Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/03/2008 G Issue 12964
الخميس 19 ربيع الأول 1429   العدد  12964
لما هو آت
كلب الجيران
د. خيرية إبراهيم السقاف

كلب الجيران ينبح بالليل والنهار... كلب الجيران لا يحلو له أن يرفع عقيرته ويتجلَّى بتنويع طبقات صوته إلا عند الأذان، كلبهم يجلجل في الجوار حتى أن كل بيت من حولنا يحسب أنه صوت قادم من خلف سور جاره الآخر.

تملَّيتُ كثيراً في هذا الكلب، صوته يوحي بعذاب دفين، ينسحب من بين ضلوعه في أنين حاد، تارة أحسبه مريضا فأشفق عليه، وتارة أحزن له فأبكي معه ظناً به يبكي، وكثيراً ما نسيت أرَقِي إحساساً به... وفي الصباح يعكِّر علي تماما متابعة المؤذن ذي الصوت الرخيم والنبرة الإيمانية الخاشعة، وأتذكر كيف تخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت بلال - رضي الله عنه - لمزيد إيغال لمكمن التأثر في دخيلة القلوب... لكن كلب الجيران يحرمني منذ شهور هذه المتعة في الإنصات، ولعل كل فرد من الساكنين حولي يفعلون المثل.

أدركت سمو أخلاق جيراني لأنني لم أجد الكلب يصمت دليلاً على أن أحداً منهم لم يحتج على صاحبه هذا الأرق الذي سببه صوت الكلب للكبار والصغار، وأنا أعلم أن هناك عَجَزة ومرضى من جيراننا... لكنني لم أقصِ جارنا، صاحب الكلب، من ثلة ذوي الأخلاق؛ لأنني أوعزت وجود الكلب عنده لأسباب قد أجهلها وقد يجهلها غيري وهو يعلمها، ولأن الجار أمانة قد أوصى الله بها، فلا أقل من الصبر على كلبه حيث لا صلة تؤهل بها ظروف الحياة، فالجيران الآن كلٌّ يذهب في طريق لا تتفق أوقاتهم ولا تنطبق قلوبهم... وقد وقعت معهم في هذا الفخ الحياتي المؤسف.

وكثيرا ما أوَّلت وجود الكلب للحماية، لاسيما ونحن غالبا ما نخرج للشارع صباحا أو بعد غروب فنجد عرباتنا قد سرقت أو تهشمت من سارق مارق أو عابث بعربته غير مبال... لكن كلبهم ليس طليقا ليقوم بحماية الرصيف للجميع بمثل ما إن الجميع يحتملون نباحه.

في الأيام القليلة الماضية تمازجت أصوات كلاب تتعدى الواحد، وظننت بأنها كلبة ولود قد أضافت لجيراننا عددا من الصغار، وكان لابد من إزجاء التبريكات... لكنني وجدت أن كلاب جيراننا قد استنزفت الوقت مني في سماعها وإقلاقها، وفي تتبع حالاتها ثمة ما طمأنني قليلا، وهو أن كلب جيراني بصوت نباحه قد منع عن بيتي وبيوت الجيران كلهم أن يدخلها اللصوص.

قلت في نفسي: لص بالخارج أرحم منه في الداخل... وتعوذت بالله أن يعاقب الله جاري بصوت كلبه الذي حرمنا الراحة والنوم والإصغاء للأذان.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد