Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
أفضل أفلامه المريض الإنجليزي
وفاة المخرج أنطوني منغيلا
بين اثنين

هوليود - محمد رضا

في ماضيه ستّة أفلام فقط، ونحو 25 جائزة وأكثر من ذلك من المرّات التي تم ترشيحه لجوائز كبيرة ما اعتبر تقييماً وتقديراً له فاز أو لم يفز. في تاريخه أيضاً حب لسينما من المواضيع الكبيرة والعناصر الفنيّة الطاغية والتصوير الجميل والإنتاجات الكبيرة. أراد لسينماه أن تكون مختلفة قدر الإمكان وتم له ذلك، إذ صنع أفلاماً كانت مختلفة إلى حد ملحوظ عن السائد، سواء أحققت أعلى مراتب الإجادة أو لم تفعل. لقد استخدم ذوقه الأدبي لتلوين أعماله القليلة ولصياغة حلول فنية لمسائل من نوع كيف يمكن للموسيقى أن تعبّر عن مرور الزمن أو عن مأزق الشخص. كيف يمكن للكاميرا أن تعكس جمال الطبيعة ووحشتها، وكيف يمكن للممثل أن ينضوي تحت الشخصية التي يؤديها وليس العكس.

عمل جاهدا على التقاط تفاصيل الموقف وتفاصيل المكان والزمان وجعلها جزءاً من أعماله.

وهذا النجاح لم يكن حليفه في الأعمال السينمائية، بل بدأت مسرحياً وواكبته في العديد من الأعمال التي قدّمها على الخشبة سواء أكانت غنائية، أوبرا، أو مجرد تشخيص لدراما أو كوميدياً.

شروط تلفزيونية

أنطوني منغيلا، مخرج (جبل بارد) و(المريض الإنجليزي) و(السيد ربلي الموهوب) مات فجأة يوم الثلاثاء الماضي في الثامن عشر من هذا الشهر الميلادي عن 54 سنة.

كان دخل مستشفى شارينغ كروس في لندن لعلاج سرطان في اللوز لكن مضاعفات العملية - التي قيل أوّلاً إنها كانت ناجحة- أصابت نخاعه بجلطة لم تمهله.

وُلد المخرج في جزيرة وايت في السادس من الشهر الأول العام 1954 والده إدوارد (المنحدر من أصول إيطالية/ اسكتلندية ووالدته، المنحدرة أيضاً من أصول إيطالية، اسمها غلوريا وكلاهما كانا يملكان مصنعاً للآيس كريم.

بعد دراسة المخرج الابتدائية في بلدة ولادته، دخل الكليّة للدراسة الثانوية ثم تخرّج وتوجّه مباشرة إلى المسرح كاتباً وممثلاً في بعض الأحيان.

هذا قبل أن يقوم في مطلع الثمانينات باقتباس رواية غبريال جيزوبوفيتش وعنوانها (مابيوس الغريب) إلى عمل مسرحي، لكن أوّل إخراج مسرحي قام به وقع سنة 1985 عندما قام بتحويل وتنفيذ مسرحيتين من أعمال بيكيت هما Play وHappy Days كل هذا قبل انتقاله إلى العمل التلفزيوني كاتباً حيث قدّم بضع حلقات من المسلسل البوليسي Inspector Morse الشهير، من شاهد تلك الحلقات من دون أن يعرف شيئاً عن مستقبل مخرجها، سوف لن يجد الكثير مما يميّز مساهمات أنطوني منغيلا فيها عن مساهمات مخرجين آخرين عملوا في تلك الحلقات.

في التلفزيون تريد أن تلتزم بالخط الواحد للمسلسل وبشروطه المحددّة على عكس السينما حيث تريد أن تنفرد وأن تحقق الشيء الذي لم يحققه غيرك.

وهذا كان موقف المخرج البريطاني من العمل التلفزيوني من دون أن يمنعه هذا المفهوم من إنجاز المطلوب جيّداً.

حوّل منغيلا عمله التلفزيون إلى حقل تجريب للكتابة ونجح فيها إلى حد بعيد.

ولاحقاً حين انتقل من التلفزيون إلى السينما استخدم هذه التجربة وحافظ على مبدأ أن يقوم بكتابة السيناريوهات بنفسه مدركاً أهمية أن يكون العمل بأكمله مسؤولية مخرجه.

عالٍ ومنخفض

فيلمه الأول، (بحق، بجنون وبعمق) (1990) كان كتبه ونفذه للتلفزيون أساساً، لكنه صوّر له مشاهد إضافية حين تحمّست الشركة المنتجة له وطلبت من المخرج مساعدتها في توضيبه مجدداً بهدف عرضه سينمائياً.

ومن الفيلم الأول بدت قوّة الكاتب واضحة: لقد ابتكر قصّة كان يمكن أن تنضم إلى بضعة أفلام ذات حبكات مشابهة عن الحبيب الميّت الذي يعود شبحاً لأنه لا يستطيع أن يترك حبيبته.

لكن نظراً لقوّة الكتابة يتحوّل الأمر إلى طرح جدّي لفكرة هي في حد ذاتها فانتازيا كوميدية حول امرأة (جولييت ستيفنسون) تعاني الوحدة وفقدان الرجل (ألان ريكمان) الذي أحبته كثيراً.

في أحد الأيام يعود من الموت لأنه وقع في شق ما بين العالمين سمح له بالعودة إلى الأرض.

بعودته تنتعش حياتها من جديد وتزدهر حبّاً هذا قبل أن يقتحم عالمهما عدد من الموتى- الأحياء الآخرين الذين تسللوا هرباً من الآخرة وعادوا إلى الدنيا. لفت منغيلا الأنظار إليه في ذلك الفيلم الذي يحمل -كمعالجة- حسّاً سينمائياً في إطار إنتاجي تلفزيوني محدود. هذا الإطار لم يكن ضابطاً أو حاجباً لموهبة واضحة.

وهوليوود كانت محطّته سريعاً بعدما طلبته إليها ليخرج فيلماً عاطفياً خفيفاً آخر بعنوان (مستر وندرفول).

الذي حدث هنا هو أن منغيلا الذي نجح في نطاق الإنتاج البريطاني خطا صوب المجهول حين قبل إنجاز فيلم هو من كتابة سواه أولاً ومناط به التوجّه إلى الجمهور العريض من دون بال للقيمة الفنية ثانياً. خطأ منغيلا ربما عائد إلى طموحه، لكن النتيجة واحدة بصرف النظر عن السبب.

في هذا الفيلم العاطفي نرى تمثيلا جيّداً ومعالجة لقصّة كان يمكن أن تهوي إلى حضيض سريع بين يدي مخرج آخر، لكنها -من الناحية الأخرى- لم تملأ النقاد إعجاباً بل بقيت عالقة بين حسنات محدودة وسلبيات واضحة.

مات ديلون في بطولة هذا الفيلم مع أنابيلا شيورا وماري- لويس باركر ووليام هيرت.

حكاية الشاب الذي لكي يتزوّج ثانية ويحقق بعض أحلامه الرياضية عليه أن يقنع المحكمة بأن مطلّقته ليست بحاجة إلى الكفالة المالية التي يدفعها إليها كل شهر.

لكنه يجد أن السبيل الأسهل هو أن يساعد مطلّقته (أنابيلا شيورا) على إيجاد العريس المناسب لأنه إذا ما تزوّجت فإنه بحكم القانون معفى من دفع المساعدة المالية المفروضة عليه. خلال شد حبال بينهما يدركان مع نهاية الفيلم ما أدركه المشاهد من بدايته: أنهما لا يزالان يحبّان بعضهما البعض.

قصة حب غامضة

فيلمه الثالث (المريض الإنجليزي) هو أحد أفضل فيلمين حققهما إلى اليوم.

عن رواية درّت إعجاباً كبيراً وضعها مايكل أونداتجي تبحث في قصّة حب يلفّها الغموض، أقدم المخرج منغيلا على عمل يؤمّن الحفاظ على خصائص وملامح العمل الأدبي من دون أن ينتهي، في تحصيل حاصل، إلى فيلم أدبي بالضرورة يبدأ الفيلم بطائرة مروحية تطير فوق الصحراء وتقتنصها المضادات المدفعية الألمانية فتهوي.

على متن الطائرة الكونت المجري لازلو (راف فاينس) وبريطانية اسمها كاثرين (كرستين سكوت توماس).

ينجيان من الموت والعرب الذين شاهدوا الطائرة تهوي سارعوا للإنقاذ، لكن لازلو يعاني من حروق شديدة ويتم نقله إلى مستشفى إيطالي منعزل.

هناك تقوم ممرضة كندية اسمها هانا (جولييت بينوش) على مداواته مدركة أنه لن يعيش طويلاً.

اهتمامها به عاطفي لكنها لا تقع في حبّه بل يجذبها إليه شاب هندي (نافين أندروز) يعمل في الكشف عن الألغام.

في الوقت ذاته عليها أن تردع نوايا جاسوس للألمان (وليم دافو) يعمل على كشف الشخصية الحقيقية للازلو المعروف ب (المريض الإنجليزي).

عبر هذه الخيوط نواصل الانتقال إلى ما سبق تحطّم الطائرة فإذا بالمريض رجل كان يعمل في التخطيط الجيوغرافي لحساب بريطانيا ووقع في حب كاثرين من أوّل لحظة.

من فلاشباك إلى آخر نتابع تطوّر سعيه للتأكيد على حبّه بعدما سيطر جمالها الروحي والجسدي عليه. علامات عالية تُسجّل هنا لجميع الممثلين.

فيلم كهذا لابد أن يحتاج إلى تمثيل جيّد لكي يستطيع الممثل مساعدة المشاهد على قبول ما يفهمه في حينه وما سيفهمه فيما بعد.

التمثيل الرديء يخفق في تقديم دعم للقصّة في هذه الأحوال والجيّد يحقق المطلوب ويحفظ للفيلم ضرورة تغليف القصّة بسحابات الغموض، وهذا ما يحدث هنا.

حاز الفيلم على ثماني أوسكارات واحدة لأفضل مخرج وأخرى لأفضل فيلم وستة أخرى توزّعت على أفضل مونتاج (وولتر مورش) وأفضل ممثلة مساندة (جولييت بينوش) وأفضل تصوير (جون سيل) وأفضل موسيقى (غبريال يارد) لجانب أفضل صوت وأفضل أزياء وأفضل تصميم ديكورات وساق للمخرج مستقبلاً مفتوحاً استقبله منغيلا بحذر.

فمن العام 1996 حين أخرج هذا الفيلم إلى حين أخرج فيلمه اللاحق "السيد ربلي الموهوب" ثلاث سنوات من حياكة المشروع بهدوء، على عكس النقلة المستعجلة بين فيلمه الأول والثاني.

العائد الذي لا يصل

فيلمه الرابع هذا مختلف من حيث إنه فيلم بوليسي مقتبس عن رواية باتريشا هايسميث حول ذلك القاتل الشاب (مات دامون) الذي يقتل وينتحل شخصية القتيل ويحاول الغور أكثر وأكثر في الحياة التي ليست له مع كل ما في الموضوع من إيحاءات فرويدية وغموض بوليسي، غوينيث بالترو لعبت أفضل أدوارها إلى اليوم إلى جانب (شكسبير عاشقاً) وجود لو كان اكتشاف الفيلم لجمهوره.

كذلك أكّد الفيلم على موهبة كل من فيليب سايمور هوفمان وكايت بلانشيت.

باختصار أنطوني منغيلا برهن من ناحيته - وللمرة الثانية- أنه مخرج ينتظر للممثل فرصة العمل معه بكل ما لديه من طموح.

بعد هذا الفيلم أقدم منغيلا على العمل منتجاً لعدد من الأفلام المتلاحقة مثل (إريس) للمخرج رتشارد آير و(سماء) للألماني توم تايكور و(المترجمة) للمخرج سيدني بولاك.

بين هذه الأفلام أقدم منغيلا على إخراج (جبل بارد) دراما عاطفية أخرى على خطوات (المريض الإنجليزي) من دون أن يصل بخطواته تلك إلى ذات المكانة أو الهدف. نيكول كيدمان في حب ذلك المحارب جود لو الذي كلّما حاول ترك الجبهة والعودة إليها تعددت العراقيل وانتهى من حيث بدأ، لكن هذه المرّة لم يكن التمثيل متساوياً: جيد من لو، جيد من كيدمان، رائع من براندون غليسون وفيليب سايمور هوفمان ومفتعل من ريني زيلويغر.

قبل أسابيع قليلة أنجز منغيلا فيلماً سابعاً إنما لحساب محطة HBO الفضائية الأميركية وعنوانه (The No.1Ladies Detective Agency).

لم يعرض للنقاد والصحافيين بعد ذلك لا يمكن الحديث عنه بنفس النبرة السابقة لكنه سيكون مثار اهتمام عديدين يريدون معرفة أين اتجهت خطوات هذا المخرج في هذا الجهد الأخير.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد