Al Jazirah NewsPaper Sunday  06/04/2008 G Issue 12974
الأحد 29 ربيع الأول 1429   العدد  12974
ديمقراطيون ولكن

كثيراً ما يثار النقاش وتطول تشعباته في أمسياتنا العربية ذات السمات العاطفية, عن ضرورة بث الديمقراطية وتسريع انتشارها في مجتمعاتنا الناشئة، بل إن البعض وصل به الجنوح الديمقراطي والعاطفي إلى حد الإشادة والمديح بالقيم الديمقراطية الغربية وتمني زرعها في العالم العربي، متجاهلاً خصوصيات التجربة وطبيعة الشعوب، التي لا يمكن أن تكسى قسراً برداء الدمقرطة الغربية من دون أن تعاني من الصدمات الحضارية وحالات تيه الوعي والارتباك الاجتماعي.

بما أن حديثنا عن الديمقراطية وقضاياها، فلا ريب أن يقودنا الحديث إلى تناول بعض من التعريفات الإجرائية لها، فمنها التعريف الكلاسيكي الذي يقول: إن كلمة ديمقراطية تعني حكم الشعب، ومنها ما يشير إلى التبادل السلمي للسلطة عبر أدوات الانتخاب والترشيح والاختيار الحر المبني على إرادة المواطنين الخالصة والمستقاة من قناعاتهم السياسية والأيديولوجية, ولكننا إن أردنا أن نصبو إلى نوع من التدقيق فإن التعريف الأقرب لهذه النظرية الإنسانية هو وبكل اختصار (المسؤولية).

إذاً فلنرمي حجر السؤال ليحرك ركود نهر النقاش، ونتساءل هل شعوبنا العربية بقبلياتها وفئوياتها وطوائفها واثنياتها، وبكل ما يربض على صدر المجتمع العربي من تراكميات وإرث انطباعي كبير مستعدة لتحمل هذه المسؤولية وصونها وإعطائها النموذج الأمثل في الاستخدام، لقد شاهدنا في بعض انتخاباتنا العربية كيف أن البرنامج الانتخابي كان عبارة عن قبيلة أو طائفة أو جماعة, وكيف تحولت البرامج الانتخابية إلى مجرد أدوات لتكريس ما ذكر آنفاً.

وأيضاً نتساءل هل الفرد العربي مستعد لكي يتحمل مسؤولية الديمقراطية، ويتحول إلى شخص ديمقراطي، إن أهم ما نحتاج إليه قبل المطالبة بدقرطة أنظمتنا السياسية هو تهيئة أنفسنا ودقرطتها قبل ذلك، وذلك لا يكون إلا بتعميق ثقافة قبول الآخر واحترام وجهات النظر المضادة، والرضى بالتعددية والتمايز بالأفكار، فكيف لمجتمع لا يملك أفراده قناعات وأفكار الاختلاف أن يكونوا أعضاء في بيئة ديمقراطية.

سبق أن تحدثنا في هذه الافتتاحية عن الفكر المقلد والفكر الأصيل وكيف أن للشعوب تجاربها وخصوصياتها التي لا يجب تجاهلها في جهود دقرطة الشعوب, والآن نعود لنقول: إنه إن كان هناك ما هو مقلد وأصيل في الفكر فإن في الديمقراطيين ما هو مقلد وأصيل، فشتان بين من يعيش في كنف نظام ديمقراطي وقد زرعت قيم الديمقراطية بداخله وتحمل مسؤولياتها كمواطن فاعل ومعتدل يعي قيمة الحرية وضريبتها التي يجب أن لا تتعدى على الحريات المشروعة للآخرين، وبين من اتخذ الديمقراطية كمفهوم أجوف لا يعدو ملصقات الشوارع ودعايات الانتخابات وشعارات الاجتذاب الخالية من المضمون.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد