Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/03/2008 G Issue 12945
السبت 30 صفر 1429   العدد  12945
قانون الأذكياء لا يحمي المغفلين.!
عبد العزيز السماري

يردد كثير من الناس وعدد لا بأس به من المسؤولين مقولة (القانون لا يحمي المغفلين) لتبرير قانونية خسائر الأفراد المالية في قضايا الاحتيال والنصب والاحتكار ولتفسير اختفاء أموالهم أثناء انهيار سوق الأسهم الشهير..

هذه المقولة تم التشهير بها من قبل بعض المثقفين المهتمين بالشؤون القانونية، وعلى الرغم من أنني لست قانونياً أو أنتمي لمؤسسة قضائية إلا أنني قررت طوعاً الانضمام لهذه الحملة المنظمة ضد هذه المقولة المنحازة والظالمة لفئة كبيرة من المجتمع.. والدعوة للتشهير بها ومطاردتها في جميع القضايا التي تمس حياة الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية..

ظهرت هذه المقولة في الغرب وكانت تقال عندما لا يجد القاضي أي مستند قانوني للحكم للمدعي الذي جاء يطالب بحقه، وصارت جملة متلازمة مع قضايا الحقوق المالية وملكية العقار التي تفتقر للتوثيق بالمستندات والصكوك..

من مهام القانون الرئيسة حماية المستضعفين من الأقوياء ومن المتنفذين في المجتمع، وذلك من أجل الحد من استغلال نواحي الضعف الإنساني التي قد يجدها البعض للغبن وللاستيلاء على حقوق الآخرين.. قد يكون مصدر هذا الضعف أولاً غياب قانون لحماية الناس أو وجود ثغرات في بنوده تسمح للأذكياء إن صح التعبير للحصول على الحقوق والمنح والمناقصات والثروات الطائلة.. من خلال حجب المعلومة أولاً ثم العمل على استيلاء الأراضي والعقار والأسهم والمناقصات قبل إعلانها للملأ..

كان حمورابي في قانونه الشهير أول من انتبه لضرورة حماية (المغفلين) أو المواطنين عندما قرر أن يُعفى المدين من تنفيذ التزامه، فالمادة (48) منه تقرر إعفاء المزارع الذي يهلك زرعه بفعل الفيضان من تقديم حبوب إلى دائنه في ذلك العام ويعفى من الفوائد الخاصة بتلك السنة، ولم تعرف البشرية مثل هذه الأحكام العادلة التي تمنع استغلال مظاهر الضعف الإنساني سواء كان مصدرها حالة الشخص ذاته أو كان مصدرها الطبيعة، إلا بعد عهود طويلة من الظلم والعدوان الاجتماعي المستمر..

يحصر فقهاء الشريعة الإسلامية قضايا الاستغلال والاحتكار في مصطلح الغبن ويُقسم إلى نوعين، يسير وفاحش، وهو أمر فيه تفصيل إلا أنه لم يتطور لمواكبة تطور قضايا الغبن والاستغلال أو الذكاء في هذا العصر، والسبب أن الفقه تجمد في القرن الثاني والثالث الهجري بعد أن فقد استقلاليته من السلطة.. ومن ذلك الزمن ونحن أسرى لمصطلحات القرون الأولى.. والتي لم تعد تطبيقاتها وبعض أحكامها تواكب الثورات الحاصلة في التقنية والاقتصاد والإدارة ومفاهيم حقوق الإنسان..

القانون مصطلح ظهر في الغرب ويخضع لقوانين الطبيعة وأحوال الناس المتغيرة أي قابل للتطور والتمدد أفقياً وعمودياً في المجتمع نظراً لوجود سلطة برلمانية تشريعية تمثل مصالح الناس وتعيد تشكيله إذا اكتمل النصاب، ولكن في ظل غياب هذا الأفق الإنساني أي حكم القانون في المجتمع وضعف الثقافة القانونية لدى الناس، تُستغل مقولة القانون الذي لا يحمي المغفلين لتبرير الفساد والاستيلاء على ثروات الناس في سوق الأسهم والعقار وأثناء أزمات التضخم، وحين لا يجد بعضهم سبباً لتبرير فشل جهازه الرقابي لردع الظلم الهائل الذي يقع على المواطن المغلوب على أمره..

في المجتمعات التي لا يحكمها قانون مكتوب.. يتم إخضاع هذه المقولة لثقافة وتقاليد ليس لها تجارب سابقة مع حكم القانون الذي يجب أن يحمي الجميع على قدر المساواة، وهو ما يعني أن لها معان ودلالات مختلفة عن مثلاً معانيها في الغرب، وتثير هذه الجملة الشهيرة تساؤلاً مشروعاً مفاده: من هو المغفل إذاً؟.. وهل له صفات محددة لها علاقة بمستوى ذكائه وتعليمه أم أن المعنى المجازي لمصطلح المغفل لا يحتمل أكثر من معنى واحد، وهو ذلك المواطن الذي يعيش قسراً في الهامش ولا يملك وسيلة مشروعة للدفاع عن حقوقه أو الاطلاع على المعلومات التي لا يتمتع بحق الحصول عليها عندما لا تكون متاحة للجميع.. يدخل أيضاً في تعريف المغفلين المستضعفات من النساء في علاقتهم غير المتكافئة مع الرجال، والأقليات أيضاً مقابل سلطة الأكثرية..

في ظل هذا التعريف، ستكون هذه اللزمة الشهيرة بمثابة قانون للأذكياء تتم تحت مظلته غزوات الاستيلاء على حقوق الناس الإنسانية والمالية وفرصهم المحدودة في الكرامة والكفاف، وسيكون الأذكياء في مراتب من أهمها مثلاً الذكور في علاقتهم مع النساء، والأكثرية في مواجهة الأقلية، ويأخذ الصدارة أو المرتبة العليا بلا منازع في درجات الذكاء الذين يحميهم القانون أولئك الأقرب لدائرة القرار ولمصادر المعلومات أو بعبارة أكثر دقة المتنفذون مع من نجح في الدخول إلى دائرتهم الضيقة جداً..

موجز القول أن القضية حقوق ومعلومات يتم احتكارها من خلال قانون شفوي غير مكتوب، لتصبح البقية في طائفة المغلوب على أمرهم.. والذين ليس لهم خيار إلا القبول القسري في الانضمام لقافلة المغفلين الذين لن يحميهم تشريع لم يتطور منذ عشرة قرون أو قانون غير موجود في الواقع.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد