقال (وإن قضيبا من أراك، وقال الزرقاني رحمه الله تعالى: (لئلا يتهاون بالشيء اليسير ولا فرق بين قليل الحق وكثيره في التحريم أما في الإثم فالظاهر أنه لي من اقتطع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة كمن اقتطع الدرهم والدرهمين وهذا خرج مخرج المبالغة وتعظيم الأمر وتهويله.

ويتساءل الشيخ الحمد فكيف إذا كان المال ليتيم لا حول له ولا قوة ولا علم بما تركه مورثه من مال فسطى عليه هذا الظالم أكلا له من غير حسان قال عليه الصلاة والسلام (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا يارسول الله وما هن، قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)، ولا يخفى على أحد أن للمظلوم دعوة مستجابة فويل للظالم منها إن عاجلاً أو آجلاً، وقال عليه الصلاة والسلام، (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) وقال عليه الصلاة والسلام (ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب عز وجل وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (سبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة واحترقت كبد يتيم وجرت دمعة مسكين {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ}، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ما أبيض لون رغيفهم حتى أسود لون ضعيفهم وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه لا تحتقر دعاء المظلوم فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب (لأنصرنك ولو بعد حين) وقد رأيت ولكن لست تعتبر احذر عداوة من ينام وطرفه باك يقلب وجهه في السماء يرمي سهاماً ما لها غرض سوى الأحشاء منك فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غم ساعة فكيف والأمر بالعكس.

عقوبة الظالم

ويضيف الشيخ نايف الحمد: مما توعد به الظالم الآكل لمال غيره ظلما من العقوبات فضحه يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام: (والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحد منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر).

وهو أحد المفلسين يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قال عليه الصلاة والسلام: (أتدرون من المفلس يوم القيامة؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) قال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين).

ويختتم د. نايف الحمد: ومع كل هذا يظل باب الرحيم الرحمن مفتوحاً لكل تائب توبة نصوحاً قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فمن تاب من ذنب توبة صادقة تاب الله تعالى عليه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} ومن شروط صحة التوبة أنه إن كان الذنب حقاً لآدمي أعاده إليه أو تحلله منه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد