Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/03/2008 G Issue 12963
الاربعاء 18 ربيع الأول 1429   العدد  12963
جموع القلة وجموع الكثرة!!!
محمد أبو حمرا

هناك جمع اسم واحد يكون مختلفاً، فيقول النحويون: جمع كثرة أو جمع قلة. ومن أمثال العرب قولهم: ما كثر زهد الناس فيه، وما قل رغبوه.

وجموع الكثرة تعطي معنى الغوغائية وعدم التنظيم؛ لأنها كثيرة ولكنها مثل غثاء السيل الذي لا تستخرج منه نافعاً إلا النوادر التي تنضم لجمع القلة، وبعكسها جموع القلة التي تتنظم وتتحد وتحدد هدفها بسهولة ودقة لتصل إليه، ودائماً تجد بينها تنظيماً دقيقاً وتكاتفاً أكثر فعالية من جموع الكثرة الغوغائية.

ومن ميزة جموع الكثرة أنها تستخدم أكثر من جموع القلة؛ أي أن الكثرة خدمية أكثر منها فاعلة، لكن فائدتها لا تعود عليها هي، بل يستفيد من خدماتها الكل.

بينما ترى جموع القلة أكثر طلباً ورغبة من جموع الكثرة ولها ميزة إجادة التنظيم وحسن التوقيت، وفائدتها تعود لها هي في المقام الأول.

ولعل أجدادنا قد فطنوا إلى جموع القلة والكثرة، فقالوا عن النخل المنتقى بعناية والذي اختير بدقة: فلان عنده غرس. وقالوا عن جموع الكثرة التي بعضها لا فائدة منه: فلان عنده نخيل.

أي أن الغرس كله منتج ومنه فائدة وله عناية خاصة وقيمة لا تقدر بثمن، أما النخيل فمنها الطويل المتهالك ومنها البالي ومنها المنتج وهو القلة أو النادرة؛ لأن مساحتها وإعدادها كثيرة لا يمكن الاهتمام بها، لذا فهم لا يستفيدون منها سوى في إشعال النار في جريدها أو جعل جذورها البالية سقوفاً لبيوتهم؛ لأنها قوية وتصارع الحر والقر وتتحمل أن تطأها الأقدام فوق السطوح التي كانوا ينامون عليها ليبتعدوا عن البعوض وحشرات الأرض.

ميزة جموع القلة أنها أكثر أدباً وأكثر توازناً وأكثر معرفة لما يدور حولها، ولها ميزة الصمت والسمت والهدوء، بعكس جموع الكثرة التي لا يمكن التعديل في منطقيتها القديمة والمملوءة بنشوة الكثرة، فمثلاً لو كان لديك أولاد قلة فإنك تستطيع أن تربيهم بعناية لأنهم قلة وسوف تنتج منهم جيلاً مهذباً عاقلاً يعرف هدفه وقيمته في الحياة، وبالعكس لو أوكل إليك أن تربي فريقاً كثيراً من المراهقين فلن تؤثر إلا في القلة منهم، وهنا الفرق بين القلة والكثرة من حيث التعامل معهم أو التعامل منهم.

وجموع القلة يحسون بالخطر أو يتوجسون منه، فلذلك تجدهم في المقدمة دائماً، لأنهم متكاتفون وينتهزون الفرصة بكثير من التواضع، وبالعكس جموع الكثرة التي تتصف بالكسل والأنانية والاسترخاء على كثرتها.

عزيزي القارىء، فكر جيداً، هل أنت من جموع القلة أم من جموع الكثرة، وأنت الذي تقرر من تكون.

فاكس 2372911


abo_hamra@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7257 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد