Al Jazirah NewsPaper Friday  07/03/2008 G Issue 12944
الجمعة 29 صفر 1429   العدد  12944
الشيخ ماجد الفريان في حديثه عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر):
على المسلم إنكار المنكر بكل حال ولا يجوز له الرضا به والتعاطف مع فاعله

إعداد - محمد بن سليم اللحام

حذّر فضيلة الشيخ ماجد بن عبد الرحمن الفريان من خطورة شيوع الانحرافات والسكوت عنها، وقال فضيلته: لقد قصَّ الله تعالى علينا أخبار الأمم السابقة والعواقب الوخيمة التي انتهوا إليها، حين شاعت فيهم الانحرافات والمخالفات، دون أن يرفع أحد منهم رأساً، أو يقول كلمة لأولئك الذين يستعجلون أيام الله لأنفسهم ولأممهم، فقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.

وبيّن في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جامع سليمان بن مقيرن أن كل مجتمع مهما بلغ من الفضل والرقي لا يستغني عن شريحة فيه تتمثل فيها المثل العليا لذلك المجتمع، تحفظ عليه وجوده المعنوي، المتمثل في عقيدته وأخلاقه وضوابط علاقاته،

****

وإن هؤلاء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يملكون من التوهج في أرواحهم والحيوية في نفوسهم ما يجعل همَّ مجتمعهم همَّهم الأكبر، فيسعدُ بهم ذلك المجتمع؛ إذ يحفظون عليه توازنه واستقامته وشروط استمراريته، رفعوا عن الأمة الإثم، وحموها من الزيغ، وتمثلوا الفرض الكفائي الوارد في قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

واستدرك فضيلته: ومع ذلك كثير من الناس لا يعلم فضلهم عليه، المتجلي في أمنه وصيانة أهله وعرضه، وقال: وعلى كل حال فقد جرت سنّة الله في الابتلاء أن تلقى هذه الفئة الطيبة الخيِّرة المحاربة دائماً، وتلقى الأذية والعنت، وما ذلك إلا لأنها تسير في الاتجاه المضاد لأهل الشهوات والأهواء الذين يمكن أن نسميهم بـ (المختزلة) حيث يكثفون هموم البشرية كلها في هم واحد هو همهم، ويتجاوزون رغبات الخلق ومصالحهم مهما عظمت إلى رغباتهم ومصالحهم هم، فإذا تحققت لهم رغباتهم فلا همّ لهم بما يحدث للأمة بعد ذلك، فئة أنانية تضيق ذرعاً بمن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، تلمزهم وتحط من قدرهم، تحيك التهم لهم، تشوه صورتهم في المجالس، وتريد للمجتمع الفساد كما قال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}

حكم شرعي

وبيّن الشيخ الفريان أنه نظراً للأخطار التي تهدد الأمة بخلوِّها من هذه الشريحة المباركة، التي تأمر بالقسط، والتي تعد قلب الأمة النابض، وبصيرتها النافذة، فإن الله تعالى قرن محاربة هذه الفئة بالكفر به وقتل رسله حيث قال جلَّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَق وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}

وبيّن فضيلته أن الوقيعة في الآمرين بالمعروف متوقعة من الذين يتبعون الشهوات، لكنها لا تتوقع ولا تقبل من غيرهم، وهي من ظلم ذوي القربى الذي له حرقة في الصدر ومضيض على القلب .. مشيراً إلى أنه من الحق المسلَّم به الثناء عليهم والذب عنهم، والنصح لهم، والتعاون معهم، وكلُّ ما تمليه الغيرة الإسلامية على حدود الله بالتي هي أحسن، وهذا واجبنا نحو من قام بفرض الكفاية.

وأكد أنه لا يشترط لصحة المجتمع جسمياً وبيئياً أن يكون كل أفراده من الأطباء، كذلك لا يشترط في المجتمع المسلم، أن يكون كل أفراده من الدعاة الناصحين، ولكن ينبغي أن تتوفر نسبة كافية في المجتمع، مسموعة الصوت، واضحة التأثير، تملأ الفراغ الثقافي، وتملك من الوسائل المؤثرة، ما يسمح باستمرار وضوح جادة الحق والخير والصواب، ويسمح باستمرار سنّة المدافعة بين الحق والباطل على وجه مكافئ، وهذا ما يشير إليه قوله عز اسمه: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فإذا قامت فئة من الأمة بهذا الأمر سقط الإثم عنها بمجموعها، وبقي على كل فرد رأى المنكر تغييره بإحدى المراتب الثلاث وجوباً عينياً عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

وقال الشيخ الفريان في شرح الحديث: لقد دل الحديث على أنه يجب على المسلم إنكار المنكر بكل حال، ولا يجوز له الرضا به والتعاطف مع فاعله، فإن كان هذا الرجل المسلم من ذوي السلطة غيّر المنكر بيده وأدّب العاصي بما يناسب، وذوو السلطة هم ولاة الأمور ونوابهم فهم مسؤولون عمن تحت ولايتهم، وصاحب البيت له سلطة على من في بيته من أولاده ونسائه يستطيع أن يغير المنكر الذي يحصل في بيته بيده.

وأضاف فضيلته: وإن كان الرائي للمنكر لا سلطة له ولا قدرة على إزالة المنكر بيده وجب عليه إزالة المنكر بلسانه بأن ينهى العاصي ويخوفه عقاب الله، ويبين له حرمة الفعل الذي ارتكبه، فإن لم تجد فيه النصيحة وجب عليه رفع أمره إلى ولاة الأمور أو نوابهم من رجال الحسبة براءة للذمة وإزالة للمنكر باليد وقضاءً عليه بالسلطة، وإذا لم يكن للإنسان سلطة يزيل بها المنكر باليد ولا يقدر على إنكار المنكر بلسانه وجب عليه أن ينكره بقلبه.

قال العلماء: ومن اقتصر على الإنكار بقلبه وهو قادر على الإنكار بلسانه فقد ترك الواجب عليه ولم يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره بالإنكار بلسانه، وكذلك من اقتصر على الإنكار باللسان وهو قادر على الإنكار باليد فقد ترك الواجب عليه ولم يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره أن ينكر بيده، أما الإنكار بالقلب فلا يسقط بحال ولا يعذر فيه أحد، ومن لم ينكر قلبُه دل على ذهاب الإيمان منه.

التلاوم والتواكل

وحذّر فضيلته من مغبة ما أبلي به الناس من تفريط، وقال لقد ابتلي كثير من الناس في هذا الزمان بالتلاوم والتواكل، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يؤد كل منهم ما يجب عليه نحوه، وصار كل واحد يلقي بالمسؤولية على غيره ويبرئ نفسه ويقوم بأعمال من العبادات من الذكر والقراءة والصلاة والصيام ونحوها، ويفرطون في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ حدود الله، وهذا ولا شك قصور في فهم دين الله لأن تارك حق الله الواجب عليه أعظم جرماً وأسوأ حالاً من مرتكب المعصية الذي لم يترك شيئا مما أوجب الله، بيّن ذلك شيخ الإسلام من أكثر من ثلاثين وجهاً، كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله، وقال ابن القيم عمن هذا شأنه من القيام بعبادات كثيرة مع التفريط في واجب الأمر والنهي قال: (وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينا؛ فإن الدين: هو القيام لله بما أمر به؛ فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالاً عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي).

خطر داهم

وحذّر الشيخ الفريان من صورة من صور المخالفات وقال: يجلس رب البيت في هذا الزمان - وهو من الصالحين - مع أولاده وإخوته، وهم مضيعون للصلوات، ويجلس البعض منا مع الجار وصاحب العمل وهم مضيعون للصلوات وواقعون في المنكرات، يجلس البعض منا منبسطاً يؤاكلهم ويشاربهم ويمازحهم، ما كأنهم عصوا الله ولا كأنهم خالفوا أمره، لأن جريمتهم معصية الله، ولو كانت الجريمة في أمر دنيوي عليه فيه مضرة أو أخذوا شيئاً من ماله لتنكر عليهم وتغيظ وهجرهم وحرم الجلوس معهم، وهذه منزلة دين الله في نفوس كثيرة مقارنة بالدنيا يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وأسواقهم وآكلوهم وشاربوهم؛ فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

فضول وتدخُّل

هذا وأكد فضيلته أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فضولاً وليس تدخلاً في الآخرين وإنما هو قيام بواجب أوجبه الله ولو انتشر هذا الفهم لانتفش النفاق وغرد، بحجة الكياسة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ولعزل الحق واضمحل، بوسمه بالفضولية والتدخل في شؤون الآخرين، قال الإمام أحمد رحمه الله: (إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرتْ عدواهُ ثمرتَها صار المؤمن بين الناس معزولاً؛ لأنّ المنافق يصمت عن المنكر وأهله، فيصفه الناس بالكياسة والبعد عن الفضول، ولا يسع المؤمن السكوت عن المنكر فيسمونه فضولياً.

وأضاف مخاطباً أهل الحسبة: يا من تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إن الوصف بالفضولي هو أقل ما سيأتيك، وعلى كل حال فإن الذي يظن أنه باستطاعته أن يسير في دروب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقوماً للمعوج ومحارباً للأهواء والشهوات، وناصراً للمظلوم ثم لا يلحقه شيء مما لحق بهم، فهو واهم في ذلك، وإلى هذا أشار لقمان وهو يعظ ابنه حين قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} فقد أشعر ابنه بما يلحقه من الأذية إذا هو قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأردف الفريان. إن المجتمع الإسلامي إنما هو كالسفينة توحدت عقائده وتوحد اتجاه سيره وتوحدت غاياته والمخاطر والتحديات التي تواجهه، وإن القائم في حدود الله تعالى هو تلك الفئة الصالحة الملتزمة بشرع الله الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، وإن الواقعين فيها هم أولئك الذين ينتهكون حرمات الله من ترك الواجبات والوقوع في المحرمات، فقد جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذونا فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخاري.

واختتم حديثه بالدعوة للقيام بما يلزم في الذب عن حياض هذا الدين والغيورين على محارمه، وأن يقدر لمن يقوم بهذه المهمة قدرهم، ويكونوا لهم سنداً.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد