Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937

أحبها وتحبني..!! (3-4)
سيلمان بن ناصر عبدالله العقيلي - عضو اللجنة الثقافية بمحافظة المذنب

 

هو القلم حين يهتك عذرية الورق.. وحينما يدخل فضاءات الحب أستدعي جيوش الحب في قلبي بكل مفرداته ومشتقاته لتخوض فلسفة الحب وتحيي روح الحب من جديد بين أخوين متباعدين.. وبين زوجين متنافرين..!!

إذا كان مؤشر الحب ينخفض بعد الزواج في نظر الكثيرين فذلك لتراجع الزوجين عن ممارسة الحب ربما بسبب ضغوط الحياة المادية فمن يريد أن تثمر شجرة الحب من جديد فعليه أن يجدد حبه وليس تجديد الحب في المقال فقط دون الفِعال لأن فضل الفِعال على المقال مكرمة بينما فضل المقال على الفعال منقصة!!

وكان المهلب يقول: (يعجبني أن أرى عقل الرجل زائداً على لسانه وفعله زائداً على قوله)، قد تصموني بالمبالغة في تجديد الحب بيد أني أعني ما أقول وهذا الأمر ليس بالفعل الصعب، فكلُّ منا يستطيع أن يعطي حبه زخماً وقوةً مع طول فترة الحب وتقادم زمنه، إننا يا أحبة ومع فراغ قواميس بعضنا من كلمة الحب أصبحت حياتنا كصحراء جرداء وأعلنا (الطلاق العاطفي) فصارت حياتنا رتيبة بعيدة عن العواطف؛ ذكرت آنفاً أن الحب يضعف بسبب ضغوطات الحياة المادية وقد يخالفني البعض كيف يكون التجديد في ظل هذه الأجواء المادية والنظرة الضيقة عند البعض. إن هناك يا أحبة أموراً قد فوتناها مع أننا نحس فيها بمشاعرنا ولا نعيرها أية اهتمامات مع أنها تجدد الحب وتعطيه دفعةً قويةً، خذ مثلاً يا عزيزي مناسبة الأعياد كنا قد قطعنا وعوداً بإعادة علاقة حميمة ووعود قطعناها مع من نحب بأن نظل أوفياء وقريبين منهم تلك المناسبات تنتهي بيد أن الأحاسيس التي عشناها والحب الذي بنيناه من التزاور والتراحم لم ينتهِ بعد!!.

إن الحب يا أحبة لا يرتبط بزمان أو مكان.. نريد بعض الإشارات أن تنمو في حياتنا.. نريد إحساساً كالذي يقول: أنا هنا بجانبك ومعك فهل تبقى بجانبي وتعطيني من وقتك؟ أنا هنا بجانبك هل أحسست فيَّ وأنت في قلبي وكياني، فهل تحس بذلك؟ تلك الزوجة وهي تقول: هل تدرك مقدار الحب الذي أكنه لك في قلبي ومقدار الخوف الذي أحسه في صدري حال تغيب عني؟ هنا وبهذا الإحساس نجدد الحب بيننا.. لا نريد مشاعرنا مملوءة فقط في مناسبة الأعياد نريد مواصلة عطاءات الحب والتقرب بين الزوجين والإحساس ببعضهما أكثر فأكثر وهذا يعني استقلاليتك بزوجتك واستقلاليتك بزوجك أنت أيضاً وأنكما لن تكونا بحاجة لغيركما في الاستزادة من مثل هذه العواطف والأحاسيس، ما أجمل أن يشعر الزوجان بالأمان العاطفي قبل كل شيء.

وما أروع الزوجة حينما تقول لزوجها مجددة هذا الحب: اطمئن يا عزيزي فلن ترى مني سوى ما يبهجك ويسر خاطرك ويدخل البسمة والبهجة على قلبك وشفتيك.. آآه ما أروعها من كلمات!!

ولكن ما أحرانا أن نقول (بسم الله ما شاء الله) ونحن نسمع أو نحكي حياة كهذه بين زوجين متحابين فهذه النعمة والسعادة محسود عليها من تكتنفه أجواؤها حتى بين الزوجين عليهما أن يشيعا بينهما ذكر الله. أَلم يقل الحق جل وتبارك في محكم التنزيل {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ}. فقد يحسد الإنسان نفسه من حيث لا يدري!!

ولكي تجددا حبكما فواجب عليكما أن تتغاضيا وتتناسيا الماضي بكل فصوله المؤلمة وبكل حسراته وآلامه وتجلياته، فإن كان هناك من بقعة سوداء في قلبيكما فواجب إزالتها ليتجدد حبكما.. وفكرا في مستقبل حياتكما ودائماً استعرضا الأشياء الحلوة والجميلة وابتعدا عن إثارة وإعادة شريط الخلافات والمشاكل الزوجية لأنها حتماً ستقتل الحب وتجهضه.

وجدير بنا أن ننظر للأمور التي يحدث بيننا فيها توافق لا اختلاف.. أقصد بذلك النقاط المشتركة بيننا لأن ذلك من شأنه أن يجعل الزوجين متفهمين لبعضهما بشكل أكبر لا الاختلاف والشك الذي سيجهز على الحب ويصيبه في مقتل.

إذاً الطريق إلى تحقيق ذلك التوافق هو أن ندرك بأن عدد الصفات التي تربط بيننا تفوق عدد الصفات التي تفرقنا ونحن قبل كل شيء مخلوقات بشرية يملك كل منا نفس إمكانات ومواطن ضعف البشر ولكن نحن بحاجة إلى مزيد من الفهم الدقيق لحالنا وواقعنا!!

إذاً جرعات الثقة بين الزوجين ستجدد الحب وستزيده!!

ومما نلحظه في حياتنا نجد جانباً مهماً من لدن الزوجة ينبغي أن تتنبه إليه لتجدد حبها مع زوجها وهذا يكمن يا أختي في عدم إنشاء سيل من المقارنات غير العادلة بين ما لديك وما في يد غيرك لأن لكل منا أشياء تختلف عن الآخرين وحال الناس ليست على درجة واحدة من الغناء والترف.. إذا على كل زوجين أن يعيدا النظر في واقعهما وفي وضعهما الجديد الذي وجدا أنفسهما فيه رغماً عنهما أو بإرادتهما.. فهذا الوضع ربما أجهز على تفاؤلهما وأصابهما بالعجز عن إطلاق تلك النظرة التفاؤلية لمستقبل مشرق في حياتهما الزوجية ملؤه الحب والأمل الجميل..!!

ولنعاهد أنفسنا على نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع مَنْ أساء لنا وألا نتصيد أخطاء غيرنا فهذا كفيل بتجديد حبنا..!!

وكم من زوجة تفتقد شيئاً من الحنان والمودة اللذين كانت تحلم بهما وقد تمحل حياتهما الزوجية من عواطف ملتهبة تلطف الأجواء والزوجة تتمنى أن تحظى بتلك العواطف التي تمنتها أيام مراهقتها وما إن تحدث مشكلة يسيرة إلا وتطالب الزوجة بالانفصال عسى أن تجد هذه المشاعر عند زوج آخر.. ولم تعلم هذه المسكينة أن الزواج لا يقوم بأهدافه على هذا الجانب فقط بل هناك ثمة أهداف سامية تُجنَى من هذا الارتباط وهو تأسيس أسرة مسلمة وتكثير النسل الذي حث عليه نبي الرحمة وتقارب وتعارف الأسر والعائلات وإنجاب الذرية وغير ذلك مما لا تفطن إليه الزوجة فليست الحياة الزوجية حياة ورود بيضاء وحمراء وزرقاء وقصائد تعيش دوائر الغزل والهيام!!

وتذكري أختاه قول الحق جل وتبارك {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فالعلاقة الزوجية تقوم على المحبة والمودة والألفة والرحمة والرأفة والعطف ومما لا شك فيه في أن هذه الأمور سَتُسَيِّرُ دفة العلاقة الزوجية وتنقلها لبر الأمان حتى لو لم يعش الزوجان في دائرة الحب والعشق والهيام!!

لذلك أختي لتعلمي بأن حياتكما الزوجية تقوم على حسن المعاشرة بين الزوجين والصبر والرضا بقضاء الله وقدره!!

تذكرت مقولة للأستاذ علي الطنطاوي - رحمه الله - يقول فيها (ومن هنا يستبين لك أن الزواج إنْ بُنِيَ على الحب وحده لم يكن به خير!! ولو أن قيساً تزوج ليلى زواج عاطفة فقط - أي دون النظر إلى بقية الاعتبارات الدينية والخلقية - لكان بينهما بعد ثلاث سنين دعوى تفريق!!!) وقرأت إحصائية تقضي بأن 88% من الزيجات التي سبقتها علاقة عاطفية ساخنة بين الزوجين كان مآلها إلى الطلاق وكلنا يستقرئ السبب خلف ذلك وهو أن من يحب الآخر حباً جسدياً (حباً شهوانياً)، قد لا يحكم تقييمه تقييماً صحيحاً سليماً لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة ذلك أنه لا ينظر إليه بعين الدين والعقل والأخلاق بل بعين القلب والعاطفة وما إن يحدث الزواج ومع مرور الزمن تهدأ العاصفة وتبرد الشهوة الجسدية حتى يتكشف الغطاء وتبرز الحقائق وعندها تتبدل المشاعر وتسقط الأقنعة المزيفة ويحدث الطلاق!!

ولتعلم الزوجة بأن الطلاق ليس حلاً لأي مشكلة ولأنها ستخرج من مشكلة وتقع في مشكلة أكبر من سابقتها وهي أن تحملي في مجتمعك شهادة (مطلقة) وتستدق المشكلة وتعظم عندما لا يتقدم لخطبتها شخص ما وكلنا يعلم مجتمعنا وألسنة المجتمع.. تلك الألسنة التي لا ترحم!!

وما زلنا نستقرئ صوراً كثيرةً تقع تلقي باللائمة على المرأة في كافة قضايا الطلاق بل لنقل في أغلبها مع أن المرأة في الكثير منها تكون مظلومة مغلوبة على أمرها فهل من العقل والإنصاف لنفسك أن تعالجي مشاكلك الزوجية بطلب الطلاق والوقوع في أعظم المشاكل خصوصاً إذا كنت تطوقين أولاداً تحت يديك وتلقين بذات أهمية لمستقبلهم كثيراً فهنا المشكلة الأعظم والأكبر!!!

وبنظرة فاحصة نجد أن أغلب مظاهر الحب بعد الزواج استقرأنا بقاءه ووجدناه يكبر ويترعرع نظراً لوجود مقومات بقائه واستمراره فالرجل مع مرور كل يوم يكتشف في زوجته - إن كانت ذا دين وخلق - صفات جديدة وحميدة وتتاح فرصة إظهار المودة والمحبة بين الزوجين من خلال تعاملهما اليومي حتى تترجم تلك العواطف الوجدانية إلى واقع ملموس ومحسوس يظهر في التعامل الحسن بين الزوجين وتفاني الزوجين في خدمة بعضهما البعض كما أن على الزوجة إطاعة زوجها في غير معصية الله وامتثال أوامره وتلبية رغباته وتقديم حسن التعامل وعند ذلك ستأسر قلب زوجها وتسلب فؤاده وهنا تكون مزرعة حبهما!!

وكم من زوج تزوج امرأة لا يحبها ولا يشعر تجاهها بأية عواطف وبعد زواجهما بفترة وبسبب حسن تعامل الزوجة صارت نور عينه وسمع أذنه وملكة فؤاده حتى تعلق قلبه بها كثيراً.. إذاً الزوجة الذكية هي من تستطيع أن تزرع الجمال الروحي في بيتها وفي قلب زوجها حتى لو لم تكن جميلة فالجمال جمال الروح والخلق وحسن التعامل!!

وليصبر الزوجان وليعطيا حبهما فرصة لينمو وينشأ بينهما فلا يعطيان الضوء الأخضر للخلافات لتفعل فعلتها وتلقي بظلالها على حياتهما بل ليفتح الزوجان الضوء الأخضر هنا للتضحية للقضاء على كل خلاف..!!

فالحب بحاجة لوقت ليجد الزوجان ثمرته في حياتهما فليس من الجميل أن نستعجل النتائج ولكن ثمة وقت لتتكشفَ طبائع الزوجين ويَطَّلِعَ كُلُّ طرفٍ على صفات الآخر ويستوثق منها، فالرومانسية هي مشاعر تراكمية تستدق فصولها وتستبين مع مرور الوقت لتتراكم في ذهن وعقل وقلب الطرفين وهي مجموعة من الأقوال والتصرفات والمواقف النبيلة التي يدين بها أحد الزوجين للآخر وعندها سيحدث الحب بين الطرفين..!!

وما أجمل أن تتحلى الزوجة بحلية الصبر ذلك أن الدنيا دُول، ودوام الحال من المحال والقلوب تتبدل يقلبها الله كيف يشاء فإذا أنتِ عانيتِ من زوجك شيئاً من الجفاء والإهمال والصد والإعراض فاصبري وتجلدي وفوضي أمركِ لرب البرية واحتسبي وعفي عن الحرام وابتعدي عن مواطن الفسق والفجور وتفحصي مواطن الخلل في حياتك ومعاملتكِ مع زوجكِ وجاهدي نفسكِ في تغييرها واحرصي على طلب المولى عز وجل بإصلاح حالكما في الأسحار وتصيدي مواطن الدعاء المستجاب وبصدق وإخلاص واسأليه أن يحنن قلب زوجكِ عليكِ فعسى أن يجيء الفرج من ربٍ غفورٍ كريم!!

فمن يدري فقد ينقلب قلب زوجكِ ويعطف عليكِ وتتغير أحواله بفضل الله ثم بفضل تعاملكِ ودعائكِ، ومَنْ يدري قد تدور أحداث مؤلمة ومواقف مؤثرة تعيد زوجكِ إليكِ فتتبدل حاله ويعود إليكِ محباً ودوداً ويعود زوجاً حنوناً صادقاً ويشتاق للقائكِ شوق الطيور لماء البحيرات..!!

ولعل بعد العسر يسرا.. وبعد مساءات الشتاء الباردة تتحين لحظات الربيع المورقة بوروده الجميلة.. كل ما أريده أن تعيشي مع زوجكِ لحظات آمال مقبلة زاهرة بإذن المولى جل وعلا!!

كما أن تجديد الحب يتطلب من الزوجين شيئاً من التضحيات السامية وأن نعطي حياتنا وقوداً من العطاءات الجميلة فهي مساحات طيبة تملأ حياتنا نشوة ومضاعفة كمية التسامح لكل من يخطئ في حق الآخر فالدنيا في نظري لا تستحق كل هذا الغضب.

فعلاً يا أحبة أكرر قائلاً: الحب ليس مجرد كلمة بل هو فعل وعمل إنها الحياة بكل تفاصيلها..!!

ولكي أجدد الحب يجب أن أكون معطاء وأتواصل في عطائي وأضحي بتضحيات يصحبها القلب الصافي والنظرة الحنونة والمشرقة للحياة ولبناء منزل سعيد!!

ومضة:

ما أجمل الحب عندما تتكلم عنه الدموع.. تذكرت وقتها الشاعر الذي يقول:

أيها الحب الذي بين ضلوعي

وعروقي جارياً مجرى الدم

كنْ على صمتك ذا إن دموعي

قولها أحلى وأجلى من فمي

aborakan8@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد