Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
فجر قريب
إلى متى؟
د. خالد بن صالح المنيف

يذكرُ أحد الكتَّاب أنه درس في أحد المعاهد في دولة غربية وقد امتلأ بأحدث الأدوات والأجهزة المكتبية والتقنية، والعجيب في الأمر أنه قد جرت العادة أن تُسلم إدارة المعهد لأساتذة وطلاب المعهد دون استثناء نسخة من مفتاح المعهد وبإمكانهم الدخول لأي قسم وغرفة في أي وقت شاؤوا، وكان عدد من الطلاب يأتي ليلاً لاستخدام الإنترنت وغيره من تجهيزات، وبعدما ينتهي يطمئن أنه قد أطفأ الأنوار وأغلق الأبواب. ويحكي أنه طيلة عام قضاه في ذلك المعهد لم يُذكر أن أحداً فقد شيئاً أو أن إدارة المعهد اشتكت إساءة استخدام جهاز أو آلة!

ولست أشك أن ما دفعهم إلى هذا هو شعورٌ راقٍ بالانتماء والولاء، وقد زرعت في أعماقهم بذور التحضر والوعي الحقيقي...

تذكرت هذا المشهد عندما قرأت كلاماً لأحد مديري البلديات في بلادنا حيث يقول: إن البلدية قررت في إحدى السنين أن تبني حديقة عامة في إحدى القرى، وقد تجمعت الآليات الثقيلة حول الأرض المراد إقامة الحديقة فيها استعداداً للعمل صباحاً، وعندما حضر المهندسون والعمال لمباشرة العمل وإذا بجميع الآليات والمعدات قد طاف عليها نفرٌ من أهل القرية ليلاً فعاثوا فيها فساداً وجعلوا عاليها سافلها تخريباً وتكسيراً، فأضحت تلك الآليات العملاقة كسيحة عليلة لا تقدر على شيء!

يقول المسئول (الحكيم): فاتخذت قراراً مباشراً بإلغاء قرار إقامة الحديقة حفاظاً على أموال الدولة وحرصاً على مشاعر أهل القرية واستبقاء لجهودهم وقوتهم!

وإنني أتعجب من هذا الهوس عند الكثير والميل المستعر نحو الاستمتاع بمناظر القاذورات وقد ملأت الأمكنة والأجهزة وقد تناثرت قطعها والجدران قد شوهت -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وما هذا إلا لهشاشة التربية وضعف الرؤية والسطحية المستوطنة في العقول. في كل خطوطنا السريعة لا أتذكر أنني في يوم دخلت دورة مياه -أكرمكم الله- فوجدتها نظيفة أو صالحة للاستخدام، ولم أزر استراحة أو منتزهاً إلا وجدت بقايا من أعمال فنية على الجدران أو الأرضية.. حيث يعز على الكثير من الزوار إلا أن يخلد لمساته وبصمته الجميلة!!! وكأن الناس قد تشربوا ثقافة الإفساد والتخريب وأصبحت جزءاً لا ينفك من نسيجهم النفسي والسلوكي -للأسف!

.. وكم يخنقني الألم عندما أزور إحدى الدول المجاورة التي سبقناهم في التعليم كثيراً، ولكن عن الذوق العام عندهم واحترام الآخرين والحفاظ على الممتلكات العامة والحرص على نظافتها وحسن استعمالها لا تسأل!

وتخيلوا لو أن سيارات النقل العام استغنت عن المحصلين في بعض بلاد المسلمين، كم تتوقعون نسبة من سيلتزم بسداد رسوم الركوب؟ أظنها نسبة قريبة من العدم!

أما في اليابان فلا يحضر في ثقافتهم شيء اسمه متابعة أو مراقبة، ولو تجرأت وسألت عند كيفية ضبط من يتهرب عن السداد فلسوف يعتبرها إهانة! وسيكتفي بالرد: لا يوجد في بلادي من يفعل ذلك. وقد حدث هذا عندما سأل أحدهم يابانياً عن عدم وجود الرقابة في الأماكن العامة!!

إن النهوض العمراني والتقدم التقني ليس المعيار الأهم في قياس تطور المجتمعات وتحضرها، بل المعيار الأمثل يتمثل في جودة تصرفات الأفراد وجمال سلوكياتهم.

ومن الصعوبة أن يتطور مجتمع وتتقدم أمة وقد انحسرت فيها ثقافة الأمانة وتحمل المسؤولية وغاب عنها الوعي وأبجديات التحضر والتمدن الحق. وحل هذه المعضلة لا يتأتى إلا بحضور النماذج الطيبة والقدوات الصالحة والاعتناء بغرس القيم والمعتقدات في كل مراحل التعليم التي تدعو لصالح الأخلاق وفاضلها إضافة إلى وجود بيئة إعلامية صالحة تتبنى بث القيم السامية ومعها سيعود الحس الحضاري المنشود بعد دهور من الإنطفاء بإذن الله

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7515 ثم أرسلها إلى الكود 82244


khlalids225@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد