Al Jazirah NewsPaper Friday  07/03/2008 G Issue 12944
الجمعة 29 صفر 1429   العدد  12944
الشيخ التويجري.. مؤرخاً
إبراهيم الناصر الحميدان

كلما وردت أسماء الرعيل الأول من الأدباء والمفكرين تذكر المواطنون مبدعاً مشهوراً هو الأستاذ الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري الذي أسس بتوجيه من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منتدى الجنادرية للثقافة والتراث الذي أصبح رمزاً لتأصيل الفكر السعودي ورمزاً لاسترجاع ما للتراث من أصالة ومكانة في الأدب السعودي الحديث.

وللشيخ التويجري تاريخ حافل في نطاق العمل؛ فهو الذي قاد حركة تطور قوات الحرس الوطني بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ تأسيس قوات الحرس الوطني التي انطلقت من فئة البادية فتدرج بها حتى ضاهت قوات الجيش النظامي من حيث التنظيم وتشكيل التدريب، فاستعمل أحدث الأجهزة ذات القدرة القتالية العظيمة في مختلف الوحدات.

على أنه رغم ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقه في متابعة تطوير الأنظمة والإشراف على تحديثها وما يتطلبه ذلك العمل من اجتماعات ونقاشات مع القيادات، فقد استطاع اقتطاع قليلاً من الوقت للمتابعة الثقافية في تكوين رؤية لما يحدث في العالم من تطورات فكرية والإسهام في العطاء الذاتي لما يجري ويستحق الإضافة عن طريق التأمل والتأليف.. وهذه الإضافة الثقافية من العطاء تدل على فكر ثاقب ورؤية متطورة تستجيب لما ينشده الفكر من تطوير لزيادة الاستيعاب والإسهام فيما يتعلق بالتحديث والاستزادة والإضافة ولا سيما ما يتعلق بالعمل الفكري والنظرة الفلسفية للواقع المعاش، وهي عطاءات ذات مفعول فكري ينشد التجذر في التراث الإنساني؛ ما يعني الإسهام الظامئ للبحث عن الانطباع الصريح.. وها هو أستاذ كبير هو الدكتور نجيب زكي محمود في مقدمة كتاب (حاطب ليل ضجر) يعطي هذا الانطباع قائلاً: لم أكد أقرأ من هذا الكتاب فاتحته حتى أحسست وكأني خطوت بقدمي في عالم مسحور يستضيء بضوء القمر الحالم الذي يشيع أمام البصر ما يشبه أن يكون أحلام الحالمين؛ إذ أحسست كأن الذي أمامي ليس كلمات مسودة وإنما هو ضروب من الحنين الخائف، ومن القلق المتارق ومن الطموح المتوئب أنها كلمات من قلب صادق يجسد تأثير القليل مما قرأ.

أما الدكتور حسن ظاظا فيكمل الجزء الثاني من هذا الكتاب النفيس (حاطب ليل ضجر) بمقدمة لا تقل انطباعا عما كتبه الدكتور زكي محمود قائلاً: لا أستطيع أن أقول إنني (أقمت) مع هذه الخواطر في مكان ما من آفاق النفس البشرية، لقد كانت تأخذني دائماً في رحلاتها المستمرة فأراني معها مصعداً مصوباً فيما لا يكاد ينتهي من دروب الفكر ومسالك الروح وشعاب الوجدان!. ويضيف: وعلى سماء الدجى نجوم أو رجوم، قد ترك عالم الضوء والماء والطين تحت قلم هذا الكاتب المقتدر، ليتجلى فيما وراء المادة الكثيفة الثقيلة روح نورانية شفافة تسبح في ملكوت الله تعالى اللانهائي. وأما نظرته للتاريخ فتتمثل في هذه البداية بكتاب (اجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ)، أيجوز، أيها التاريخ، لصعلوك من أدعياء الفكر أخذ التصعلك مع الأوراق رحلة من رحلات الوهم ظناً منه أنه يفكر أن يعترض طريقك التي تمشي عليها؟ إنه في هذه العبارات يضع نفسه في موقف المتأمل مما يجري في العالم من أحداث تواضعت أدواته الفكرية عن استيعابها، مواقف بما يصعب عليه فهمها لضخامة الإبحار في تفسيرها.

من مؤلفاته القيمة كتاب (ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن)، وهو بحق سفر نفيس لا يستغني عن قراءته كل مثقف متابع للحركة الفكرية في بلادنا لما تضمنته من أفكار ورؤى حرية بالمناقشة حتى وان اختلفنا مع بعض معطياته إلا أنها تبقى اجتهادات لا غنى عن تأملها. ولعل رؤية الناشر لها أهمية، حيث ذكر فيها (من يشارك في مجلس الشيخ عبدالعزيز التويجري في الرياض أو خلال الزيارات الموسمية له إلى بريطانيا وفرنسا وسويسرا يتمنى لو أن الرجل الظاهرة يسجل ما يقوله على الورق كتاباً يقرؤه الناس على مختلف أجيالهم، ومن يقرأ كتاباً ألفه الشيخ عبدالعزيز يتطلع إلى كتاب آخر يؤلفه لما له من عمق في التأمل واستحضار دائم للتاريخ في زمن الكتابة عن أحوال الحاضر ووجع متواصل في الوجدان يلمسه قارئ كتاباته وبالذات من كانت نفسه متعبة وروحه مرهقة.

وعلى النحو الذي تتفجر فيه المياه فجأة من أرض في صحراء وتتحول هذه إلى واحة، فإن الشيخ عبدالعزيز تفجرت الرغبة في الكتابة عنده بعدما كان أمضى أكثر من نصف قرن في الوظيفة قريباً من ملوك الجزيرة العربية بدءاً من المغفور له الملك عبدالعزيز وشاهداً على المملكة العربية السعودية ومراحل انتقالها وتطورها. وخلال عقدين من الكتابة صدرت للشيخ عبدالعزيز سبعة مؤلفات ضمت القليل من الكثير الذي في خاطره وفي وجدانه، من هذا العطاء الزاخر نقتبس ما جاء في آخر كتاب تحت عنوان (ركب أدلج في ليل طال صباحه)، وهي تعكس ما يجول في خاطره؛ إذ قال: ليتني أعرف ماذا تركت ورائي وماذا لي عند الأيام من ذكريات، ليتني أعرف ماذا خبأت لي الحياة في ثنايا جيوبها، أمنيات جاءت إليّ متأخرة وهي ما أحاول أن أحملها على أكتاف الورق.. لعل شيئاً يستجيب لي ويقول: تساؤلاتك وأمنياتك هي خطاك ومسارك مع الأيام.

اشتملت هذه الكلمة على شهادات الذين قيّموا إنتاج المؤلف، وهي شهادات كانت في صالح المؤلف، ولكنها رسائل تبادلها مع بعض الأدباء هي بالتالي شهادة على مستوى العطاء وقيمتها الفكرية كونها صدرت من رجال لهم مكانتهم وقيمتهم في أكثر من قطر عربي.

وقبل أن أختم عن عطاء المؤلف مع رجالات الدولة وعلى رأسهم المغفور له الملك عبدالعزيز حيث عمل المؤلف في الديوان الملكي فترة من عمره عاصر خلالها رجالات الدول الذين خاضوا غمار السياسة في البلاد وخارجها.

فجاء كتاب لسراة الليل هتف الصباح في جزأيه (دراسة وثائقية) تخليداً لتلك المرحلة، وتواجهني في صدر كتابه الضخم بجزأيه هذه الحكمة التي يقول فيها: كثيراً ما مالت بي هواجسي ومعاناتي إلى العزلة، لكني أدركت أنه لا رفيق لي في عزلتي غير الجهل، والجهل هو مشكلتي مع نفسي لأني كلما قدرت أني اكتسبت شيئاً من المعرفة قالت لي الحياة ما أبعدك عنها.

وهذا الكتاب يحتاج إلى دراسة وسفر يحاكي المشقة التي واجهت مؤلفه في تأليفه.. ولسوء الحظ فلم أحظ بدراسة تحليلية تضاهي هذا الكتاب النفيس لينال مؤلفه ما يستحق من الإجلال والتقدير في الانكباب على هذا السفر؛ لأنه يمثل تاريخ مؤسس هذه البلاد وما عاناه من ظروف حتى انتهت إلى تذليل الخطوات في سبيل نشر العلم والمعرفة في البلاد وما تحققت له من انتصارات عظيمة جاءت نتيجتها ما أفاء الله به على هذه البلاد من نعمة اكتشاف الزيت الذي كان خطوة ايجابية في سبيل ما بذل وما تحقق من نجاحات ايجابية نسير على خطاها اليوم في تقدمنا.. والإصلاحات التي تحدث على يدي الملك المصلح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أطال الله عمره ورعاه ما هي إلا بعض الطموح الذي نتوخاه لبلادنا والسؤدد لخطواتنا القادمة إن شاء الله.

أنعم الله على مؤلفنا بالصحة والعافية وهو يعاني من اعتلال بالصحة؛ حتى ننتفع بعلمه الوافر وأدبه اللامع.. إنه مستجيب للدعاء إن شاء الله سبحانه وتعالى.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد