Al Jazirah NewsPaper Monday  31/03/2008 G Issue 12968
الأثنين 23 ربيع الأول 1429   العدد  12968
استراتيجية إيرانية.. اللعب بأوراق عربية
د. علي بن هلهول الرويلي

إيران دولة إقليمية يفرضها التاريخ والجغرافيا. هويتها إسلامية وقوميتها فارسية، وبين الهوية والقومية تخطط وتصنع استراتيجياتها التي تهدف من خلالها إلى أن تكون قوة إقليمية في المنطقة، فمنذ عهد الشاهنشاه الإمبراطور محمد رضا بهلوي مروراً بعهد الثورة ووصولاً إلى فترة أحمدي نجاد لم تتغير هذه الاستراتيجية، إلا أن أدوات التنفيذ لهذه الاستراتيجية تتغير في كل مرة، حيث تراوحت بين استخدام القوة العسكرية منذ احتلال الجزر في الخليج وحرب الثماني سنوات مع العراق، ثم المهادنة للقوى الغربية التي تحتل العراق حالياً، إلى اللعب بأوراق عربية. ولقد أدركت إيران أهمية هذه الأوراق وربما أتقنت اللعب بها، خصوصاً أنها تحقق الأهداف المرجوة منها دون أن تعرضها إلى خسائر عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، إضافة إلى أنها تنفذ بأيد عربية، وعندما اطمأنت إيران إلى إجادة قواعد اللعبة في ظل غياب استراتيجيات إقليمية عربية لمجابهتها، اندفعت الأنشطة الإيرانية مستغلة بذلك:

* الهيجان الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م للإطاحة بعدوي النظام الإيراني وهما طالبان ونظام صدام حسين.

* استغلال ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لاستقرار العراق، وذلك بدعم حلفائها مما جعلها تظهر وكأنها تدير الصراع بأيد أجنبية.

* استغلال الوضع الأمني المتردي في العراق بدعم الميليشيات ذات الطابع الصفوي لتحجيم العنصر العربي بشقيه السني والشيعي وإفقاده هويته العربية.

* استغلال الغياب العربي لمساعدة الشعب العراقي في إحداث خلل في التركيبة العرقية والمذهبية للعراق؛ مما يمهد لانقساماته عرقياً ومذهبياً مما يهدد وحدته واستقلاله.

وفي سياق هذه النشاطات التي تم رصدها على الساحة العراقية هو وجود قوات إيرانية ومليشيا مسلحة موالية لإيران، حيث قدرها السيد محمد سيد المحدثين مسؤول ملف الخارجية رئيس العلاقات الخارجية بمنظمة مجاهدي خلق بأكثر من 32000 ألف عنصر. كما فتحت مكاتب للمخابرات الإيرانية استقطبت أكثر من 70 ألف شاب من الجنوب، حيث يدفع لكل فرد ينضم إليهم راتب شهري قدره (1000) دولار و(2000) دولار مقدماً. كما أنها تدفع رواتب (11740) عضوا في مليشيات بدر العراقية التي يقودها هادي العامري. وكذلك تقوم بدعم جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في وسط وشمال العراق. كما تجوب عناصر مخابراتها العراق من شماله إلى جنوبه، وهو ما دفع شيوخ قبائل وعشائر وأسر الجنوب العراقي بسنته وشيعته في مؤتمرهم الذي عقدوه في جامعة الدول العربية في القاهرة الأسبوع الماضي وطالبوا فيه العالم العربي بالتدخل لمساعدتهم في القضاء على التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبلادهم.

لم تقف نشاطات إيران عند حدود العراق فحسب، بل تجاوزتها إلى سورية ولبنان وفلسطين والشمال الإفريقي. ففي سورية استطاع الإيرانيون أن يشعروا النظام السوري بوقوفهم إلى جانبه ضد ما يواجهه من تهديدات أمريكية وإسرائيلية. وكذلك فيما يتعلق بالمحاكمة الدولية بشأن اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. وعلى المستوى الشعبي هناك حركات تشيع يقوم بها بعض أئمة الشيعة تستهدف السُّنة في سورية.

أما في لبنان، فالنشاطات الإيرانية تعود إلى الستينيات عندما انتدب الإمام موسى الصدر إلى الجنوب اللبناني بدعم من إيران لإنشاء الجمعيات الخيرية الإنسانية لدعم القرى الفقيرة والفقراء، وهو ما يشبه ما أنشأته إيران حالياً في جنوب العراق، حيث أثمر هذا الدعم عن إنشاء منظمتي أمل وحزب الله. حيث يتلقى هذا الحزب دعما متواصلا من إيران عبر قوة القدس؛ وهي وحدة تابعة للحرس الثوري الإيراني تقوم بتدريب عناصر من حزب الله وتوجههم إلى أماكن أخرى في العالم، وبلغ بهم الاهتمام أن يحضروا تشييع وتأبين جنازة المسؤول الأمني في حزب الله عماد مغنية في بيروت بعد أن اغتيل في دمشق في (12-2- 2008م) ممثلين عن الرئيس الإيراني محمود نجاد وعلي خميني وكذلك وزير الخارجية الدكتور منو شهر متكي الذي ألقى كلمة التأبين بهذه المناسبة نيابة عن أحمدي نجاد.

كما تشمل هذه المساعدات توفير الوسائل القتالية النوعية ونقل المعلومات الاستخباراتية. وقد زودت إيران حزب الله بصواريخ فجر3 وفجر5، وهي من صنع إيراني. وقد نقلت هذه الأسلحة من إيران عبر سورية لحزب الله. كما بلغ الدعم المالي الإيراني إلى حزب الله في لبنان 100 مليون دولار سنويا. وذكر أنه زيد إلى 250 مليون دولار سنوياً للمساهمة في إعمار ما خلفته حرب الـ33 يوما، التي دارت رحاها في صيف 2006م، من دمار في جنوب لبنان، حيث سلم حزب الله مبالغ نقدية لسكان دمرت منازلهم جراء القصف الإسرائيلي.

وفي إطار استخدامها لأوراق عربية في المنطقة، سعت إيران إلى استقطاب حركة حماس على الرغم من اختلاف المذاهب. فقد وعدت الحركة بصرف 100 مليون دولار، وتشجيعهم على مقاومة الاحتلال. إضافة إلى ما يطلقه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من تصريحات ترمي إلى إنهاء الوجود الإسرائيلي في فلسطين وإنكار المحرقة اليهودية ما يدغدغ عواطف الفلسطينيين، حيث تتوجه أنظارهم إلى طهران أملاً في تحرير أرضهم من المحتل الإسرائيلي.

وتجاوز النشاط الإيراني حدود قارة آسيا ليدخل شمال إفريقيا، فأثار أقلية شيعية في جمهورية مصر العربية ودفعها إلى المطالبة بحقوقها. وفي ظروف الصراع في جنوب السودان، اتفقت كل من إيران والسودان في يونيو 1994 على تعميق العلاقات الأمنية بينهما من خلال اتفاق شمل نشر أسلحة إيرانية، وإرسال حوالي 169 خبيرا إيرانيا في سلاح الطيران والدفاع الجوي والصواريخ، وقدمت إيران مساعدات بما قيمته 20 مليون دولار، واستمر هذا التدخل في الشمال الإفريقي ودول المغرب العربي، مذكراً المسلمين بالمذهب الشيعي الفاطمي الذي كان سائدا في القرن الثامن الميلادي، حيث يطمح الإيرانيون في استرداد نفوذهم الديني في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.

وإذا استحضرنا مدلولات المثل العربي (الذئب لا يهرول عبثاً) فإن إيران تهدف إلى الآتي:

1 - البدء بما يسمى تصدير الثورة عبر العراق وسورية ولبنان .

2 - العمل على ترسيخ محاور مذهبية تخترق العالم العربي .

3 - توجيه الاهتمام الإقليمي والدولي خارج الحدود الإيرانية تغطية لطموحاتها في امتلاك أسلحة نووية وجرثومية.

4 - محاولة إيجاد تحالفات استراتيجية إيرانية مع بعض الدول العربية.

5 - كسب الوقت لتحقيق طموحاتها خصوصاً إذا علمنا أن هذه الدولة وعلى مدى تاريخها توجه أهدافها إلى منطقة غرب الخليج العربي.

6 - تسعى إلى هيمنة إقليمية وهو ما كرست له السياسة الخارجية الإيرانية كل طاقاتها وإمكاناتها وبرزت من خلال تصريحات قادتها كان آخرها الرئيس أحمدي نجاد عندما قال موجهاً حديثه للتحالف الغربي في العراق: (عودوا وخذوا قواتكما إلى ما وراء الحدود، وستكون أمم المنطقة بقيادة الأمة الإيرانية مستعدة لإظهار طريق الخلاص لكم).

ولهذا يجب إعداد خطط استراتيجية عربية إقليمية مضادة تعمل على إسقاط الأوراق من يدها وتشعر إيران الجارة الصديقة المسلمة أن عليها أن تحترم سيادات الدول وأن لا تتدخل في الشؤون الداخلية وأن لا تكون سبباً في مشكلات إقليمية، وتبتعد عن إثارة وتأجيج النعرات العرقية والمذهبية وأن تسهم في نشر الأمن والاستقرار الإقليمي.

* باحث استراتيجي


Alihalhool@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد