Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/03/2008 G Issue 12950
الخميس 05 ربيع الأول 1429   العدد  12950
شيء من
المهم ألا نتراجع
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

في تقديري أن الحراك الثقافي الذي عرفه مجتمعنا منذ الحادي عشر من أيلول - سبتمبر 2001م كان له أبلغ الأثر في محاصرة الخطاب الذي أفرز الإرهاب. الرأي والرأي المضاد يُساعد - كما علمتنا التجارب - على اتساع الأفق، ويُخرج المتقوقعين من قوقعاتهم، ويضطر الذين تعودوا على (إسكات الناس)، وابتزازهم بدعوى الذود عن الدين، و(الوصاية) عليهم، ومنعهم من الحوار، ومصادرة آرائهم بقمعها، يضطرهم إلى الخروج إلى الساحة، والنقاش في الهواء الطلق، والدفاع عن خطابهم، ويكون للمتلقي في النهاية (حرية) قبول أو رفض ما يطرح عليه.

نعم هزمنا الإرهاب، وها هي ثقافته والمصفقون له يتضاءلون، وصار كلٌ ينفي عنه تهمة دعم الإرهاب والتصفيق له، ويتبرأ منه، بعد أن كانوا قبل سنوات قليلة يتلمسون له المبررات، ويُدافعون عنه إما مباشرة أو بطرق ملتوية. بل إن أولئك الذين (ثاروا) على بعض القضايا التنموية، ونددوا بها على منابر المساجد، لم ينبسوا ببنت شفة في حق ابن لادن و(قاعدته) إلا بعد أن ضمنوا أنه مُحاصر، وأذرعته أقصر من أن تطالهم، فركبوا الموجة (متأخرين) وقالوا في ابن لادن ما لم يقله الإمام مالك في الخمر. وأهم ما يجب علينا أن نهتم به - وحربنا مع الإرهاب تكاد أن تضع أوزارها - أن نعي تماماً أن هناك كثيرين على أهبة الاستعداد للأوبة إلى التصعيد والاصطياد في الماء العكر من جديد، كما هو دأب الانتهازيين دائماً، فعندما يلوح لهم أي (ثقب) سينفذون منه كالفئران لإعادة الكرة مرة أخرى كما فعلوا في التسعينيات عندما غزا صدام الكويت، فوقفوا مع صدام في ذات الخندق، وهم الآن يُراهنون على ضعف ذاكرتنا.

وأهم ما يجب أن نعترف به أننا في السابق (تساهلنا) كثيراً مع ثقافة التشدد، وأصبح الصوت المتشدد إبان عقد التسعينات ميلادية هو الذي سيطر على الساحة، تطبعُ في خدمته الكتب، وتقام من أجل تدريسه وتكريسه ونشره المحاضرات والندوات والمعسكرات الصيفية، وتجمع من أجله التبرعات، الأمر الذي جعل من ثقافة التشدد والممانعة والتصعيد جسراً يتزاحمُ عليه كل من أراد العبور إلى دنيا النجومية والشهرة والسطوة وربما الثروة، وخاصة من الشباب، وهناك من الذين (أثروا) نتيجة لركوبهم مركب (الوعظ والدعوة) من يعرفهم الجميع، أما نتيجة هذا (التساهل) فقد كانت القاعدة وابن لادن، ونثر أشلاء الناس ممزقة على الطرقات.

وفي تقديري أن أحداث 11 سبتمبر نبهتنا إلى أن خطاب (التشدد) إذا سُمح له بأن يسيطر على مفاصل الثقافة في بلادنا سيفرز بالضرورة تطرفاً أشد، وهذا التطرف سيفرز - بالتالي - تطرفاً أشد من سابقه، وهكذا دواليك، الأمر الذي سينتهي بنا - فيما لو سلمنا بما يطالبون به - إلى (دولة راديكالية)، تكون عندها دويلة طالبان المقبورة دولة تسامح وانفتاح.

والغريب أن هناك تناقضاً فاضحاً بين ما يقوله البعض على مستوى الخطاب الإعلامي، وبين ما يمارسونه على مستوى الممارسة واتخاذ القرار. هذا التناقض يتجلى في قولهم إن دين الإسلام هو دين (التسامح)، في حين أنهم يضربون بالتسامح عرض الحائط حينما يمارسون التعامل مع الناس على أرض الواقع.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد