Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/03/2008 G Issue 12964
الخميس 19 ربيع الأول 1429   العدد  12964
سياحة داخلية
نادر بن سالم الكلباني

في مفهومي، السياحة هي الكتاب الذي لا تقرأه لكنك تعيشه لتتعرف على ثقافات بلدان وأقوام، فبها تعرف عن هذ البلد وذاك ما لا تجده في الكتب المقروءة، وتتلمس بها مشاعر الإنسان وفكره واهتماماته وعاداته التي تشكل خصوصيته، هذا المفهوم غير معزز لدينا رغم التنوع الفريد في خصوصيات كل منطقة من مناطق بلدنا العزيز في النواحي الجغرافية والمناخية والثقافية أيضاً، إذ لا يزال الفكر السياحي السائد هو مطعم في مكان ما يقدم وجبة غالية لا تشبع أو منتجعات بأسعارها الخيالية تسلب ما يدخر في أيام تفتقر لأبسط مفاهيم خدمة العملاء، ومدن ترفيهية محدودة الخيارات أو مهرجانات يتسابق فيها الكبار بشكل يذكرنا بالصغار، لا يعكس شيئاً واضحاً عنا وعن مكتسباتنا وعن تاريخنا وعاداتنا التي نفخر بها ولا يشجع على تكرار التجربة.

والمتابع لمهرجان الجنادرية يلحظ إقبالاً متزايداً عليه كل عام من قبل كافة شرائح المجتمع على الرغم من مرور أعوام عديدة على أول ظهور له، هذا الواقع يعزز أن الناس بمختلف ميولهم ورغباتهم يميلون إلى ما يوثق ارتباطهم بالمكان وإنْ اختلف الزمان، ويحنون دائماً إلى الرجوع لما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، ويستحضرون طبيعة الحياة التي مروا بها ليستعينوا بما كان في الماضي على تطوير وتصويب مستقبل حياتهم، هذا بخلاف ما يُستفاد منه من قيم وعِبر تتوارثها الأجيال، واهتمام مهرجان الجنادرية بالجانب الإنساني بشقية الثقافي والحرفي يعزز في نفوس كل زائريه شعورهم بعمق جذورهم في هذه الأرض وثباتها، هذا المفهوم البسيط والعميق في الوقت نفسه هو الذي يجعل الإقبال على مهرجان الجنادرية يتزايد عام بعد عام، ويعطي تلميحاً للقائمين على السياحة في بلدنا بأن كثيراً من مفاهيمنا السياحية التي تمارس الآن بحاجة لإعادة النظر فيها. ويحفز على التأسيس لسياحة داخلية مقبولة كبداية قابلة للتطوير والابتكار في مناهجها وبرامجها وما تعكسه من ثقافتنا بتبني فكر يقود هذه الرغبة الموجودة أصلاً، فكر لا يعتمد وبشكل كبير على قناعات رجال أعمال يهمهم في المقام الأول النجاح في تجارتهم ومشاريعهم وتحقيق الربحية باستغلال غير محمود لما يعتبر فترات مواسم السياحة قبل أي شيء آخر، إنما فكر تتبناه أطراف عدة بدءاً من الهيئة السعودية للسياحة مروراً بوزارة التجارة والصناعة والأمانات العامة للمدن والمحافظات ورعاية الشباب والجمعيات الفنية والأدبية والدينية أيضاً، وغيرها من الجمعيات الأهلية الفاعلة وانتهاءً بالمواطن، فتنشط في مواسم السياحة المهرجانات الثقافية التي تحاكي مهرجان الجنادرية وتتحرك الأمانة العامة في كل محافظة لتبرز أهم عادات المحافظة وخصائصها ويحدث التنافس المحمود بين المناطق في تحقيق ما يبهر ويستقطب الزائرين والسياح، وتظهر صناعات البلد وأهم أنشطة أهله وتزدهر المعارض الفنية والأدبية بكل أشكالها وتنشط حركة المسرح والفن التشكيلي ومعارضه وغيرها من الأمور التي تهتم بالجانب الإنساني والثقافي أكثر من تحقيق الربحية، وهذا يتطلب أن تعمل جميع القطاعات تحت دائرة واحدة تجمعهم في مواسم السياحة المتوقعة، وفق خطة متكاملة واضحة المعالم وبرامج محفزة تعدها وتتولى متابعتها والتنسيق بشأن تطبيقها الهيئة السعودية للسياحة بالتعاون مع كل القطاعات المعنية والغرف التجارية، هذا الجانب سينقل صوراً أشمل عن خصوصيات كل منطقة ويبرز أهم معالمها السياحية وغيرها وسيثري ثقافة زائريه بما في كل منطقة من تنوع وثقافة، وسيفرض خيار السياحة الداخلية على كل الذين يهربون في عطلاتهم إلى الخارج.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد