Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/03/2008 G Issue 12945
السبت 30 صفر 1429   العدد  12945
ثقافة التسلح ضد الإيذاء
فوزية البكر

يثير موضوع الإيذاء حساسيات عدة لدى المتلقي وخصوصاً في الثقافات المحافظة وذلك لتعدد مفاهيم الإيذاء وأشكاله إضافة إلى علاقته في العادة بما يعتبره المجتمع المحافظ (محارمه) ومتعلقاته وممتلكاته التي اعتاد عبر تاريخه الماضي حتى عهد قريب (عهد ظهور مفاهيم الحريات والمفاهيم الإنسانية) جزءاً من الممتلكات الخاصة والدائمة لا يحق لأحد التدخل فيها فالمرأة والطفل من متعلقات وممتلكات الأب والزوج والأسرة والقبيلة.

اليوم.. تخضع هذه المفاهيم للكثير من القولبة والتغير والتي من أبرز مظاهرها الموقف الرسمي غير المهادن نحو هذه المشكلة فمنذ العام 1425هـ نرى توجهاً رسمياً واضحاً لمقاومة أشكال العنف، وذلك عبر إنشاء إدارات حكومية مثل دار الحماية الاجتماعية واللجان المختلفة التي قامت وزارة التربية والتعليم بإنشائها في مدنها ومحافظاتها المختلفة إضافة إلى التغطيات الصحفية الصاخبة أحياناً لأي قضايا عنف خصوصاً ما مس منها الطفل أو المرأة مما يعني البدء في خلق أرضية أكثر تسامحاً وأقل ميلاً للعنف وهو ما يساعد على تنامي مفاهيم التسلح ضد الإيذاء في فضاء المؤسسات والذاكرة الجمعية للمجتمع.

المملكة وفي بداية شهر فبراير 2008م قامت بدعوة الوفد الرسمي التابع للأمم المتحدة للوقوف على أشكال العنف الموجهة ضد المرأة والطفل والوقوف على ما تقوم به في هذا المجال وما يمكن عمله من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى.

وقبل أيام أصدرت دار الحماية الاجتماعية تقريرها الذي يشير إلى تنامي حالات الإبلاغ عن العنف خلال العام الماضي مقارنة بما سبقه وهو ما يؤكد بدء الوعي الجمعي بمفاهيم العنف وسبل مقاومتها.

التقرير أيضاً يشير إلى أن النساء يشكلن نسبة 87% من ضحايا العنف كما هو متوقع وتشكل حالات الإبلاغ من الذين تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 35 سنة النسبة الأكبر كما أظهرت الإحصاءات أن الأب (وياللدهشة) يليه الزوج هما أكثر مصادر الإيذاء الواقعة على المرأة.

ما هي الدلالات لكل هذه البيانات؟

- إن هناك الكثير من الفئات العمرية التي لا تتمكن من الوصول إلى هذه المؤسسات بسبب سنها أو عدم قدرتها على الوصول لمصادر الحماية.

- إن المدن الرئيسة وكما العادة تحظى بهذه الخدمات فيما تغيب تماماً عن القرى والمناطق النائية التي أكاد أجزم أن الفئات المستهدفة من ضعفاء ونساء وأطفال وتحديداً في بعض الفئات وبفعل ضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية القاسية تعاني أشكالاً غير مسبوقة من الإيذاء لم ولن يتم التبليغ عنها إلا إذا مدت مثل هذه الخدمات إلى هذه المناطق.

- إن معظم حالات الإيذاء تركزت في جانب الأسرة وجاءت من داخل الأسرة مما يعني أن هذه الأسرة بحاجة فعلية للمساعدة وهو أمر طبيعي تحتمه ظروف التغير الثقافي والاجتماعي التي عصفت بكيان الأسرة السعودية فغيرت من وظائفها ومن توقعات الدور لأفرادها ذكوراً وإناثاً.

- لا غنى عن الخدمات المساندة للأسرة في يومنا هذا وكما نراه في كل دول العالم فمكاتب الاستشارات الأسرية والزوجية أمر لابد أن تدعمه المؤسسات الاجتماعية الرسمية وتنشط فيه المؤسسات الخيرية والنسائية والطبية.

- إن خدمات الأخصائيات الاجتماعيات التابعات لمؤسسات الدولة للرعاية الاجتماعية أصبح ضرورة قصوى كما هو مشاهد في كل بلاد العالم فحتى الآن لا تشجع مؤسسات الدولة تقديم الخدمات من خلال الزيارات المنزلية مما يعني إما عدم رغبة مؤسسات الدولة التدخل مباشرة في ما تعتقد أنه من شأن الأسرة ورب الأسرة أو خوفاً على العاملات أنفسهن وعدم ضمان حمايتهن في هذا النوع من العمل المتنقل الذي يتطلب التعامل مع المستويات الاجتماعية والاقتصادية كافة وهو الأمر الذي يجعل دارسات وخريجات قسم الخدمات الاجتماعية سواء في جامعة الملك سعود أو كلية الخدمة الاجتماعية التابعة لإدارة الكليات والآن لجامعة البنات يبقين في الغالب دون وظائف رغم أننا في أمس الحاجة إلى عملهن الميداني.

- اليوم تغير موقف المؤسسات وظهرت مشكلات جديدة على الدولة مواجهتها وعلى رأسها مشكلة العنف المنزلي سواء ضد الأبناء أو الزوجة وأحياناً قليلة ضد الزوج أو أحد الوالدين ومن ثم فمؤسسات الدولة لا تملك الكثير من الخيارات سوى إجبار أفراد المجتمع على قبول تدخلها المباشر في قلب الأسرة لحماية الضعفاء من أفرادها كما هو متوقع من دولة اليوم.

- الإحصاءات والدراسات تشير إلى أن مصادر العنف داخلية وهي في الغالب من الأقربين لعوامل عدة يأتي الفقر والمخدرات والتفكك الأسري كبعض من مسبباتها مما يعني حتمية متابعة مؤسسات الدولة بشكل مباشر لحالات الأسر من الداخل ولن يتحقق ذلك إلا عبر نظام خدمات اجتماعية يجبر الأسر على قبول زيارات الأخصائيات الاجتماعيات والزائرات الصحيات باعتبارهن تابعات لمؤسسات رسمية ويترتب على تقاريرهن محاسبات رسمية كما يتم في الدول المتقدمة بحيث لا يتم فقط الاعتماد على مشاعر وموقف الأبوين وهي العوامل الأكثر أهمية في الوفاء بالالتزامات الأسرية لكن القوانين الضابطة لسلوك الأسرة تبقى مرجعاً يضمن للدولة سلامة مواطنيها كافة لحمايتهم من الاستغلال والعنف متى رغبوا أو متى رأت الدولة حقها في استعمال القانون.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد