الموطن الأول : آن الآوان
تحطمي.. تحطمي يا قيود الصمت على لساني، تحطمي يا شظايا الدمع في مقلتي، وسني سهام العيون المليئة بالأحزان، وسنيها لتجعليها أكثر حدة لتنغرس في القلوب.
تحطمي يا أقفال الأبواب المؤصدة على قلبي، تحطمي ولترقدي بين الأضلع الباردة التي أصبحت كقطع جليد حاد، تحطمي يا أغلفة العقل الرقيقة وعربدي أيتها الروح الجديدة زمجري.. ثوري.. اصرخي.. ولكن لا تستكيني للذل والهوان، ولا تركعي للظلم والطغيان فلقد آن الأوان لأن تصرخي بأعلى صوتك حرام.. حرام.. حرام.. أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان. حرام أن يأكل الإنسان لحم أخيه الإنسان.. حرام أن ينسلخ الإنسان من دين الإنسانية، حرام أن يقطع الإنسان رزق أخيه الإنسان.. حرام.. حرام.
الموطن الثاني: وماتت الضمائر
عندما تجف العروق من الدماء، وتتصلب الأحاسيس، وتتجمد المشاعر.. عندما يتحول الإنسان إلى مجرد تمثال من طين بل إلى مجرد آلة لا تفهم المشاعر والأحاسيس الإنسانية، بل تفهم التنفيذ والأوامر بغية السيطرة الذاتية المعدومة الإنسانية.. عندها يضيع الأمل في وجود العالم ويتبدد الحلم كسحابة ربيع غنية بأمطار الحياة.. عندها تموت الابتسامة، وتختنق العبرات وتقتل الضمائر، إنها حياة اليوم، بل إنها مبيدات الزمان.
الموطن الثالث: الغربة
عندما تختنق الكلمات وتتبعثر الحروف وتختلط الدموع بالآهات والتنهدات، عندما تحين لحظة الفراق لحظة الوداع الأبدي تسيل الدموع وتنهمر من غير قدرة منا على كبح جماحها، عندها تحترق الوجنات وتذبح الابتسامة، وتسلخ الضحكة من الشفاه عندها تصرخ الحناجر وتتململ الأحزان في حنايا الضلوع، ويفقد الإنسان لحظة الفرح ليودعها مفارقا بعد أن قتلها الحزن.
أليس هذا الفراق. فراق الأحبة والأصحاب ليعيشوا في مواطن الغربة القاتلة، غربة الروح، غربة السعادة الحقيقية وسط الأحزان والدموع.. إنها الغربة الأبدية.