Al Jazirah NewsPaper Monday  03/03/2008 G Issue 12940
الأثنين 25 صفر 1429   العدد  12940
الحبر الأخضر
البعد العقدي في الصراع الدولي
أ. د. عثمان بن صالح العامر

الحضارات عندي وإن اختلفت صبغتها وتلوّنت أبعادها هي في إطارها المادي العام ذات روح متماثلة تشكِّل في نظر المتمعن فيها (حضارة إنسانية واحدة) تنامت بشكل تراكمي عبر التاريخ البشري الطويل، ولذا لا صحة لوجود حوار بين الحضارات وإنما نقل وتطوير للماديات المختلفة حسب الحاجة الحاضرة وبناءً على متطلبات جيل العصر والمعطيات التي تملكها كل أمة أو وطن وقطر،.. والثقافة في نظري ثقافات متعدِّدة ولا يمكن بحال أن تنصهر في بوتقة واحدة لتشكِّل منظومة متكاملة أو متجانسة مهما كان التقارب المادي بين الأمم والأوطان ومهما كانت الرغبة للتجانس والتماثل موجودة عند الجميع وإن كان ذلك الأمر مستحيلاً كما هو معلوم، وأكثر ما يمكن أن يفعله الحوار والذي هو من الأهمية بمكان في هذا المقام على وجه الخصوص، أكثر ما يمكن أن يقدمه لأصحاب الثقافات المتعددة هو تقريب المسافات ليتعرّف كل طرف على الآخر عن كثب وربما تحققت الهدنة الفكرية لزمن محدود من تاريخ البشرية الطويل، فالقناعات الثقافية التي تشكِّل شخصية الأمة وتميز هويتها باقية في روح الجماعة كما هي لم تتغيّر ولن تتبدل ولا يمكن أن تزول بسهولة ويسر، بل ستظل باقية وإن ضعفت في يوم من الأيام لأي سبب من الأسباب، وإن ظن الراصد أن هناك تغيراً كبيراً فهو لا يعدو أن يكون تغيراً لدى بعض فئات مجتمع ما وفي بعض الظواهر الثقافية التي سرعان ما تعود إلى سابق عهدها عندما تنضج أو تتذكّر وغالباً ما يكون التبدل الحادث محصوراً في الثقافات الفرعية في المجتمع لا في الثقافة الأم، والصراع بين الثقافات المختلفة القائم على عدم الرضا عن الوجود الحالي الفاعل أو حتى التخوف من الفاعلية المستقبلية المتوقّعة أمر قدري ممتد عبر التاريخ الإنساني الطويل، وهو على وجه العموم يدخل في مدلول (قانون المدافعة) المعروف والثابت في قول الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ...}، ومن المعلوم أن العقيدة أياً كانت هذه العقيدة ذات جذر أصيل في البناء الثقافي لأي أمة من الأمم، ومع قناعتي الشخصية بأهمية المصالح المشتركة وأثرها المباشر في مسار الصراع بدلالته الواسعة خاصة في عصر العولمة هذا إلا أنني أجزم أن العقيدة أو الأيدلوجيات عموماً سواء أكانت صحيحة أو محرّفة أو حتى وضعية باطلة منذ البداية ذات أثر أقوى في الصراع الدولي، فالمصالح مهما كانت فإن أثرها يقف عند حد تحديد السلاح الذي يفضّل استخدامه مع هذا البلد أو ذاك سواء أكان السلاح سلاحاً عسكرياً أو سياسياً أو ثقافياً فكرياً أو حتى اجتماعياً، إذ إنني من أولئك الذين يؤمنون بأن تفكيك النسيج الاجتماعي في البلاد العربية اليوم سواء من خلال المناداة بالمذهبية الضيقة أو العصبية القبلية المتخلفة أو... ربما كان سلاحاً من أسلحة الصراع القائم في ساحتنا الشرق أوسطية.. لقد عشت مع هذا الموضوع طويلاً وعلى وجه التحديد منذ كنت أفكر باختيار موضوع لأطروحة الدكتوراه في الثقافة الإسلامية أي قبل ما يزيد على السبعة عشر عاماً وإلى اليوم، قرأت خلال هذه السنوات الطويلة الكثير من الكتب والدراسات التي تطرح هذا الإشكالية بشكل مباشر أو غير مباشر، وكثير منها يؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشك أن العقيدة حاضرة في أي صراع دولي خاصة ما تدور رحاه في عالمنا العربي والإسلامي أو ما يُسمى بالشرق الأوسط وإن كان في الغالب الأعم لا يظهر ذلك ولا يُشار إليه لا من قريب ولا من بعيد، ومن هذا الباب يأتي الحديث عن حدث الساعة ألا وهو إعادة الإعلام الدنمركي نشر الصور الكاراكاتيرية المسيئة للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تحت ستار الحرية وما تلا ذلك من تصريحات استفزازية من قبل جهات سياسية أوروبية معتبرة، فالحدث برمته هو في نظري بمثابة إلقاء الحجر فيما يظن أنه ماء راكد لرصد اتساع قطر الدائرة الناتج عن تحرك الماء بعد رمي هذا الحجر المؤذي ومن ثم التحرك المستقبلي على ضوء المؤشرات التي رصدتها الدوائر المعنية بذلك، وهذا نهج معروف في أبحاث قياس اتجاهات الرأي العام حول أي موضوع يراد تحديد معالمه وأبعاده لدى شعب من الشعوب، وكلنا يعلم حقوق الرسول الكريم على كل مسلم والتي تقوم جميعاً على أساس محبته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إذ إن من مستلزمات محبته صلى الله عليه وسلم متابعته وكثرة الصلاة والسلام عليه، والذود عنه ونصرته وتحقيق شهادته على البشرية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...}، وكلنا يعلم أهمية المشاركة الشعبية لإيصال صوت الحق وتبرئة الذمة، والحدث عموماً من النوازال التي أرى أن تنبري له هيئة شرعية دولية معتبرة تحدد المنهج الصحيح في النصرة وآلية التطبيق فيما يحقق الأثر ويقطع دابر الشر خاصة وأن هذه هي المرة الثانية التي تنشر فيها هذه الصور وإن كانت الدائرة في هذه المرة أوسع وربما يتبع ردود الفعل الإسلامية ما هو أكثر إمعاناً في النيل من هذا الدين وأهله من قبل دول الاتحاد الأوروبي خاصة، حفظ الله أتباع هذا الدين ورد كيد الكائدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد