Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/03/2008 G Issue 12953
الأحد 08 ربيع الأول 1429   العدد  12953
رؤى متناثرة على خلفية توزيع جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة
د. خالد بن محمد الصغير

قبل أيام معدودة أعلن عن أسماء الفائزين ب (جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة) في دورتها الأولى لهذا العام، وهي الجائزة التي أقرّت في التاسع من شوال لعام 1427ه الموافق31 أكتوبر من عام 2006م كجائزة عالمية تمنح سنوياً للأعمال المتميزة المترجمة من اللغة العربية وإليها.

سواء تلك الأعمال التي تمت ترجمتها بشكل فردي، أو أشرفت على ترجمتها مؤسسات وهيئات.

يشرف على الجائزة مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة التي رصدت للفائزين في كل فرع من فروعها الخمسة جوائز مالية وعينية؛ تتمثل بشهادة تقديرية، و500 ألف ريال (133 ألف دولار) إضافة إلى ميدالية ذهبية.

ويأتي على رأس أهداف هذه الجائزة الرغبة في تكريم الأعمال المترجمة، والاحتفاء بمن كانوا وراء تلك الترجمات، وكذلك الإسهام في نقل المعرفة من اللغات الأخرى إلى العربية، ومنها إلى اللغات الأخرى، وتشجيع الترجمة في مجال العلوم إلى اللغة العربية، وإثراء المكتبة العربية بنشر أعمال الترجمة المميزة، وتكريم المؤسسات والهيئات التي أسهمت بجهود بارزة في نقل الأعمال العلمية من العربية وإليها، والنهوض بمستوى الترجمة.

وقد بلغ عدد الترشيحات في فروع الجائزة 186 ترشيحاً بـ(16) لغة من30 دولة، وكانت الجائزة المؤسسية من نصيب مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الذي قام بترجمة ونشر معاني القرآن الكريم إلى50 لغة (آسيوية، وأوروبية، وأفريقية) وغيرها من الجهود في مجال الترجمة، وتم حجب جائزة الترجمة في العلوم الطبيعية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى في هذا العام لعدم ارتقاء الأعمال المقدمة لمستوى الجائزة، ومنحت الجوائز في أفرع الجائزة الأربعة الأخرى لمترجمين من عدد من الدول العربية بالإضافة إلى مترجمة من إيطاليا.

وتبدو القيمة الكبرى للجائزة في - كما يبدو لي في رأيي المتواضع - مجالين اثنين يتوقع أن تسهم الجائزة في تنشيط حركة الترجمة، وضخ عدد كبير من الكتب المترجمة في سوق الكتاب إن لم يكن على المستوى العربي فعلى أقل تقدير على المستوى المحلي، كما ينتظر أن تسهم في تمكين مثقفينا من الاطلاع على كم هائل من المنتج المعرفي العالمي، وبالتالي توطين ذلك الكم المعرفي والإسهام في إغناء هامش التنوير الفكري والعلمي الذي يحفل به حالياً مشهدنا الثقافي والفكري المحلي. كما أنها سوف تعمل على إذكاء روح التنافس نحو الإجادة في المنتج المترجم من اللغة العربية وإليها.

كما أن القيمة الأخرى للجائزة تبدو - بناء على أمنية واستشراف أو قراءة شخصية للمستقبل القريب - أنها ستمهد الطريق لتأسيس مركز وطني للترجمة يُنتظر منه أن يأخذ على عاتقه وضع خطة إستراتيجية كاملة لمشروع ترجمة وطني تمتاز بالشمولية، والدقة لكل جزء من أجزاء مشروع الترجمة في المملكة، وأن تخضع لبرامج مرحلية، وأن يكون من ضمن أولويات المركز الوطني رعاية حركة الترجمة في المملكة، وسن القوانين التي تحمي المترجم السعودي، وسن القواعد الأخلاقية لمهنة الترجمة، ورعاية المترجمين، والتنسيق بين جهودهم، ودعم المؤسسات والهيئات المغنية بشؤون الترجمة، والتنسيق مع الجهات المعنية، ووضع برامج لتكون المواد المترجمة ذات بعد وطني، وقومي ووفق احتياجات المجتمع السعودي.

ولكي يتحقق النجاح لهذا المركز الوطني للترجمة يجب أن يُرصد له ميزانية تعمل من خلال رؤية عقلانية في الاختيار، والبحث وترتيب الأولويات، واختيار الكتب التي تنوي ترجمتها على أساس قيمة الكتاب، وما يحويه من معارف جديدة ومهمة، وبخاصة الكتب المرجعية في العلوم الأساسية، والمعاجم، والموسوعات، ووضع سجلات رسمية تعكس كمية ونوعية الأعمال المترجمة، وتكليف أشخاص يتمتعون بالكفاءة، والنزاهة، والمهنية العالية، والعلم على الاستفادة من التقنية الحديثة في مجال الترجمة الآلية، والأساليب العلمية الحديثة المتبعة في الترجمة، وتدريب الكوادر الوطنية، والاستعانة بكل أطياف المترجمين الوطنيين.

كما ينبغي أن يكون هناك انفتاح على اللغات الأخرى وبخاصة الشرقية منها وعدم الاقتصار على الترجمة من اللغات الغربية وبالأخص الإنجليزية والفرنسية، وأن يكون هناك توازن في الترجمة بين المعارف الإنسانية في كافة المجالات العملية، والفنية، والفكرية، والإبداعية حتى لا نقع في الخطأ الذي ارتكبته أمتنا العربية عندما ركزت في بعثات الترجمة التي تمت في القرن التاسع عشر على الأدب على حساب العلوم والفنون الأخرى، وأن يتولى المركز عملية التنسيق لعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل المتخصصة، والتنسيق مع المؤسسات العربية للترجمة لتلافي الازدواجية في الأعمال المترجمة، وتكوين قاعدة معلومات للكتب المترجمة، وأخرى للكتب التي يحسن ترجمتها في حقول العلم والمعرفة، وتبادل قوائم الترجمة بين المؤسسات المعنية بحركة الترجمة، والتشجيع المادي لحركة الترجمة، وتيسير النشر على المستوى المحلي، وبعبارة مجملة نحن بحاجة إلى أن نجري من هذه الجائزة باتجاه تأسيس حركة ترجمة غنية واسعة منظمة تمتاز بتعدد مصادرها، وشمولية نطاقها، وبتنظيمها المحكم المحترف، وأن يسند للجامعات والمعاهد المتخصصة وضع ضوابط مهنة الترجمة لدينا.

وإذا ما تركنا الحديث عن مكمن قيمة الجائزة لنتوقف عند محور آخر مهمة وهي قضية فن إدارة العمل الثقافي التي هي - أي الثقافة - أحد العناصر الرئيسية للتنمية الوطنية الشاملة نجد أن مناخنا الثقافي المحلي بحاجة إلى مثل هذه الجائزة وشاكلتها لأن هذه الجزئيات والفعاليات الثقافية في نهاية المطاف تشكل مجتمعة جوهر بنائنا الثقافي والمعرفي، وتبعث الحراك فيه. ومن هنا فالمنصف ليس بوسعه إحقاقاً للحق إلا القول إن هناك حسن إدارة لعمل ثقافي رائد قامت فيه القيادة العليا بالحث والتنظيم دونما تدخل بنوعية العمل، وتوجيهه الوجهة التي تشاءها، بل إن ما يحسب لها هنا أنها قامت بإشباع حاجة فكرية ثقافية مستخدمة في ذلك أفضل الموارد البشرية والمادية، ومحاولة إتاحة الفرصة للانفتاح على الثقافة الإنسانية، وتأصيل الوعي المعرفي بالآخر، وفي الوقت نفسه تعريف العالم بنتاجنا الثقافي والأدبي الحضاري.

إن الجوائز الثقافية حافز مهم للإبداع، ومظهر حضاري يدفع بقوة نحو تطور وارتقاء الحركة الثقافية المحلية وغير المحلية، وهذا لا يعني بتاتاً أنها مصدر قيّم للإبداع والإنتاج، ولكنها وقود لتوليده وجعله وضاءً متقداً مستمراً في تقديم المزيد من العطاء والإنتاج الفكري والأدبي وليس من باب المبالغة حين القول إن الجوائز الأدبية والثقافية هي من يصطاد المواهب، ويخرجها إلى النور ليستضيء أفراد المجتمع بنور أعمالهم وإنتاجهم العلمي، وهي من يخلد الإبداع.

وهذا التوجه المتمثل بمنح جوائز مالية مجزية بمثابة نفخ الروح مجدداً في قرار مجلس جامعة الدول العربية الذي دعا إلى (تنشيط الجهود العربية التي تبذل لترجمة عيون الكتب الأجنبية القديمة والحديثة وتنظيم تلك الجهود). وهذا الإعلان الذي يعود تاريخه إلى 1964كان حاضراً أمام ناظر القيادة التي كانت تتحين فرصة تنفيذ خططها وبرامجها المستوحاة من تلك الدعوة العربية، كما أن هذا التوجه يأتي في مرحلة تتكامل فيها البُنى الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية، والتنموية، ونشوء مؤسسات ثقافية وإعلامية لبلدنا ممهدة بذلك الطريق نحو حركة ترجمة تشمل كل فروع المعرفة تتزامن والقرية الكونية بتركيبتها الجديدة التي تداخلت وتلاقحت أفكار وثقافات وأطروحات العالم شرقه وغربه بفعل ثورة الاتصالات العالمية.

وبقدر فرحنا بهذا التكريم المعرفي الكبير من رأس الهرم في دولتنا الفتية فإننا في الجانب الآخر ننتظر خطوة أخرى تنقلنا إلى بُعد آخر لا يتوقف صداه فقط على تكريم رواد ومبدعين من هنا وهناك، وإنما يتجاوز ذلك ليُبشر بمقدم ميلاد مشروع ترجمة وطني يمدنا بجسور من المعرفة، والثقافة والحوار مع الآخر، والتواصل معه في كل مجالات إبداعه، ويسهم في نقل المنجز المعرفي العالمي، ويسهم في ردم القطيعة الثقافية التي تفصلنا عن باقي أمم الأرض، ويجعلنا نواكب العالم ونسير بموازنته معرفياً وإبداعياً وصولاً إلى الانصهار في منظومة الوعي الإبداعي العالمي، ويمكننا من التعرف أكثر وعن قرب إلى الجديد في ميادين الإبداع الثقافي والمعرفي العالمي.

إن الأمل الذي يحمله من يهمه شأن الترجمة أن يكون وجود مثل هذه الجائزة مصدراً لبعث الأمل مجدداً في مشهد الترجمة الوطني، بل والعربي الذي تكتنفه حالياً حالة من تشتت الجهود، وتبعثرها، وضآلة فعاليتها. إذاً تعالوا لنتوقف برهة لنحتفل معاً مع المحتفى بهم مباركين لهم، ومباركين لأنفسنا عيشنا لحظات رؤيتنا على أرض الواقع قيمة ومكانة المبدع في عين علية قومنا وربّان سفينة وطننا الغالي.



alseghayer@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد