Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
ماهي الصدفة..؟ ..وكيف يكون الحظ؟

فضيلة الشيخ صالح بن سعد اللحيدان.. المستشار القضائي الخاص.. والمستشار العلمي للجمعية العلمية للصحة النفسية بدول الخليج والشرق الأوسط

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:

فبدون مقدمات ولتمام الثقة بكم سؤالان

- ما هي الصدفة..؟ - كيف يكون الحظ..؟

تلميذكم.. د/ أحمد رشاد نصري شحاته - لندن
ج/ قرأت لك في بعض المنتديات أطروحات جديدة وما كان بينكم وبين أخينا الشيخ العلامة/ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى

وإذ أرحب بك بهذين (السؤالين) وطرحهما طرحاً جازماً بعيداً عن إنشائيات لا داعي لها فإنني أجدها مناسبة طيبة لأشكر لك حضورك العلمي المتسم بالرزانة.. وطول البال

* أما الإجابة فإن الصدفة، من حيث المقتضى اللغوي مأخوذة من صَدَفَ يصدُف والصدف بتسكين ..الدال.. هو الشيء الحاصل لك صدفة أو مُصادفة، فيُقال مثلاً: لقيته: صدفةً ووجدته، صدفةً أي لم يسبق لك موعد أبداً مع أخيك أو صديقك لكن تجده: عابراً أو: جالساً.

ويقال وجدته صدفة كأن يجد المار شيئاً ساقطاً في الطريق ويقال هنا كذلك لقيته، فكل ما لم تُرتب له في بالك شيئاً من: موعد أو اجتماع ونحوهما فهذا يكون صُدفة، والعلة هنا أمر خافٍ لأن إرادة الله جل وعلا سابقة والشيء الذي يحصل بينكما هذا هو: العلة، ولكن حينما تدخل بيتاً أو غرفة ما فتجد في: السقف ثريات مصفوفة أو مراوح متجاورة أو أروقة ملصقة بالجدار..هُنا.. لا محل للصدفة في هذا بل ذلك بفعل فاعل كهربائي أو فني أو عامل أو نقاش والشمس منذ آلاف السنين والقمر كذلك يجريان بحسبان، وللثريا منزل، وللجوزاء منزل، وللسماك منزل، وللجدي منزل، ولسهيل منزل، وتهاجر الطيور في مسار متحد ثم هي تعود في حالك الليل البهيم لا تضل طريقها، وتُسقى الأشجار كلها بماء وثمرتها مختلفة، وتهاجر الحيتان عبر البحار دورياً في مسلك واحد ثم كثيراً 99% تتجه نحو الجنوب حتى تصل إلى مرادها ولو كان شمالاً وهذا القمر في: (ولادته ثم في هلاله ثم بدره وهكذا حتى يعود كما بدا أول مرة حين ظهر وهو كذلك منذ آماد متطاولة لم يختلف ولم يتغير ولم ينحرف ونقرأ جميعاً ذلك في الحكيم المنزل: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} والنجوم منها الجاري ومنها المستقر ومنها المُضيء ومنها المظلم ومنها البعيد ومنها القريب ونقرأ معاً: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}.

وهذا الليل وهذا النهار وهذا الصيف وهذا الشتاء.. إلخ..فصول ومدارات بل فوق ذلك ما لا ندركه حساً أو معنى لعدم تعلق (الحكم به) لنا ونقرأ:

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} والكون يتمدد ويتسع ونقرأ أيضاً:{وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}. فهنا لا مكان لصدفة أو لخيال يخاله صاحبه فهو يرديه ليحوله إلى مدار ظني سفيه فيرمي بهذا وذاك إلى الطبيعة والطبيعة من طبَّعها..؟ من أوجدها؟ ثم ما هي..؟ ومن هو القائل بها؟ وكيف يكون؟،

أما الحظُ فقد لاحظت أن:

أ/ عبداللطيف شرارة قد كتب فيه ما نصه:

(الحظُ كلمت شائعة يستعملها كل الناس في مواقف معينة، وظروف نفسية خاصة يوضحون بها ما طرأ ويبررون ما وقع ويفسرون سير الزمن بها إن سلباً أو إيجاباً وفاقاً للرغبات التي تجيش في نفوسهم والأعراض التي يحلمون بتحقيقها أو لا يحلمون ولكنهم ينقسمون إلى: مؤمن بالحظ وغير مؤمن به) ثم يقول: (التجربة الشخصية الخالصة أعني تلك التي يعانيها الكائن الإنساني امرأة = كان أم رجلاً= في ذاته لذاته حيث تنسدل عليه الحجب ويخفى على العالم الخارجي كله خفاءً مطلقاً شاملاً هناك في هذه المنطقة المظلمة خارجاً المنيرة داخلاً داخلها يقوم أو ينهض الحظ) ثم يُردف: (ذلك بأن الحظ نفسه معنى شخصي صرف ولذا كانت التجربة الشخصية إطاره الذي يدور فيه حتى إذا كان خارجاً أو خرج عن هذا الإطار وبرز في وضح النهار تلقاه الخارجون عنه.. أي الناس... مختلفين في النظر إليه ..إلخ).

فشرارة هنا في كتابه (المترجم) مفتاح الحظ (مفتاح الحظ) ص4،5،6 يترجم الحظ هكذا، وفي رأيي أنه هنا إنما يُبين بصورة أو بأخرى حقيقة الثقة في النفس لكن الثقة الواعية، ولهذا غاب عنه حقيقة الحظ أصلاً وإلا فكلام في الجملة جيد.

والحظ في حقيقته أمر إلاهي صرف أو معنى ذاتي أودعه الله تعالى في بعض خلقه يتمثل طُراً في: النباهة والدهاء وسعة الحيلة ومعرفة دوام الكسب وقوته إلا أن من هذه صفاته وهذا حظه يتعب كثيراً لأن هذا الصنف يميل لذاتية الحياة وسعة جاهها فيحسب أنه محظوظ.

لكن الذي أعلم أنه هناك شيء يجب أن ندركه جميعاً ألا وهو: التوفيق والتسديد وحتى نقف على ماهية ذلك أبين فروقاً مهمة في بابها مهمة لأنها توضح حقيقة وحقيقة، وبعيداً عن الاستطراد.. أورد ما يلي:

1 -فالمحظوظ يميل إلى: الحذر.

2 -الموفق لا يميل إليه.

3 -المحظوظ يميل إلى المركزية.

4 -الموفق يتجنبها.

5 -المحظوظ يستغل غيره كثيراً.

6 -الموفق يمقت ذلك.

7 -المحظوظ قد يُضحي بآخرين.

8 -الموفق يخاف من هذا (لله)

9 -المحظوظ يزخرف حياته.

10 -الموفق تلقائي.

11 -المحظوظ دائماً يتظاهر بالبراءة.

12 -الموفق على سجيته.

13 -المحظوظ قد يتنازل كثيراً.

14 -الموفق يصعب استغلاله.

15 -المحظوظ حريص على جاهه جداً.

16 -الموفق ليس كذلك.

17 -المحظوظ كثير العبادة.

18 -الموفق.. دقيق فيها..

والحظ جميل لمن استغله بخلود حسن وعدل حسن وخوف وورع.

أما ذو التوفيق فهو كما جاء في رواية صحيحة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه نفر من أصحابه فكأن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه تأخر عن القوم فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم وأدرك أن: (جمله مريض) فضربه النبي صلى الله عليه وسلم فشُفيَ وسار سيراً حسنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بعينه فوافق (جابر) لكنه اشترط حملانه إلى المدينة وحين وصلوا إلى: المدينة جاءه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أتراني غبنتك (أي غلبتك) هو لك ودراهم.

وجاء في الذكر الكريم عن شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه حين نبذوه واحتقروه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (88) سورة هود.

وضابط ذلك كله أن (الموفق) إذا دعا وتظلم إلى الله تعالى نصره الله على ضعفه ومسكنته، أما المحظوظ فضابطه أنه قد يستدرج فيهلك بسبب ما من الأسباب التي يسعى إليها ويحرص عليها فيُزاد ويُمد له، وهو إنما هو استدراج وقليل من يفطن إلى: ذلك وبهذا يتبين: أمر الحظ.. وكيف يكون..؟

وكم آمل من أستاذنا شحاتة أن يترفق باللوم إن بدا مني: سهو أو اختصار ولعله يتبين في القراءة الثانية ما لم يتبين في القراءة الأولى.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد