Al Jazirah NewsPaper Monday  24/03/2008 G Issue 12961
الأثنين 16 ربيع الأول 1429   العدد  12961
الرئة الثالثة
أخي الجامعي: لا تسأل عمّا يفعله وطنك لك.. فحسب!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

هي أشهرٌ قلائلُ، ثم يحلُّ موسم آخر من مواسم الحصاد الجامعي، حين تُخْلي الجامعاتُ سبيلَ الآلاف من الخريجين والخريجات، وتنطلقُ قوافلُهم تَتَلمّسُ دروبَ المستقبل، بأفئدةٍ يتقاسمُها شيء من تفاؤل وكثير من تساؤل حول هوية المستقبل ومرساه.

**

* إنّ انتهاءَ المرحلة الجامعية ليس خاتمةَ المطاف في حياة الشاب، بل هو استمرارٌ لمعاناة الخيارات الصعبة، التي ترافقُه منذ اللحظة الأولى عقب المرحلة الثانوية. فهو يبدأُ بمشكلة خيار الجامعة، ثم يزْدادُ الأمر قسوةً حين لا يهتَدي الخيارُ بهدفٍ، ولا يتكيَّفُ بإرادة، ولا يُمارسُ بحزم، سوى الرغبة في إنفاقِ فترةٍ من الزمن بين جدران الجامعة تطولُ أو تقصُر، يحصلُ بعدها الشاب على وثيقةٍ ما تخلعُ عليه لقبَ (جامعي)، وقد لا يملك من مؤشرات هذا (اللقب) إلا النزرَ القليل، فكراً ومضموناً.

**

* تلي ذلك محنةُ الشهادة الجامعية بعد إحرازها، وتتمثلُ في ظنّ الخريج أنها تضعه على أبواب مستقبل واضح المعالم، عملاً ورزقاً وإنفاقاً، ولذا، يصرفُ نفسه عن القراءة الجادّة ويختفي الكتابُ من منزله، وربما من حياته، وتصبحُ القراءةُ في ذهنه فعلاً ماضياً، ومن يدري ما تراه يصنعُ بكتبِ الجامعة وملازمها بعد التخرج، هل يُحرقها كما يفعلُ بعضُ الصبيةِ الصغار أم يتلفها بالهجر والنسيان؟!

**

* ثم تأتي بعد ذلك كله مشكلةُ خيار العمل بعد التخرج، وتزداد معاناة الشاب في هذا الصدد حين يفرط في تصوره لمعادلة (الحق) و(الواجب) بينه وبين الوطن، فيطلبُ الكثيرَ، ويعطي القليلَ، يطلبُ الوظيفةَ وفقاً لمعايير يحددها هو سلفا، وكأنها رداء يرتديه، بمقاييس معينة، فإذا جاء دورُ العطاء من لدنه ساومَ واعتذر، فإذا نبه إلى ذلك، تظلم وظلم!!

**

* وأخيرا، يدخلُ الخريجُ متاهةَ الحياة وتزدادُ معضلته حين يزينُ لنفسه الشعورَ بأنه باتَ يملكُ مقومات المعرفة والإبداع لمجرد أنه يحمل وثيقةَ الجامعةَ! وفوق هذا وذاك، يودُّ لو يختصر الزمنَ ما استطاع وصولاً إلى المنصب الكبير متخطياً نواميسَ العطاء المتدرج، مستهينا بكفاءة وحكمة من سبقوه سنا وجهداً، فإذا حيلَ بينه وبين ما يشتهي لعلةٍ تنكرها سنةُ النمو الإنساني، غشته ردةٌ نفسية ضد كل شيء، وأخذ يكيلُ التهمَ بسخاء ضدّ كل الناس متناسياً أن للإبداع دروباً صعبةً لا يتجاوزها إلا أولو العزم والحزم والكدِّ الدؤوب!

**

* تلك هي ضروبٌ وأنماطٌ لبعض الممارسات التي تكيفُ سلوكَ بعض شبابنا الجامعي، ودفعاً لشبهة اللغو أو التعميم، أقولُ عن علم ويقين إن هناك جامعيين لا تنسحبُ عليهم معظم هذه الأوصاف، لأنهم يقدرون ما يفعلون تقديرا يتوازى مع ما وهبوا من طموح وذكاء وبصيرة، فيصيبون التقدير، وينجحون، تحصيلا وعملا.

**

* وأود أن أختم هذه الخاطرةَ بالقول إنّ جزاءً كبيرا من المشكلات التي تعرضت لها في حديث اليوم يشكل امتدادا لتحديات العصر الذي يعيشه كلُّ شاب في بلد ينشد النمو والرقي بمستوى العيش لأفراده، وهي تحديات أملتها الطبيعة المركبة للحياة الحديثة بتعدد خيارات العيش فيها، أسلوبا ومضمونا، ورغبة الإنسان الملحة في التعايش مع ما حوله ومن حوله من معطيات إنسانية وفنية وحضارية، وفي الوقت نفسه، تجسيد هويته وطاقاته بما يخدم أمته ووطنه ونفسه ضمنا.

**

* وغنيٌّ عن القول إن مجابهةَ هذه التحديات بأطرافها المتعددة تتطلب جهداً وجهاداً من قبل الشاب، ولنتذكر دائما مقولة الرئيس الأمريكي جون كندي الشهيرة التي ترنم بها قبل أكثر من ثلث قرن من الزمن وهو يتلو خطاب تسلمه ولاية الرئاسة الأمريكية عام 1960م حيث قال ما معناه:

(لا تسأل عما يمكن أن يفعله وطنك لك، واسأل عما يمكن أن تفعله أنت لوطنك)!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5141 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد