Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/03/2008 G Issue 12953
الأحد 08 ربيع الأول 1429   العدد  12953
الجودة في الجامعات وحاجة سوق العمل (1)
د. أحمد بن عبدالله العجلان

شهدت المملكة العربية السعودية حركة تنموية متسارعة في شتى المجالات ولا بد لمنظومة الرعاية الاجتماعية ومنها التعليمية أن تكون في مقدمة هذا النمو والتطور. والاهتمام بالتعليم وبنوعيته ليستجيب لمتطلبات التنمية وتحدياتها، وكون الجامعات تعتبر مراكز إشعاع حضارياً لكل مجتمع وحضارة، لذا برزت الحاجة الملحة في تطوير العملية الأكاديمية والإدارية بمؤسسات التعليم العالي والاهتمام بمعايير الجودة بما يتناسب مع خطط التنمية ومنها متطلبات سوق العمل.

وقد اتخذ عددٌ من الدول مواقف وعمليات مهمة من أجل ضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي بتلك الدول، ومن أهم تلك الأعمال على سبيل المثال إنشاء هيئات الاعتماد الأكاديمي، وبناء على ذلك كان هناك شبكة عالمية تسهل تبادل المعلومات فيما بينها وتعنى بضمان جودة التعليم العالي. وأثناء الحديث عن الجودة في التعليم بشكل عام والتعليم العالي على وجه الخصوص تبرز مجموعة من المكونات الأساسية لهذا التعليم وهي الأستاذ الجامعي، والطالب، والمنهج الدراسي، والمؤسسة العلمية أو الأكاديمية.

والجودة هي القوة الدافعة لنظام التعليم الجامعي بشكل فعَّال ليحقق أهدافه التي يتطلبها المجتمع في ضوء معايير محددة ليس فقط لقياس مخرجات التعليم الجامعي، بل تمتد إلى عناصر تقديم الخدمة التعليمية وفي مقدمتها عضو هيئة التدريس. هذا ومن أبرز القضايا والمشكلات الملحة التي تواجهها مؤسسات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال الفجوة بين كفاءة مخرجات التعليم العالي وحاجة سوق العمل.

وهناك برنامج عمل يهدف إلى تمكين مؤسسات التعليم العالي وبغية تحقيق التوازن الكمي والنوعي بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي ومتطلبات التنمية سواء في القطاع العام أو الخاص عن طريق رصد التغيّرات البنيوية في الهيكل الاقتصادي والحراك الاجتماعي ثم تزويد مؤسسات التعليم العالي بمعلومات تفصيلية محدَّدة حول التوجه الأمثل للبرامج والتخصصات العلمية الجامعية من أجل توجيه السياسات أثناء إقامة البرامج ووضع سياسات القبول بما يتلاءم مع التغيّرات الحاصلة في البنية المجتمعية.

وهناك وجهتا نظر سائدتان في مجال التعليم العالي الأولى: سياسة المقتضى الأكاديمي (العلم من أجل العلم) وتعني منح الجامعية وضعاً فريداً مبنياً على أسس فلسفية تقتضي أهمية العلم لذاته بغرض تنمية إكساب العلم والمعرفة والثقافة، وتعميق دراسة التخصصات العلمية الأكاديمية، والتركيز على القوة الفكرية والقدرة العقلية للطالب الجامعي والباحث العلمي، وتنمية العقل البحثي.

ووجهة النظر الأخرى: سياسة المقتضى الذرائعي (العلم من أجل التنمية) وتنطلق من أن الدول النامية تواجه تحدياً حضارياً، فهي تتبنى وجهة النظر القائلة بأن التعليم العالي مجرد وسيلة لا غاية ويجب أن يكون منطلقاً من حاجة المجتمع للتخصصات العلمية المختلفة وموجهاً لخدمة المجتمع وتلبية حاجاته.

ويؤخذ في الوقت الراهن على الجامعات قصور المخرجات عما يتطلبه سوق العمل المحلي من خبرات ومهارات فنية وحرفية على الرغم مما تمتلكه من إمكانيات نظرية تتناسب و تتنافس في مستواها مع مخرجات نظيراتها في الجامعات العالمية. وبالتالي - كما يؤكد أحد الباحثين - تحدث إشكالية التوافق بين المتطلبات الجامعية التي تحرص على جودة المستوى العلمي واعتماده العالمي، وبين متطلبات سوق العمل التي لا يمكن تجاهلها لأن هذه السوق تعد الوعاء الأساسي لمعظم هذه المخرجات، إذ إن عدم كفاءة هذه المخرجات لسد سوق العمل ستجعل من هذه المخرجات عبئاً اجتماعياً واقتصادياً، علاوة إلى خسارة هذه الموارد البشرية وكل ما استثمر في تنميتها.

إلا أن البدائل التي تقترح للموازنة بين مخرجات التعليم وسوق العمل يجب أن تحافظ على الموازنة بين تلبية متطلبات سوق العمل أو على جزء منها مع المحافظة على الجودة العلمية والرصانة الجامعية بما يجسر الفجوة بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل، مع الإبقاء على ريادة الجامعة وأنها تساهم في تنمية وتطوير سوق العمل ولا تنخفض به ولا تعيقه.

إلا أنه يجب الاعتراف بأن هناك قصوراً في الشراكة بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع الأخرى. ومن الضروري تقوية العلاقة بين الأقسام والكليات الجامعية وسائر المؤسسات المجتمعية الأخرى في المجتمع، وينبغي التركيز على تحقيق المواءمة بين مخرجات تلك الأقسام والكليات والاحتياجات التنموية للوطن، والعمل على تطوير البرامج التي تأخذ في الاعتبار ظروف التنمية، ويجب مد الجسور بين الأكاديميين والمهنيين والمسؤولين القائمين على الهرم المؤسسي.

جامعة القصيم نموذجاً:

واللائحة الموحّدة للدراسات العليا في الجامعات السعودية في وزارة التعليم العالي تنص بعض أهدافها على (توجيه البحث العلمي لمعالجة قضايا المجتمع السعودي، وكذلك تنص على تمكين الطلاب السعوديين من مواصلة دراساتهم العليا محلياً) إلا أنه ما زال أعداد طلاب الدراسات العليا في الجامعات السعودية دون المستوى المأمول.

وقد أحسنت جامعة القصيم على سبيل المثال بتوفير قدر أكبر من برامج الدراسات العليا بتوجيه جاد من معالي مدير الجامعة خدمة لأبناء المجتمع. كما أن جامعة القصيم خطت خطوة جادة آخذة بعين الاعتبار حاجة سوق العمل والتغيّر الاجتماعي والاقتصادي في المملكة العربية السعودية وفي محاولة للتوافق مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية وذلك بفتح كليات وأقسام بأمس الحاجة إليها سوق العمل وفي نفس الإطار إيقاف بعض التخصصات على مستوى البكالوريوس والتي لا يحتاجها سوق العمل مطلقاً على أقل تقدير في منظور السنوات القادمة، وخريجو هذا الأقسام سوف يزيدون من أعداد وأرقام البطالة في المجتمع.

* أستاذ مشارك قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
- جامعة القصيم



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد