أجدني وأنا أكتب هذا المقال أسبح في عالم يبس لا ماء ولا خضرة مجرد أشواك متناثرة تداعبها صرخات الريح فترمي بها كيفما اتفق، فلا عين تدمع ولا قلب يحن، فبيننا وبين تلك البساتين الندية مسافات شتى تحدنا دون الوصول إلى رياضها إلا من رحم ربي.
أستعرض تلك الحادثة في هذه الصحراء القاحلة يعصرني الألم تحسراً والهم تعجباً.. كيف ولماذا ولم..؟؟!!
فبينما أنا سائر هناك إذا بصاحب لي يفاجئني بطلعته، كنت أستأنس بوجوده معي أقضي بعض الوقت المرح معه فقد كانت شخصيته من تلك التي يحبذها الناس، فيكاد يجعلك تبتسم إذا طرف لك بلحظة.
كيف حالك يا أخا العرب؟ بخير ولله الحمد والفضل.
وكيف هي أحوال والديك؟ هم في أحسن حال بارك الله فيك.
ثم استظرف قليلاً وقال: وماذا عن حال أختك؟ فما كان مني إلا أن أعيش في جوه وأقول: (تباً لك.. ألهذا جمعتنا)
كان هو يسأل وأنا أجيب. ثم تبادلنا أطراف الحديث. إلى أن جاء ذلك الاتصال، فإذا بتلك البراءة تتقشع عن وحش برزت أنيابه، وجحظت عيناه واحمر وجهه وانتفخت أوداجه، ثم أخذ يهيمن على المتصل بزمجرته حتى نال منه ما ناله، وممن حوله بانفعاله. كنت أحملق فيه، أين تلك الوداعة التي كانت عنوان وجهه؟ وأين تلكم الابتسامة التي كان غالباً ما يرسمها لنا وضاءة مشرقة؟ كيف حدث ما حدث.. ولماذا.. ولم حدث..؟؟!! أجابني دون أن أسأل وكأنه قرأ ما في خلدي.. كلهم هكذا.. لو لم أتخذ هذا الأسلوب لما سمعت كلمة (حاضر - أقصد حاضرة) قلت والدهشة ملء عيني وعقلي: (رفقاً بالقوارير) ما هكذا تورد الإبل، إلا أنه أطرق قليلاً ثم قال متهكماً: (قوارير) وأردف: قال قوارير وليست بقارورة. ثم إنه جرت مني العادة على هذا الصنيع.
فعقبت على كلامه بقولي: لمَ لم تترك شيئاً من ذلك الحنان الذي بادرتني به وأهلي لتلك التي لا حول لها ولا قوة؟ أمن أجل ضعفها أخذت تتأسد عليها؟ ألأنه ليس لها عون بعد الله غيرك إذا بك تمن وتتفضل بصب غضبك في قالب قلبها؟
فقال: ليس لهم إلا هذا.. ثم ابتسم تلك الابتسامة التي تسمى (خبيثة) واقترب ليهمس في أذني.. إلا أنه حال بيني وبينه خروج تلك التي يطلق عليها في عرفه (أخت) ولم يكن لها للأسف.. (أخ). إن المتأمل في أحوال مجتمعنا اليوم ليجده يغص بالكثير من المشاكل الاجتماعية التي نخرت في تكاتف ممثليه ووحدة شملهم. ومن أهم تلك المشاكل، مشكلة الجفاف العاطفي بين الجنسين، وبخاصة من جهة الرجال.
فأعداء الإسلام يجدون هذه المشكلة ثغرة يترصدون بها ديننا وشبابنا من خلال تغريرهم بالفضائيات التي توشك أن تكون بعض برامجها قاب قوسين أو أدنى من وجبة رئيسة لكل يوم، ليعكسوا لهم صورة مثالية مغشوشة افتقدوها في جدول حياتهم اليومي.
علماً بأن الدين الإسلامي قد أوصى بالنساء في أكثر من الكثير فقد قال إمام البشرية صلى الله عليه وسلم: (ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم).
وقال أيضاً: (خير أولادكم البنات).
وقال: (استوصوا بالنساء خيراً.. فإنهن عوان لكم).
نعود ونقول: كيف تكونت هذه النظرة عن النساء؟! ولماذا لا نرى سوى الجانب المظلم منهن؟!
فلنراجع أنفسنا.. معشر الرجال..
علَّنا نجد في القلب بقايا روضة لم يصبها القحط..
نعيش فيها البقية الباقية..
والله المستعان..
aabu_zaid@hotmail.com