Al Jazirah NewsPaper Sunday  23/03/2008 G Issue 12960
الأحد 15 ربيع الأول 1429   العدد  12960
المسؤوليات الأمنية بين الشرطة والمجتمع.. وجهة نظر1-2
اللواء الركن الدكتور محمد بن فيصل أبو ساق

كنت قد أقمت بعض الوقت ولفترات متفاوتة في عدد من المدن خارج المملكة, وكان بعض تلك المدن يطبق النظام التعاوني الأمني بين الشرطة والسكان عبر برامج جديدة ومسميات متعددة. ولم يكن التعاون في حد ذاته شيئاً جديداً أو غريباً بالنسبة لي، حيث مجتمعنا السعودي القائم على موروث....

....حميد من التعاون والاحترام. وفي هذه المقالة سوف أعرض عن رؤيتي لهذا المفهوم التعاوني ومجالات تطبيقاته المتجددة في ظل تعقيدات وتحديات الحياة الحديثة. وتلك المجالات التعاونية بين الشرطة والسكان تبدأ بالأحياء الصغيرة، حيث يشجع السكان على مراقبة أحيائهم السكنية للتبليغ عن أي تصرف غريب من أشخاص أو سيارات مشبوهة. ويشجع السكان على دعم مشروع الحراسة والمراقبة الذاتية لأحيائهم السكنية. وهكذا فإن مجهودات السكان في الأحياء الصغيرة تشكل تراكماً إيجابياً ودعامة مهمة لمجهودات الشرطة في المدن والمقاطعات وبالتالي في مجمل حالة الأمن. وهذا المفهوم في غالبه لا يعتمد على المبادرات الفردية بل على التطوع المحكوم بقوانين وطنية ولوائح تنظيمية محددة.

وهنالك مسميات أمنية: تعاونية لحراسة المجاورات والأحياء السكنية الصغيرة عبر اليقظة والمراقبة. والشرطة التي تطبق مشروع التعاون الأمني مع مجتمعها تطور هذا المفهوم مستندة إلى تراكم خبرتها في هذا الشأن وبموجب تنامي الثقة بينها وبين المجتمع من خلال وسائل اتصال وعلاقات ذات أسس معروفة ومعتمدة وبما يتفق وروح الأنظمة. وقد أصبح هذا المشروع التعاوني معروفاً في كثير من المدن الكبرى وله أسماء تدل عليه وهي أسماء تشير إلى مفهوم أمن المدينة أو المجتمع المعزز بأدوار السكان.

وفي تاريخ البحث عن العلاقة التعاونية بين الشرطة والمجتمع هنالك سجل طويل من سعي المجتمعات لتوفير الأمن. ويشمل ذلك السجل أنواعاً مبكرة من الترتيبات الأمنية بين السكان أنفسهم لتوفير درجات من الأمن عبر الكثير من الإجراءات والتحالفات والضوابط الاجتماعية المختلفة من مجتمع إلى آخر. وهكذا تستطيع قيادات الشرطة أن تبني فلسفاتها الأمنية على خلفيات خاصة قد تتفاوت من مجتمع إلى آخر بحكم ما يتحقق لهذا المجتمع أو ذاك من موروث اجتماعي وأمني. وقد تيسر لي أن اطلعت على بعض مراكز القيادة والسيطرة التي تنظم حالة الأمن وشؤونه في بعض المدن الكبيرة؛ مما آثار اهتمامي للبحث والاطلاع على المزيد من أدبيات وإرشادات تطبيقات مفهوم الشرطة المجتمعية. ومن يبحث عن المزيد من المعلومات حول التعاون الأمني سوف يجد نطاقاً عريضاً من الدروس المستفادة والتجارب والمناهج والتنظيمات التي تعكس جودتها وتنوعها أهمية أدوار السكان وتعدد المجالات الأمنية التي يمكن أن يسهموا بها.

فبالإضافة إلى كون الأمن للجميع, وإلى منطقية رغبة الجميع في دعم قوى الأمن, فإن كثيراً من السكان لديهم العديد من المهارات والتجارب في تخصصات ملائمة لتعزيز جهود رجال الأمن. ومن الطبيعي أن ينظر إلى السكان من اعتبارات أمنية عدة لما يتمثل فيهم من خلفية أمنية وقواعد معلومات رديفة يمكن مسحها وتصنيفها باستمرار وتوزيعها لصالح مجهودات وشؤون الأمن حسب الحاجة. ويكفي للاستزادة في هذه العلاقة التعاونية التطبيقية بين الشرطة ومجتمعها أن تبحث عبر أحد محركات البحث في شبكة الإنترنت باستخدام الكلمات الإنجليزية المذكورة في هامش هذه المقالة لتبحر في تجارب وخدمات الكثير من دوائر الشرطة ومراكز الأبحاث الأمنية حول العالم. وتجدر الإشارة هنا, إلى أهمية إدراك تعدد أنظمة الدول, وتنوع حضاراتها وقيمها ومستويات أمنها, فما قد يكون ملائماً لهذه المدينة أو القرية من العالم, قد لا يلائم أخرى في مكان وظروف مختلفة.

وتظل التجارب الإنسانية في هذا الشأن محققة نفس الغاية وقابلة للتطوير وفاعلة في استنتاج التجارب والتقنيات المناسبة.

وأينما تكون المنطقة السكنية مجال التعاون الأمني بين الشرطة والمجتمع فإن إدارة أو قسم الشرطة المعني بهذه العلاقة التعاونية يفترض أن تنفذ العمل التعاوني عبر توجيه نظامي من القيادة أو المديرية الأعلى يحدد نصاً مكتوباً لهذه (المهمة) التعاونية, ولن تبتعد صياغة (النص) كثيراً عن مفهوم الجملة الآتية: (إن إدارة - قسم - مديرية - قيادة (الشرطة) تلتزم بتقديم خدمات أمنية،وبالمشاركة مع السكان، لتحقيق بيئة اجتماعية آمنة للجميع). وهذا النص النظامي يعطى في العادة من القيادة الأعلى, ليصبح ملزماً للشرطة المعنية. ويتحدد بموجب هذه المهمة التزامات نظامية ومالية. فهذا التوجيه القيادي يعتبر مفهوماً جديداً ومختلفاً في مجال التعاون الأمني. وفي الجانب الآخر فإن هذه المهمة التي تضمنت نصاً محدداً عن مشاركة السكان تعني في جوهرها وجود إجراءات نظامية والتزامات أخرى محددة تنظم طبيعة هذا التعاون والمشاركة لغرض تحقيق الأمن. وبهذه التوجيهات الرسمية والإرشادات التي تحكم العلاقة التعاونية وتحفز المواطنين للتفاعل مع الشرطة فإن وظيفة الشرطة تتطور إلى حيث التفاعل مع قضايا المجتمع واحتوائها مبكراً لمنع تحولها إلى جرائم؛ وليس بمجرد العمل كرد فعل على الحوادث.

ويسجل التاريخ للمملكة العربية السعودية بيئة آمنة مستقرة مردها طبيعة النظام العادل وطبيعة المجتمع الخير المتعاون في كثير من أوجه التكافل الاجتماعي وعلى رأسها الأمن. وحتى قبل توفر وسائل الأمن المادي من أسلحة وسيارات ووسائل اتصالات كان الأمن متحققاً بحكم ترابط المجتمع وتكافله ووعي أبنائه نحو دولتهم ومجتمعهم. وحين تسعى الشرطة لكسب تعاون مجتمعها والاستفادة القصوى من السكان فإن ذلك منطلقاً حكيماً يدرك أن الأمن قضية مشتركة بين أطراف المجتمع أفراداً ومؤسسات.

ومن المعروف أن قادة الأمن ورجال الأمن في كل المستويات في كل البلدان طالما تطلعوا إلى أدوار مهمة للمواطنين من منطلق أن الشرطة في خدمة المجتمع وأن الأمن للجميع.

وكلما تطورت وسائل الحياة وتفاعل العالم مع بعضه واتسعت المدن وزاد عدد السكان كلما كانت هنالك حاجة لمزيد من تحقيق مستويات أمنية أفضل. ولكن هذا التطلع يصبح أكثر فاعلية وأبلغ عطاء حين يصبح له تأطير قانوني ونظامي وعملي؛ وتكون له إجراءات وحوافز يعلمها الجميع. وفي الجزء الثاني من هذه المقالة سوف أشير إلى مفهوم دمج جهود السكان لهذا النوع من التعاون الوطني والأمني, ومحاور تحويل هذا المفهوم إلى واقع تطبيقي.

Neighborhood Watch
community policingmabosak
عضو مجلس الشورى


mabosak@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد