Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/03/2008 G Issue 12959
السبت 14 ربيع الأول 1429   العدد  12959
العالم يتجه لصحافة المواطنين.. من الصحافة الرأسية إلى الصحافة الأفقية
د. علي بن شويل القرني

أشار أحد أهم الرواد فيما يعرف بصحافة المواطنين

citizens journalism إلى هذا التوجه الجديد من

الصحافة الذي سيغير العالم. وذكر دان جيلمور Dan

Gillmor - وهو صحافي سابق في صحيفة San Jose Merury News ثم تحول إلى نظام الإعلاميات

(المدونات) الشخصية ويعد أحد روادها وأبرز

المدافعين عنها - أن الفارق الكبير من الصحافة التقليدية وصحافة المواطنين هي أن الأولى تعتمد نظام المحاضرات التي تلقى، بينما الثانية تعتمد على نظام المحادثة والحوار. وأشار جيلمور في المنتدى الثاني عشر العالمي للمحررين الذي عقد بسيول في كوريا إلى أن صحافة المواطنين هي مرحلة متطورة وأفضل من الصحافة التقليدية، لأنها تتيح فرصة أمام الجمهور الذي ملّ من الاستماع إلى المحاضرات إلى أن يشارك فيها، بدل أن يظل صامتاً ويتلقى المعلومات من طرف واحد، وأضاف بأنه ليس مهماً رأي المؤسسات الإعلامية التي تقف ضد هذا الطرح الجديد، لأن هذه الصحافة الجديدة مستمرة ومتنامية وتستقطب مزيداً من المتابعين.

ويضيف جيلمور أن على المحررين والصحافيين أن يستفيدوا من هذا المنهج الجديد في الإعلام، وبمتابعتهم لمثل هذه المواقع فإن ثقافتهم ستزداد عمقاً نحو عدد كبير من الموضوعات والقضايا، لأن الفرصة ستكون متاحة للتعرف على حوارات الناس وهمومهم واتجاهاتهم وأفكارهم. وتضع هذه المواقع وسائل الإعلام في وضع أشبه ما يكون بمأزق، حيث يتم طرح قضايا وموضوعات في مثل هذه المواقع، فلا تجد الصحافة التقليدية بداً إلا الدخول فيها والتجاوب معها، وهذا يرفع من مستوى الشفافية لدى وسائل الإعلام التقليدية في تناول موضوعات جديدة ما كانوا ليتناولوها، أو مناقشة آراء وموضوعات قائمة ما كانوا ليفسحوا المجال إليها.

ويعترف كبار التنفيذيين الإعلاميين بالتغير الكبير الذي تحدثه صحافة المواطنين على طبيعة العمل التقليدي للمؤسسات الإعلامية. فقد ذكر أوكانر وشيشتر OصConor الجزيرة Schechter مؤسسي إحدى الشركات الإعلامية Globalvi

sion إلى أنه لسنوات وعقود كان الصحافيون

هم الذين يملون ما ينشر على الجمهور من موضوعات وقضايا، ولكن مع الاتجاهات الجديدة لم يعد هذا المفهوم سائداً، فقد أصبح المواطن العادي يأخذ دوراً جديداً ليقول كلمته ويفصح عن رأيه. لقد انتقلت القوة الإعلامية إلى أيادٍ جديدة: هي أيادي المواطنين الذين يمتلكون إمكانية الاتصال عبر الإنترنت. ويرى أوكانر وشيشتر أنه من الأفضل لوسائل الإعلام التقليدية ألاّ تعادي مثل هذه المواقع بل تحاول أن تدمجها في أهدافها الإعلامية. ويجب أن تتنازل وسائل الإعلام عن مفهوم السيطرة الكاملة على الإعلام والمعلومات حتى لا تفقد السيطرة على هذا المجال.

وفي محاولات جادة من قبل بعض المؤسسات الإعلامية لاستثمار مثل هذه الوسائل الإعلامية الجديدة - صحافة المواطنين - فقد سعت بعض هذه المؤسسات إلى إدماج جهود المواطنين الذين يمتلكون مواقع وخدمات إخبارية وإعلامية ضمن عمل وبرامج المؤسسات الإعلامية التقليدية. ويتم في ذلك دمج الخدمة الإعلامية المتاحة من خلال صحافة المواطنين من أخبار وصور فوتوغرافية وصور تلفزيونية في مجمل الخدمة الإعلامية التي تقدمها هذه المؤسسات. وهذه محاولة من هذه المؤسسات للاستفادة من واقع إعلام قائم، وخدمة إخبارية متاحة. كما أن هذا - بلا شك - يعطي إدراكاً وشرعية لمثل هذه الجهود التي يقوم بها مواطنون عاديون في خدمة الشأن العام، مما يفرز مزيداً من الديناميكية في العلاقة بين الإعلام والجمهور.

وكانت مثل هذه الخطوات قد وجدت حماساً من قبل مؤسسات إعلامية كبرى مثل شبكة التلفزيون الأمريكية CBS ومحطة التلفزة البريطانية BBC من خلال فتح المجال أمام الجمهور من المشاهدين والمستمعين ومن قراء مواقعها الإلكترونية في إبداء آرائهم ومقترحاتهم تجاه ما تبثه هذه المحطات. وتنطلق هذه النوايا من مبدأ الشفافية الإعلامية، أي إتاحة المجال لإبداء آراء صريحة وشفافة عن التغطيات الإعلامية والبرامج الجماهيرية في هذه المحطات. وتمثل هذه الخطوات من قبل المؤسسات الإعلامية محاولات جادة لتغيير مفهوم الاتجاه الخطي من الأعلى إلى الأسفل، واستبداله بالاتجاه الثنائي الذي تتكافأ فيه الفرص بين القائمين على الإعلام والجمهور العام المتابع لهذه الوسائل.

تشير استطلاعات الرأي إلى تنامي الاهتمام بمتابعة الإعلاميات الشخصية blogs عبر الإنترنت. ففي استطلاع قامت به شبكة التلفزيون

CNN وصحيفة USA Today ومعهد جالوب Gallup أشار الاستطلاع الجماهيري إلى تنامي

هذه الظاهرة في أوساط الشرائح الشابة على وجه الخصوص. فحوالي 90% من الشرائح العمرية الأصغر يتصفحون الإنترنت، ومن هؤلاء توجد نسبة 44% يتابعون الإعلاميات الشخصية. وقد تولد لدى السياسيين اهتمام بتوظيف هذه الوسائل الجديدة - الإعلاميات الشخصية - في خدمة رسائلهم السياسية ومحاولاتهم الالتفاف حول الحصار الذي تطبقه وسائل الإعلام التقليدية على بعض الساسة الناشطين. كما يرى بعض الساسة أن هذه الوسائل هي أوعية نشر إضافية يجب توظيفها للوصول إلى الجمهور العام أو جمهور خاص على وجه التحديد في خطوات لمزيد من التواصل بين السياسيين والمواطنين.

كما أن هذه الإعلاميات الشخصية أصبحت محطات يتم فيها تجاوز وسائل الإعلام التقليدية التي ربما تكون موجهة من قبل شركات علاقات عامة لتمرير رسائل معينة. وقد تكون وسائل الإعلام في بعض الأحيان أدوات لتمرير رسائل علاقات عامة لدول أو شخصيات أو مؤسسات، ولكن النشر من خلال الإعلاميات الشخصية يعطي رأياً آخر في بعض القضايا والموضوعات ويعكس اتجاهات مخالفة لما قد تبثه وسائل الإعلام التقليدية. ويرى بعض الناشرين أن هذه الإعلاميات الشخصية هي إيجابية وسلبية في نفس الوقت، فهي إيجابية لأن محتوياتها تستقطب اهتمام شرائح كبيرة من الناس، ولكنها سلبية لتعذر وجود آليات واضحة لتقنين رسوم اشتراك نظير هذه الخدمة المجانية التي تتيحها إذا كان هناك توجه لمثل هذا الإجراء.

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6008 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد