Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/03/2008 G Issue 12953
الأحد 08 ربيع الأول 1429   العدد  12953
قِصَّة ( قوم لوط ).. في مَعرَض ( الكِتاب )..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* هل هناك أغراض أخرى من وراء إقامة معارض الكتب غير توفير قدر مستطاع من الانفتاح على ثقافات العالم، وتحقيق مقاربة مقبولة مع المعرفة أياً كان مصدرها، وتقريب وسائل ووسائط هذه المعرفة إلى متلقيها المتعطشين لها، ومن ثم بعث رسائل حضارية إلى شعوب الأرض،

مفادها المحبة والسلام والرغبة في التعاطي مع كل أهل الأرض من هذه المنطلقات الإنسانية البحتة..؟

* أنا لا أعرف أن لمعارض الكتب غير هذه وما شابهها من أهداف وأغراض سامية نبيلة. لا يسكنني الخوف من الكتاب من أي نوع كان، ولا أتصور أن الكتاب، يمكن أن يشكل خطراً على أي إنسان عاقل، أو يثير مثل هذه الزوبعات التي تظهر عادة مع كل موسم ثقافي، يقام فيه معرض للكتاب الدولي.

* بيانات التحذير والتنذير والتنديد والتهديد، سبقت معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، مثلما حدث في العام الفارط. المفارقة في هذه البيانات وتلك أنها تستبق الحدث عادة، فتجزم بما فيه مما ليس فيه، وتحكم على البائع والشاري والوسيط والمنظم بالنوايا. هي طريقة سقيمة، مبعثها نزعة فرض الوصاية على المجتمع، وقد عرفناها وألفناها من قبل، ويبدو أنَّا لا نستطيع الفكاك منها بسهولة، ولا هي تنوي طلاقنا بسهولة.

* قبل وصولي إلى الرياض بعدة أيام تلقيت رسالة بريدية إلكترونية تحمل توقيع شيخ وأستاذ دكتور، تتحدث عن اجتماع لعدد من المشايخ الذين وقفوا قبل ذلك ضد معرض الكتاب في العام السابق، ونظموا حملات تشويه وتشويش على كلية اليمامة وبرنامجها الثقافي، وظلوا يتقصدون كل مناسبة ثقافية تقام، بالهمز واللمز، والتحريض عليها وعلى أقطابها، مستخدمين سيلاً من مصطلحات الثبور والفجور والفسوق والإفساد في الأرض.

* الرسالة هذه - وهي منشورة في عدد من المواقع الأصولية والصحوية - لا تقل عن سابقاتها، وفيها استباق فريد من صاحبها الذي يجزم ويقطع بمعرفته بمعروضات كتب تصل إلى خمس مئة ألف عنوان، في خمس مئة وثلاثين دار نشر، قبل وصول الكتب إلى الرياض، وقبل فتح المعرض ودور النشر بأكثر من أسبوع، فالرسالة موقعة في 19 صفر 1429هـ، والمعرض لم يفتح أبوابه قبل يوم 26 منه..! فكيف تسنى لصاحبنا الوصول إلى ما تنوي دور النشر عرضه قبل عرضه..؟!

* هذه فقرات مختارة من رسالة تجعل من معرض الكتاب الدولي في الرياض قنبلة موقوتة، ومفرخة للإرهابيين، ومصدراً للإلحاد، ومفسدة لشعب كامل؛ لأن هذا المعرض الذي يتنقل بين دول المنطقة، وليس بجديد على أحد، يبشر بالنصرانية، ويدعو لليهودية، ويروج للبوذية والصوفية والإسماعيلية والإباضية والباطنية والتشيع، وفيه كتب السحر والشعوذة والجنس والشذوذ.. يقول الشيخ الأستاذ الدكتور - لا فض فوه -:

* لنا أن نتصور أن دولاً ينتشر فيها الفساد، وتقيم معارض للكتب لا تسمح بنشر مثل هذه المطبوعات، والأغرب أنه قد سُمِح لكتب في المعرض محظورة في دولها، وبين يدي أمثلة كثيرة وأرقام حقيقية لإصدارات وكتب تروج لليهودية والنصرانية والبوذية والصوفية - ومن بينها كتب ابن عربي القائل بالحلول والاتحاد - والإسماعيلية والباطنية والتشيع والأباضية (الخارجية) والدرزية، وحتى كتب إلحادية وفيها سبٌّ لذات الله جل وعلا، وسب لرسوله - صلى الله عليه وسلم- وكتب تطعن في عقيدة أهل السنة والجماعة، كتلك التي تنكر رؤية المؤمنين لله عز وجل في الآخرة، وكتب السحر والجنس والشذوذ (تحت لافتة الثقافة)، وكلها مطروحة وغيرها بشكل علني في المعرض، أمامي منها الآن قائمة.

* ماذا يتوجب فعله على من يعرف من خلال الشيخ الأستاذ الدكتور هذه التجاوزات والمفاسد في معرض الكتاب..؟ يقول في فقرة أخرى:

* عندما حدثت الإساءة لمقدساتنا وسُبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- في البلاد الأوروبية، غضبنا لما حدث، وحُق لنا أن نغضب، وسبحان الله، هذا أمامنا الآن!! نجد كتب الرافضة تباع علانية برغم كشفهم الصريح عن أهدافهم، ونسأل بدورنا: إلى متى هذا الأمر وإلى متى التساهل والتغافل عنه؟

إن من المتوجب علينا في هذه اللحظة أن ننكر هذا التجاوز الخطير.

* وفي فقرة أخرى نارية نعرف ولأول مرة من هذا الشيخ جزاه الله خيراً أن الكتاب - ما غيره - يمكن أن يكون مشروعاً إرهابياً..! ولهذا فمئات آلاف الكتب في معرض الكتاب الدولي، كانت عبارة عن مئات آلاف من مشاريع إرهابية، لولا لطف الله بخلقه من الأدباء والمثقفين والمفكرين الذين ليس لهم مطمع أكثر من اقتناء كتاب للمطالعة، وأن كافة القائمين على هذا المعرض، ليسوا أكثر من داعمين للإرهاب، ومطلوب إذن محاكمتهم مع أول وجبة تجري محاكمتها من الإرهابيين، الذين فجروا قبل ذلك في مواقع قريبة جداً من مركز الرياض للمعارض، حيث يقام هذا المعرض المرعب، لأن رضاهم بهذا المعرض، وحمايتهم له، مدعاة لنمو فكر الغلو عند الشباب..! يقول شيخنا الأستاذ الدكتور في هذه الفقرة العجيبة:

* والآن نحن أمام اختلاط مذموم في المعرض، وفساد فكرى يستقوي به (الإرهاب)، وأصارحكم، بأن هذه الكتب التي فيها محادة لله ورسوله، هي أقوى مسوغات (الإرهاب)، ووالله إن هؤلاء الذين يحمون مثل هذا المعرض ويشرفون عليه، وهم راضون عنه، يدعمون (الإرهاب) من حيث أرادوا أم لم يريدوا، وأطلب أن يحاكموا، لأنهم يمنحون الشباب المبرر والتربة الخصبة لنمو الفكر المغالي.

* والمعرض الذي ليس فيه أكثر من كتب جامدة على رفوف أجمد منها، يصبح بؤرة للفساد، فالسكوت عليه جريمة، والصد عن الشراء منه واجب. يقول في فقرة أخرى:

* والحقيقة المؤسفة أن هذا المعرض أضحى بؤرة فساد فكري، إن مسؤوليتنا جميعا كبيرة، وسكوتنا جريمة، وكل منا مسئول أمام الله جل وعلا. الأمر جِدّ أيها الأحبة، ونحن والله مسئولون أمام الله جل وعلا، سيسألنا الله جل وعلا وقد علمنا وبلغتنا الحجة ماذا فعلنا، هل أنكرنا ؟ هل خاطبنا المسئولين؟ هل نصحنا القائمين على هذه الكتب؟ هل نصحنا الناس ألا تشتري هذه الكتب ليفسدوا أبناءهم وبناتهم؟

* أما قصة قوم لوط في معرض الرياض الدولي للكتاب، فهي وحدها قصة عجيبة..! والكفر والفجور في المعرض كذلك قصة أعجب منها. يقول الشيخ في فقرة أخيرة من رسالته التي استبقت افتتاح المعرض بأكثر من أسبوع:

* يقول لي أحد الإخوة في رسالة أرسلها لي اليوم: ألا ترى أن معرض الكتاب يدخل ضمن قصة قوم لوط؟ من إتيان المنكر علانية، ليس فقط المنكر هو إتيان الفاحشة كما فعل قوم لوط، إن وجود هذه الكتب التي فيها كفر وفسق وفجور وسحر وجنس ويهود ونصارى ورافضة واللهِ من أعظم المنكر، أعظم من إتيان المنكر، مع عظم الفاحشة التي فعل قوم لوط، هذه واللهِ أعظم منها ولا شك؛ لأنه إفساد للدين وللعقيدة وإفساد لمنهج التوحيد. هذا من أقوى ما ينقض الأسس التي قامت عليها الدولة، وجود مثل هذا المعرض بهذا الكفر الذي فيه وهذا الانحراف وهذا الفجور.

* وصلت الرياض، وقد حملت الرسالة (القنبلة) معي، وشهدت المعرض لأكثر من أسبوع، وشهدت حِذفاً من فعالياته، ورأيت جُل معروضاته، والتقيت كثيراً من منظميه ورواده، فما وجدت شيئاً مما حذر منه الشيخ الأستاذ الدكتور. لا شيء البتة، من كُفر، أو إلحاد وفجور وفسوق وإرهاب، ولا حتى بقية من قوم لوط، أو فصلاً واحداً من قصتهم..؟ وانتهى المعرض ولم نعرف أن أحداً من بيننا تنصر، أو تهود أو تبوذ أو ألحد والعياذ بالله، فلماذا هذا التخويف من الثقافة عموماً، والكتاب تحديداً..؟

* عدت إلى الطائف وأنا أردِّدُ مع نفسي: الحمد لله الذي أوصلنا إلى مرحلة التنوير، فوقانا شرور الأوصياء، وكفانا شر ما نرى، وشر ما نقرأ، وشر ما نسمع، وشر ما يُراد بنا في وطننا هذا، وفي كافة أوطان العرب والمسلمين، والعالم أجمع.



assahm@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد