Al Jazirah NewsPaper Friday  04/04/2008 G Issue 12972
الجمعة 27 ربيع الأول 1429   العدد  12972
الدكتور كلوفيس مقصود في محاضرة قيمة بعنوان (العرب إلى أين: مواجهة التحديات)
خادم الحرمين سعى إلى إعادة اللحمة لشعوب فلسطين والعراق ولبنان

الرياض - مندوب «الجزيرة»

ألقى البروفيسور كلوفيس مقصود مدير مركز الجنوب العالمي بالجامعة الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية محاضرة قيمة على هامش الاحتفال بتدشين كرسي الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود، بعنوان: (العرب إلى أين: مواجهة التحديات). وفيما يلي نص المحاضرة التي ألقاها ارتجالاً:

(هذا اليوم تدشين كرسي الجزيرة بجامعة الملك سعود.. هو تجسير الحَراك بجامعة مع حصة الكلمة التي تعبر عنها الصحافة).

سيدي مدير الجامعة معالي...

أخي وصديقي أبو بشار- سيدي الأستاذ خالد

أيها الإخوة.. سعادة السفير اللبناني.. سفير بلدي الصغير.. أيها الطلاب.. الأساتذة وجميع الذين يعملون ضمن هذا الحرم من أجل أن تكون جزيرة في وسط هذه الجزيرة الكبرى.. جزيرة للتعامل مع العالم ولتحديد المصطلحات ولبناء وتحويل الجامعات إلى منارات.

نحن في هذا الزمن بحاجة إلى الإنارة ولسنا بحاجة إلى ما نعيشه اليوم من الإثارة.

ونحن اليوم في حفل تدشين كرسي الجزيرة لتصحيح المعادلة بين الإثارة والإنارة.. الإثارة هدر للطاقة.. الإنارة بلورة للإمكانيات والطاقات العربية. ولذلك فإن السعادة التي تأسرني في هذه اللحظة الجميلة الرائعة التي يتم فيها الإطار الأعمَّ للجامعة مع التخصيص لعملية الاتصال من خلال الإعلام والصحافة هي لحظة مفصلية لا بد أن تشكل نقطة انطلاق تساهم في نهضة عربية واعدة.. ونحن نقول كلمة النهضة ونعثر عليها وسط هذا التردي الذي نعيش فيه ويدفعنا إلى السؤال.. إلى أين العرب.. إلى أين!!

ولكن السؤال الذي يسبق العرب إلى أين.. أين العرب الآن!!

وهذه الفجوة بين ما نبغي وما هو حاصل يجب أن لا يكون ذريعة للإحباط بل حافز للتصحيح وأن نربط ماضينا بغدنا عندما نتمكن من عودة اكتشاف الثوابت لهذه الأمة.. نستطيع عندئذ أن نتهيأ بأن نتعامل ونتكيف مع المتغيرات التي تحدث على صعيد الأمة والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي. الأهم أن يصبح التمسك بالثوابت صموداً على جعل التراث العربي الإسلامي معاداً للاستكشاف في وجداننا القومي حتى يبقى هذا الوجدان دون التبعثر والتلاطم والعنف والعبثية. كذلك الأمر.. استعادة تاريخنا وذاكرتنا الجماعية والقومية تشكل منطلقاً للتعامل مع المستجدات دون أن تكون المتغيرات الحاصلة بديلاً للثوابت. التحدي لثقافتنا المعاصرة حين نجسِّد الثوابت مع المتغيرات شرط أن لا تصبح المتغيرات بدائل للثوابت أو بالوعةً لها.. وهناك عملية التواصل التي يحاول البعض تقطيعها حتى يصبح التاريخ العربي الإسلامي في غربة عن صناعة المستقبل العربي والإسلامي ومن هذه الفجوة لكي يصبح مستقبلنا بديلاً عن تاريخنا.. هذه القفزة تسمى الواقعية الجديدة وهي في واقعها واقعة في مصيدة خاملة لطاقاتنا الإبداعية والفكرية والنتويرية.. من هنا في حرم الجامعة اليوم نتعرف مرة ثانية من خلال هذا الكرسي ل(الجزيرة) على حرمة الكلمة - حرمة الكلمة ليست مصطلحاً ارتجالياً.. بل حرمة الكلمة هي دليل على أن الكلمة مسؤولة ولا يجوز التلاعب بها وإخضاعها لمصالح ضيقة أو امتهانات خاطئة ولذلك سعادتي هذا اليوم أن المستقبل واعد مثل ما كان التاريخ محضر في هذه الجزيرة. عندما جاءها الدين الإسلامي الحنيف ليرسخ قواعد حضارتنا العتيدة.

أيها الإخوة.. أيها الأصدقاء: العرب اليوم ليسوا في أحسن أحوالهم ولكن هذا يجب أن يكون محفزاً لعملية التصليح.. لا لعملية الترقيع.. لنقلة نوعية يمهد لها المثقفون في الجامعات والإعلاميون الذين عليهم من الآن وصاعداً أن يرسخوا دورهم التنويري وليس دور الإثارة.

وهذا يعني أن ندرك الحقائق المحبطة التي نحن بصددها لأننا لا نستطيع أن نجيب على السؤال (العرب إلى أين؟؟) إذا لم نرسخ ونتوجه إلى دراسة الموضوع الرئيس أين العرب اليوم..؟ بالأمس كانت هناك قمة عربية.. بالأمس كان هنالك اجترار لقرارات سابقة.. كان هناك تأكيد على أن القرارات السابقة تبقى قرارات حالية ويمكن أن تصبح قرارات مستقبلية.. هذا يعني أنه لم يتم التدارس الحقيقي لما نحن عليه من تردٍ وإحباط وكبت، كما نشاهد في فلسطين الذبيحة.. في لبنان المتأرجح.. في العراق المدمر.. في الصومال ودارفور وغيرها.. ولذلك عندما نجتر نفقد مصداقية العالم لقراراتنا وعند نجتر ولا تكييف مع المستجد ولا نعالج هذا الإنخار في واقعنا.. لا بد عندئذ أن نتدارك الوقوع في المصيدة من خلال أن نعيد التأكيد على أننا أمة عربية واحدة وأوطان متعدة ذات تجارب مختلفة، علينا التعرف بعضنا على بعض حتى نكوّن للأوطان الجريحة المناعة المطلوبة التي لن نعيد الاستباحة لسياداتها واستقلالياتها ولدماء شعوبها كما هو حاصل بما أسميته بالمثلث المهزوم سواء أكان في العراق أو لبنان أو فلسطين الجريحة.. كذلك الأمر علينا أن نعرف أننا نواجه تحدّياً في هذا الزمن أننا إذا لم نتعاون وتضامن ولم ننسق فيما بيننا ناهيك عن التوحد فيما بيننا عندها يصبح هذا التفرق وهذا الانفلات المسؤولية القومية بعضنا مع بعض عندئذ يفتك الواحد مع الآخر.. يا أخوان الإسلام هو واحد فلماذا تفرقوا في العراق مثلاً؟ والحضارة العربية واحدة فلماذا تبعثرنا في سلوكنا.؟. هذه الأسئلة تتطلب جواباً واحداً حتى لا يكون الجيل الجديد منقطعاً عن تاريخنا وعن مستقبلنا ولا ينفك عن حاضرنا بل يعمل على دعمنا وتفعيل حوار الأجيال التي لم تقم بما يجب أن تقوم به تجاه الأحيال الصاعدة.

ويجب أن لا ننكر أن الأجيال العربية الصاعدة تعيش معاناة التباعد بين الالتزام بالقومية العربية، التي أصبحت في أذهان الأجيال العربية الجديدة مرتبطة بالفشل أمام مشروع الكيان الصهيوني وبأنظمة القمع التي لازمت وتبطن وراءها الذين يريدون أن يستأثروا بالحكم في بلادهم بغطاء القومية العربية.. إذاً الحافز أن القومية العربية هي الحقيقة التي يجب أن تلازم هويتنا وهي أيضاً الثابت والمتغير.. هو أن يكون هناك مشروعات لتنمية الإنسانية ومشروعات الأمن للإنسان العربي ويجب أن يكون ملازماً على البناء والتقدم وعلى التغيير ونحن نعيش في عالم يتسم اليوم بتيارين متناقضين... تيار العولمة وتيار التفكك والتفتيت... العولمة التي تجمع الناس والأسواق مع بعضها بعضاً والتفتيت التي تفكك كما حصل في كثير من شعوب البلدان بين طوائف ومذاهب وعرقيات.. والخ.. هذا هو التحدي.. كيف على العرب أن يواجهوا هذا التحدي.. وهو أن يواجهوه بالتدرج.. نحن لا نتوقع خفضاً نوعياً وهذا قد يكون كما قال الأستاذ خالد المالك في كلمته حلماً يراودنا في الماضي وقد يكون ولا يزال.. وكاد الحلم غير المرتبط بإرادة التغيير يتحول كما تحول في عدد من أقطارنا إلى كابوس يقعدنا عن النهضة.

كانت المبادرة لخادم الحرمين الشريفين أن يجمع بين شعب فلسطين لأن الانقسام الفلسطيني هو خط أحمر ممنوع أن يحصل وحصل.. في لبنان الانقسام بين فئتين متنافستين تحول إلى خصوم.. إلى عداء لم يعد. دور المملكة العربية السعودية هو إعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني والإسهام في إعادة اللحمة لشعب العراق وإعادة اللحمة لشعب لبنان.. لأن أي تفكك في هذه الأقطار يحول دون مناعة الأمة بأسرها.

كيف نعيد العزة لأنفسنا ونحن نسمح لهذا الدم السائل في فلسطين والصومال وفي دارفور وغيرها في حين أن ما يحصل هناك يؤثر علينا كلنا، من هنا نجد أن المراهنة على الخطأ تؤدي إلى ارتكاب الخطيئة، أقول ذلك لأن دقة المصطلح مطلوبة..

عندما يأتي ممثل وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن تبنى إسرائيل في القدس الشريف 600 و 750 وحدة سكنية استعمارية والآن تخطط لبناء المزيد من المساكن في القدس الشرقية المحتلة ويقول ممثل وزارة الخارجية أن هذا لا يساعد للوصول إلى السلام.. نحن نجيب على هذا التصريح الأمريكي الذي يعلق على هذا الموضوع بأن هذا غير مساعد.. هذا غير مقبول وبذلك نستعيد احترام الغير لمواقفنا. نحن لا نريد مواقف صلبة.. لا نريد ميوعة في الأداء بل نريد مرونة لأننا نريد القدرة في معدل الإقناع.. القضية الفلسطينية -سادتي- أعدل قضية تكاد أن تكون مختومة أسوأ ختمة.. وهذا الذي يستدعي بنا ضبط المصطلح، يعني أن لا تفاوض ولا تباحث ولا لجوء إلا على أساس أن إسرائيل تعترف أنها محتلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. دون هذه القاعدة القانونية لا مفاوضات ولا مباحثات لأن إسرائيل عندما تقول إنها على استعداد لتنازلات أليمة في الضفة الغربية وفي القدس.. تنازلات أن تتنازل عما يخصك.. لا تنازل إلا عن ملكيتك، في الضفة الغربية وفي القدس وغزة ليست أملاكاً للصهاينة.. ثم إن هذا الالتباس في القاعدة القانونية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تعتبر القضية المركزية نجد أن الدخول منذ أوسلو حتى اليوم تراجعت الأوضاع.. كثرة من المستوطنات كثر من التوسعات.. وعود كاذبة ووقوع في الانجذاب للكذب تحت شعار الواقعية المزورة.. هذا لم يعد ينطلي على الأجيال الصاعدة. ولا على الأجيال الشائخة مثلي أنا.. هنا دور الإعلام العربي.

دور الإعلام أن يكون فاعلاً بمقدار ما تكون السياسة العربية واضحة.. هنا علينا أن نجنب الشعب الفلسطيني هذا العيب في الانقسام. ونرجو في هذا الصدد أن يعيد خادم الحرمين الشريفين ليس مبادرة جديدة بل ما التزم الجميع به لأنه لا خيار للفلسطينيين إلا الوحدة الوطنية. أما الرباعية يا إخوان.. هذه الرباعية التي فرضت الحصار على غزة فعلينا نحن العرب دولاً ومجتمعات أن نؤكد أنه لا يجب أن يكون أمين عام الأمم المتحدة عضواً فيها لأنه مؤتمن على كل القضايا الدولية التي تعترف بشرعية حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. وأن يكون هو جزءاً من قرار الحصار على غزة هذا طعن بميثاق الأمم المتحدة وفي حقوق الشعب الفلسطيني. أشير إلى هذا لأؤكد على دور الإعلام العربي في تمكين مسؤولية الكلمة وأن نحرص على الحقيقة وأن لا نكون أدوات للوعي أو اللاوعي ولا للتزوير في الحقائق التي تعممها الكثير من أجهزة الإعلام الغربية مثلما هو حاصل في العراق.

أيها الإخوة، في لبنان لابد أن ينتخب الرئيس المتوافق عليه العماد ميشيل سليمان، ووفق هذا التوافق أن يمنح صلاحيات الرئاسة وأن لا يأتي مكبلاً كما هو حاصل الآن وأن يقيم حكومة انتقالية ريثما يزول الاحتقان القائم بين الأكثرية والمعارضة بالتدرج لمدة 9 أشهر. فيما يتعلق بالعراق يجب أن لا يكون ممسوكاً بين القوة الإقليمية والقوة الدولية ويجب أن يكون هذا تحريضاً على العرب أن يوحدوا مواقفهم باسترجاع عروبة العراق وعروبة لبنان وعروبة فلسطين.. فإنه إذا بقي الحال في فلسطين على ما هو عليه حيث إن إسرائيل لا تعترف بأنها اغتصبت فلسطين قبل 1948م ولا تعترف باحتلالها للأراضي الفلسطينية بعد 67م.. هذا الفلتان من الضوابط الأخلاقية من ضوابط القانون الدولي من ضوابط العدالة لا يجوز أن تبقى دون عقاب ومن دون كلفة لاستفزازها الضمير العالمي وأن علينا أن نعيد لفلسطين أنها قضية الوجدان في العالم.. المستقبل ورؤيا المستقبل يصبح أوضح إذا تمكنا أن نعيد النظر في كثير من سياساتنا الراهنة إلى التكاتف الذي ينبغي أن يميز العلاقات العربية - العربية.. أن نعيد تفعيل المخزون العربي الكبير في دول أفريقيا العربية التي كثير من أهلها في المشرق العربي.. تمكنت الدول الأوروبية أن تقول للمغرب العربي الكبير المشرق العربي كثير المشاكل والقضايا، أنا أعلم في الولايات بعد 11 أيلول عندما سأل الرئيس بوش وأنصاره لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ أجبت في ذلك الحين أن العرب المسلمين لا يكرهون.. الكره هو ثقافة الموت.. لكن العرب والمسلمين غاضبون والغضب هو استدراج للتفاوض.. استدراج للحوار.. استدراج للمناكفة.. والإرهاب.. والكره هو قطع لأي احتمال للحوار.. أي احتمال للتفاوض.. أي احتمال للمصالحة. وهذه هي العبثية بأعلى مراتبها.. بينما الغضب هو رغبة في التصحيح لأسباب الغضب.. من هذا المنظور من هذا المضمون.. مرة ثانية أقول إن المقاومة هي العدو للإرهاب وهنا لابد أن نعيد الذاكرة أن المقاومة في كل بلد محتل تريد أن توظف كل الإمكانيات لإعادة التحرير والاستقلال.. وهذا البلد واقع تحت ظل الاحتلال.. ماذا يعني؟.. أن المقاومة تستنفذ كل الخيارات من العصيان المدني إلى المظاهرات إلى اللجوء إلى الأمم المتحدى حتى إذا استنفدت كل هذه الخيارات عندئذ يصبح الكفاح المسلح هو آخر الخيارات.. بينما الإرهاب هو العنف والوسيلة والغاية نحو الاندثار وبعثرة الطاقات لاستعادة الكرامة.. ولذلك محاولة ربط المقاومة بالإرهاب كما يحصل في بعض الصحف المتصهينة في الغرب لا تجعل عقبة الإثم للمحرقة التي قام بها الغرب ولم يساهم فيها أي مسلم أو عربي في التاريخ ويريدون اليوم كما قال نائب وزير الحرب الإسرائيلي أن يهدد أهل غزة بمحرقة ممكنة، نحن أمام خطر أحد الأسلحة وهي حرمة الكلمة ومسؤوليتها هي لضبط المصطلح وضرورة التنسيق الملزم بين الدول العربية وحتى يكون الإعلام فاعلاً لابد أن تكون السياسة واضحة. نحن لا نمانع.. نحن لا نبالغ ولا نغامر. نحن الأمة العربية على حق.. صحيح فقد اختبرنا اختبارات مختلفة.. انتدابات فرنسية وبريطانية استعمارات ايطالية وإسبانية وإنجليزية وغيرها. هذا التعدد لا يجيز إلا أن نوظفها في سبيل التنوع في التجارب بغية هدرها لواقع الأمة. أعتقد أن الهيكل المتواجد والمتوفر ليس بالتربع هنا ناهيك عن التواجد.. يجب أن نعمل على جعلها تحظي أن تكون الجامعة جامعة للحكومات العربية ونجعلها جامعات الدول العربية والدول هي الأنظمة والمجتمعات. ومن هنا تجسيد المجتمع ليتيح لنا الانفتاح على بعضنا بعضاً وهو في سبيل نهضة واعدة وعلينا أن نتفاءل أردنا أم أبينا تمكنا أم لم نتمكن.. لا مجال ولا فسحة ولا فرصة من أن نستقيل من التفاؤل والأمل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد