Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/03/2008 G Issue 12957
الخميس 12 ربيع الأول 1429   العدد  12957
هل حقاً رحلت يا والدي..؟!
ابنك متعب بن محمد الرشود

الحمد لله على كل حالٍ مقدر الآجال إليه المآل سبحانه وتعالى له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء بأجلٍ مسمى.. نعم إنه مصاب جلل أن تفقد والدك، مصاب جلل أن تراه مسجى بين ناظريك، مصاب جلل أن يغلق في وجهك باب من أبواب الجنة، مصاب جلل أن يخسف القمر على مرأى ومسمع منك ولا حول لك ولا قوة، رحمك الله يا والدي، وأسكنك فسيح جناته.

لقد علمتنا في حياتك دروساً وفي مرضك دروساً ويوم موتك لم تتوقف تلك الدروس، فكنت نعم الأب الحاني والمربي المتفاني، أشقيت عمرك لنسعد وكلفت نفسك لنستريح وأبليت شبابك مع والدتك وإخوانك وأبنائك، علمت الطيب والكرم والكفاف والعفاف، فكنت طيب المعشر، محبوب المجلس الكل يتوق لمجلسك والكل يغمره كرمك كرم في تواضع، كم تذوق رفاقك من قهوتك بل وحتى المارة كانوا يشهدون بكرمك لقد امتد كرمك يا أبتي حتى لحظة مرضك والذي عانيت فيه وربما لم تشعر بمن حولك ولكن كرمك كان ينطق بإحضار القهوة تارة وبالدخول والتفضل تارة أخرى.

طيبة قلبك جعلتك لا تنسى أصغر الأطفال فتذكر ابن بنتك (بندر) رغم أنك قد لا تميز أمه لمرضك..!

لقد تميز مجلسك بالبساطة والكف عن الغيبة والنميمة فكنت تمنع الغيبة والنميمة في مجلسك نسأل الله أن يكف عنك ويكفيك كما كففت عن إخوانك.

نعم يا والدي العزيز، حدثني أحد أحبابك والذين كانوا معك طوال خمسين سنة فقال لي: يا متعب والدك مثل والدي والله خمسين سنة لم أسمع منه كلمة يجرحني بها فاللهم لك الحمد.

لقد جاءنا في وقت العزاء أحد أصحابك وهو يبكي ويقول لقد انطفأ نور هذا الطريق وهذا المجلس نسأل الله أن ينور قبرك ويوسع لك فيه ويريك منازلك العالية في الجنان لقد كنت في مرضك بين الغيبوبة والاصحاء ولكن صلاتك لم تغب إلا ما شاء الله لقد كنت أراك وكأنك أمام صنبور الماء تمد يدك للوضوء وتغسل يديك ووجهك وتقيم الصلاة وتصلي وتقرأ القرآن نسأل الله أن يجعلك من أهل الجنان..!

لقد أعياك المرض يا والدي..! لكنك لم تقعد عن زيارة الأقارب وحضور دورية العائلة في الأعياد لقد كان عيد الأضحى الفائت هو آخر عيد حضرته وبعده طلبت صلة أختك المقعدة نعم لم تكن في مدينتك لكنك آثرت ذلك وزيارة إخوانك وإن نسينا ذلك فلن ننسى أبداً تلك الدمعات التي اغرورقت بها عيناك عندما زرت رحمك الله ابن أخيك (طارق) عافاه الله فكانت تلك الدموع درساً للمقصرين في حق هذا الشاب.

دروس من العزاء

نعم هو وقت لا يمكن فيه رصد المواقف والدروس ولكن بعض المواقف ترصد نفسها وبعض الكلمات لا تغيب لقد اعتاد بعض الناس على ترديد بعض عبارات العزاء لأهل المتوفين لكن هناك كلمات لازالت تصدح في أذنيّ كلمات قوية وعزاء فيه دروس عظيمة لا تواسيك فقط بل تعظك وتربيك..!

هناك رسائل تقف معها حائراً ولها متدبراً

هناك أيادٍِ لازلت أحس بحرارتها

أيادٍ مواسية معزية واعظة مربية

فلا حرم الله المعزين أجرهم وتقبل الله دعواتهم

وقبل أن أختم أترككم مع هذه الرسالة من أحد طلابي الذي سبق أن تشرفت بتدريسه:

أهلاً بأستاذي ومعلمي الذي علمني ماذا أكون حينما يكون، من علمني أن أبتسم حين تحل الكرب وأن أتحلى بالأمل حين أغرق باليأس، من علمني الصبر حال العقبات وضرب مثل الحياة بالبحر وشخص منا سفينة والأمواج هي عقبات واضطرابات تواجهنا.. معلمي كل نفس ذائقة الموت.. وما نحن سوى ورق شجر يخضر فيصفر ثم يحمر فيسقط إن الصبر عند الصدمة الأولى غفر الله لأبيك وأسكنه فسيح جناته وغسله بالماء والثلج والبرد ونقاه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..!

لا تحزن على أبيك فالدموع والآلام بوابة لواقع المآسي وعالم من اليأس الذي يرجع الشخص للوراء.. بل ابتسم وادع لأبيك..! لأنك حينها ستحقق ما علمتنا أن نسلي الأموات بأشياء تنفعهم في آخرتهم دعوات، صدقات ما تجود به من الحسنات، وسأدعو لأبيك الذي رعاك ورباك...)

هذه رسالة تعزية بل درس وفوائد فهل يعي المعلمون أن هناك آذاناً صاغية وقلوب واعية لكلماتهم وحركاتهم داخل الفصل الدراسي..!

قال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت ضيع ذلك الباب أو احفظه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أبر صلة الولد أهل ود أبيه).وأحسن إلى أصحابه بعد موته.. فهذا بقايا بره المتعود..



mm_98@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد