Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/03/2008 G Issue 12952
السبت 07 ربيع الأول 1429   العدد  12952
أزمة العلاقات العامة في المجتمعات العربية
د. علي بن شويل القرني

هل العلاقات العامة جزء من منظومة الإعلام؟ وهل العلاقات العامة هي امتداد لمنظومة المؤسسات الإعلامية في أي مجتمع، أم أنها تعد مستقلة عنها؟ من يتابع نشأة وتطور العلاقات العامة في المجتمع العربي، يلاحظ أنها جاءت على استحياء خلف ظهور الإعلام، وجاءت تالية له، وتقف دائما في ظله.

وقد بدأت بعض الشركات الكبرى وبعض المؤسسات الحكومية في الوطن العربي في الاستفادة من وظائف العلاقات العامة لبناء صورة إيجابية عنها، سواء لجمهورها الداخلي أو الخارجي، تقليداً لممارسات وتطبيقات مثلت تجسيداً لواقع مستعار من بيئات اجتماعية خارجية.

من المهم التأكيد على أن دور العلاقات العامة من المنظور الاستراتيجي هو بناء أو إعادة بناء الواقع الاجتماعي social real

ity كما يراه الممارسون في العلاقات العامة.

وسواء أدرك هؤلاء الممارسون أم لم يدركوا فإن الهدف المحوري للعلاقات العامة هو بناء واقع اجتماعي غير الواقع الاجتماعي الذي يعرفه الناس، أو غير الواقع الموضوعي objective reality الموجود على الأرض وفي المكان والزمان الذي نعيشه. ومن هذا المنطلق فقد سمى ممارسو العلاقات العامة على أنهم (صناع الصورة)

image makers والتي يعملون من

خلالها على بناء صورة جديدة أو صورة مختلفة عن الواقع المعاش، أو الواقع المدرك من قبل الناس أو الجمهور. ولهذا فإن دور العلاقات العامة هو إعادة بناء وتركيب واقع مختلف عن الواقع الحقيقي. فإذا حدثت مشكلة ما في إطار عمل إحدى المنظمات، فإن أول عمل تقوم به العلاقات العامة هو التشويش على الصورة التي رسمتها وقائع هذه الأحداث المرتبطة بالموضوع أو المشكلة.

معظم إدارات العلاقات العامة في الوطن العربي تتبع مؤسسات حكومية، لأن الحكومات تهيمن على شؤون الحياة العامة. وهذه الإدارات في هذه الأجهزة كانت رائدة في تاريخية تأسيسها مقارنة بالأجهزة في القطاع الخاص، مع ملاحظة أن بعض الشركات الكبرى لها دور محوري في تطوير صناعة العلاقات العامة في الوطن العربي، وتأتي في مقدمة هذه الشركات شركات النفط، وشركات الطيران وغيرها. والعلاقة التي تربط بين إدارات العلاقات العامة الحكومية ووسائل الإعلام هي علاقات يمكن وصفها بأنها علاقة سلطوية، حيث تعتمد بعض هذه الإدارات على هيبة وسلطة الحكومة في التأثير على وسائل الإعلام. ومثل هذه الظروف غير متوفرة في المجتمعات الغربية، لأن العلاقة بين إدارات وشركات العلاقات العامة هي علاقة تنافسية، وليست سلطوية في أغلب الأحيان. لأن القوة الدافعة لحركة العلاقات العامة في المجتمعات الأمريكية والأوروبية تأتي من الشركات الكبرى والمؤسسات الاقتصادية المؤثرة في المجتمع.

وعلى الرغم أن الإعلام العربي يمر بتحولات نوعية جديدة في كسب مساحات من الحرية لم تكن متاحة في فترات سابقة، إلا أنه لا يزال ضمن الأنظمة الإعلامية غير المفتوحة، ولا يزال هامش الحرية محدوداً، وخاصة عندما نقوم بتقييم أداء الإعلام الوطني في كثير من بلدان العالم العربي. وبمقارنة بين النظام الإعلامي في العالم الغربي الذي تربت العلاقات العامة في كنفه، وبين النظام الإعلامي العربي الذي تتعايش معه العلاقات العامة في الوطن العربي، يتضح أن العلاقات العامة تحتاج إلى إعلام حر في المجتمع حتى تتحرك وفق المفاهيم والممارسات المثالية. وبالنظر في موقف وسائل الإعلام العربية بالنسبة للعلاقات العامة يمكن ملاحظة نقطتين:

1 - العلاقة السلطوية التي تفرض نفوذ إدارات العلاقات العامة على مجريات النشر الإعلامي في العالم العربي، يعطي قوة لدور هذه الإدارات في بث رسائلها إلى الجمهور العام، دون معوقات إدارية أو صعوبات مهنية.

2 - الدور الاستقلالي لوسائل الإعلام يتضح أكثر في عمليات الفرز والفلترة لموضوعات النشر التي تقترحها إدارات العلاقات العامة في القطاع الخاص، حيث تصبح مهنية النشر هي المعيار الأساسي لتمرير الرسائل الإعلامية عن هذه الشركات والمؤسسات الخاصة.

تحتاج العلاقات العامة إلى بيئة اجتماعية مفتوحة للنقاش والحوار العام، لتداول القضايا والموضوعات التي يتفاعل معها الرأي العام في أي مجتمع. ولا شك أن التعددية المجتمعية التي تسود المجتمعات الغربية تساهم في التناول المفتوح للقضايا والاهتمامات بحرية كافية. وفي المقابل فإن التداول الحواري لقضايا وموضوعات الشأن العام والاهتمامات المجتمعية هي محدودة في الوطن العربي. وبالتأكيد فإنه كلما زادت مساحات حرية التعبير والنقاش بين الشرائح والجماعات، زادت فرص نجاح العلاقات العامة إذا تم استثمار هذه البيئة في خدمة أهداف حملات العلاقات العامة لصالح المؤسسات والمنظمات التي ترتبط بها.



المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعودalkarni@ksu.edu.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6008 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد