Al Jazirah NewsPaper Saturday  01/03/2008 G Issue 12938
السبت 23 صفر 1429   العدد  12938
المنشود
اجعلني على خزائن الأرض!!
رقية سليمان الهويريني

كان طلباً جاداً يحمل بين طياته الثقة بالنفس والإصرار على النجاح، من شخص خارج للتو من أسوار السجن. هذا السجن الذي لم يستطع -رغم وحشة أيامه وظلمة لياليه- تحويله إلى شخص مكسور أو ضعيف أو بائس، وهو الذي كان متهماً بقضية أخلاقية من لدن زوجة الحاكم! ولم يلجأ إلى المفاوضة أو يطلب مقايضة أو ثمناً على خطأ ارتكب بحقه، أو ظلم وقع عليه، ولم يحتج على القدر بل استثمر عزيمته القوية وطاقته المتوقدة من واقع معرفته الدقيقة بما يمتلك من قدرات ذاتية لا يرضى بها بديلاً.

وحين لمس من الحاكم التمكين ونال الإعجاب طلب منه بصيغة الجزم أن يسلمه حقيبة وزارة المالية! هكذا، دون مقدمات أو تبريرات، فهو لا يؤمن بالتدرج الوظيفي أو أنصاف الحلول، أو التجربة فأطلقها عبارة لتكون بعدها آية كريمة تتلى على مر العصور: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}!!.

هذه العبارة الجادة والحاسمة حين صدرت من نبي الله يوسف عليه السلام رغماً عما تعرَّض له من محن ومآسٍ، واتهامات مرجفة بالسرقة من لدن إخوانه، وسوء السلوك وفساد الأخلاق من قبل زوجة عزيز مصر، إلا أنه لم يتوقف عندها، ولم يبق لها أسيراً، بل تجاوزها ووأدها في مهدها، ليصعد نحو أفق رحب من التفاؤل وليرتقي إلى منزلة أعلى وقودها العمل والعطاء، ليضيء -بذلك- طريقاً معتماً للمظلومين المنحورين بسكّين الاتهامات، المخنوقين بحبل القسوة، وليدشن مشروعاً لأولئك الذين يجدون في أنفسهم الكفاءة والجدية بأن يخبروا عن أنفسهم ويسوقوا لذاتهم بصدق وواقعية ويزكوا إمكانياتهم الحقيقية، ليرشدوا كل من يسعى للبحث عن الكفاءات والمقدرة على إنجاز العمل.

إننا إزاء معضلة اجتماعية وإدارية مفادها افتقار بعض الوظائف والمهن لوجود الشخص المناسب بالمكان المناسب، على الرغم من توفر كفاءات بمؤهلات ملائمة وقدرات عالية، بيد أن عجز أولئك الأشخاص عن إشهار أنفسهم أو عدم مقدرتهم على تسويق ذواتهم إما بسبب الخجل أو الخوف من الرفض أو ردود الفعل كالسخرية أو الاستخفاف بهم، فتجدهم أسرى أماكنهم الوظيفية انتظاراً للصدف إما بتزكية من حريص: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، أو معرفة قديمة من قريب محب أو صديق مخلص، أو أن يقع اسمه تحت نظر أحد زملائه القدامى فيذكره بالخير ويتذكر حماسه وطموحه الذي قد يكون تجمد تحت جليد البيروقراطية أو أنه انصهر من جراء حرارة فساد إداري فأحاله إلى رماد!!

ص ب 260564 الرياض 11342




rogaia143@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6840 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد