شدد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش على أهمية توسعة عرض المسعى بين الصفا والمروة نظرا لزيادة أعداد المسلمين القاصدين مكة لأداء نسكهم، مشيرا إلى أن أمر ولاة الأمر الميامين بإجراء توسعة المسعى سيزيل المعاناة التي كان يلقاها حجاج بيت الله ومعتمريه. |
وأكد د. بن دهيش أن العلماء لم يتعرضوا إلى عرض المسعى، مشيرا إلى أن الفقهاء قد جوزوا الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة في الدور العلوي فلا بأس من الزيادة في العرض. |
جاء ذلك في دراسة طويلة لفضيلته استلهم فيها الأدلة الشرعية لتوسعة عرض المسعى والتي جاء فيها: |
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له سبحانه على نعمة الظاهرة والباطنة.. والصلاة والسلام على سيد البرية، وهادي البشرية، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما. أما بعد: |
فإن الباحثين المخلصين من هذه الأمة ينشدون من خلال أبحاثهم مرضاة الله عز وجل، ورفع الحرج عن المسلمين، والتخفيف عنهم، برفع المشقة، وجلب التيسير لهم. |
وكلما ضاق الأمر على المسلمين في أمور عبادتهم، بحثوا في الثروة الفقهية، وتمكنوا من إيجاد الحلول العملية للتوسيع عليهم حتى يؤدوا عبادتهم في سهولة ويسر، وذلك عن طريق الاجتهاد والاستنباط في حل المعضلات التي تواجههم. |
ومن ذلك مشعر الصفا والمروة، الذي كان يواجه ضيقا بسبب زيادة أعداد المسلمين القاصدين مكة للنسك، وضيق مكان هذه العبادة، وقد سبق لي أن اقترحت توسعة ذلك المنسك اعتمادا على أدلة ذكرتها بتفصيلها، ونحمد الله ونشكر فضله أن استجاب ولاة الأمر في هذه البلاد الطيبة، فأمروا بإجراء توسعة المسعى بشكل أزال المعاناة التي كان يلقاها حجاج بيت الله ومعتمريه، انطلاقا من سماحة الإسلام ويسره، فلله الحمد والمنة أن قيد لهذه البلاد حكاما راشدين بررة، بذلوا كل غال من أجل راحة حجاج بيت الله، وكان جل اهتمامهم نفع المسلمين، والعمل على تيسير عبادتهم المرتبطة بالحج والعمرة، وزيارة هذه الأراضي المقدسة، حتى يحسنوا أداء شعائرهم دون خوف تهلكة، أو حرج يعرض أرواحهم للخطر. |
وبعد أن شرعت حكومة المملكة الرشيدة في البدء بتوسعة المسعى، فإني أجد أنه المناسب أن استكمل بحثي الأول الذي كتبته في رمضان من عام 1427هـ، والذي اقترحت فيه التوسعة - كما أسلفت - ببيان ووصف التوسعة الجديدة، مع إضافة ما تبين لي وتحقق من أدلة في جواز التوسعة. |
فاستعنت بالله جلت قدرته، راجيا منه التوفيق والسداد في خدمة دينه الحنيف، وأرضه المقدسة الطاهرة، وأن أكون قد وفقت فيما عرضت، مرضاة لوجهه الكريم. |
آراء العلماء واللجان في تعديل وتوسعة مسار المسعى: |
لم يتعرض من العلماء إلى عرض المسعى، إلا القليل منهم، ومن هذا القليل كان الأزرقي والفاكهي من مؤرخي مكة في القرن الثالث الهجري، فقال الإمام أبو الوليد الأزرقي: عرض المسعى خمس وثلاثون ذراعا ونصف. |
وقال الإمام أبو عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي: عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعا، واثنتا عشرة إصبعا. ونقل ذلك عنه تقي الدين الفاسي. |
ولم يتعرض الفقهاء الحنابلة لتحديد عرض المسعى، فلم أجد عندهم تحديدا لعرضه، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: إنه يستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا فيرقى عليه حتى يرى الكعبة. |
وقال في الشرح الكبير: فإن ترك مما بينهما - أي بين الصفا والمروة - ولو ذراعا لم يجزئه حتى يأتي به. |
فكان كلامهم في طول المسعى، ولم يذكروا تحديدا لعرضه. |
والحال كذلك عند فقهاء الشافعية، قال الإمام النووي: قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، من مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه، لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره، كالطواف، قال أبو علي البندنيجي في كتابه (الجامع): موضع السعي بطن الوادي. |
وقال الشافعي في القديم: فإن التوي شيئا يسيرا أجزأه ولو أعدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجزئه، وكذا قال الدرامي: إن التوى في السعي يسيرا جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. |
وحتى أن شمس الدين الرملي الشافعي: قال ولم أر في كلامهم ضبط عرضا لمسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة، كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرا لم يضر. كما نص عليه الشافعي رحمه الله. |
وفي حاشية الشرواني تحفة المحتاج شرح المنهاج بعد ذكر كلام الإمام الشافعي رحمه الله، قال عقبه: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذا لا نص فيه يحفظ عن السنة، فلا يضر الالتواء اليسير لذلك، بخلاف الكثير، فإنه يخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب. |
والشيء نفسه عند الحنفية، قال السرخسي: ويكره له ترك الصعود على الصفا والمروة فإن النبي صلى الله عليه وسلم صعد عليهما وأمرنا بالاقتداء به بقوله خذوا عني مناسككم وكذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن بعدهم توارثوا الصعود على الصفا والمروة بقدر ما يصير البيت بمرأى العين منهم فهو سنة متبعة يكره تركها. |
وقال الشيخ ابن جاسر: (ويجب استيعاب ما بين الصفا والمروة لفعله عليه الصلاة والسلام، وقوله: (خذوا عني مناسككم) فإن لم يرقهما ألصق عقب رجليه بأسفل الصفا، وألصق أصابعهما بأسفل المروة ليستوعب ما بينهما، وإن كان راكبا لعذر فعل ذلك بدايته وهذا كان أولا، أما بعد العمارة الجديدة فالظاهر أنه لا يكون مستوعبا للسعي إلا إذا رقى على المحل المتسع، وهو آخر درجة، والله أعلم، ثم ينقلب فينزل عن المروة فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا يفعل ذلك سبعا، يحتسب بالذهاب سعيه، وبالرجوع سعيه، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة. |
إذا فأنت ترى إجماع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه، فإن ترك جزءا ولو صغيرا بطل سعيه، حتى لو كان راكبا اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل، ويجب على الماشي أن يلصقه رجله بالجبل، بحيث لا يبقي بينهما فرجة عند الشافعي. وقال غيره: لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماما عرفا. |
ولابد من الصعود على الصفا والمروة والذكر والدعاء عليهما كلما وصل إلى أحدهما، وأن يذكر الله تعالى ويدعو وهو عليهما بما أحب، والدعاء بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل، فعن جابر بن عبدالله حينما روى حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ثم خرج إلى الصفا، ثم قال: (نبدأ بما بدأ الله به)، وقرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله، فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم - أو غلب - الأحزاب وحده) ثم دعا ورجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى إذا أتى المروة فرقى عليها حتى إذا نظر إلى البيت قال عليها كما قال على الصفا. |
ويسن إذا صعد على الصفا أن يستقبل الكعبة عند الذكر الوارد، عن نافع أنه سمع عبدالله بن عمر وهو على: الصفا يدعو ويقول: (اللهم إنك قلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني إلى الإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم). والمرأة في كل ذلك مثل الرجل غير أنها تختار وقتا لا زحام فيه إن أمكن ذلك. |
ويجب على الساعي المشي وعدم الركوب إلا لعذر، قال الشافعي وأحمد: المشي في السعي سنة، وقال الأحناف ومالك: هو واجب إلا لعذر كعدم القدرة على المشي، أو لتعليم الناس، كما فعل صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن المشي سنة وليس واجبا. |
ويمشي الساعي متمهلا حتى يصل إلى ما بين الميلين الأخضرين فيسن له الرمل إلا لعذر، ولا رمل على النساء. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرع بين الميلين، وكان يسمى ما بينهما: بطن الوادي. وله أن يخرج من باب الصفا، بعد الانتهاء من سعيه. |
وقد طرحت مسألة زيادة المسعى وتوسعته، وإجراء تعديلات عليه عبر العصور المختلفة على لجان مشكلة بصفة رسمية، أو مناقشات بين علماء وفقهاء الدولة، وذلك كلما استشعر الحكام زيادة أعداد الحجاج والزائرين ومعتمري البيت الحرام عن الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام، وللمسعى بين الصفا والمروة، وسوف أقصر الحديث عن أمر توسعة المسعى في خلال الحكم السعودي، ففي عام 1374هـ شكلت لجنة لدراسة وضع الصفا والمروة وإضافة دار آل الشيبي، ومحل الأغوات الواقعين بين موضع السعي، والنظر في توسيع الدرج الصاعد إلى الصخرات الملساء بالصفا من كل من الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، ووالدي الشيخ عبدالله بن دهيش، والشيخ عبدالله بن جاسر، والسيد علوي مالكي، والشيخ يحيى أمان، واجتمعت اللجنة مرات ومرات منذ تشكيلها، وخلال الأعوام 1378 و1380هـ. وصدرت قرارات وتوصيات رفعت لأصحاب الشأن. |
وفي الرابع من شهر ربيع الأول من عام 1375هـ بدأ العمل في هدم المباني الواقعة في مسار الطريق الجديد الذي تقرر فتحه خلف الصفا، كما أزيلت المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة في الجهة المقابلة للمسجد شرق المسعى، أو الواقعة في مسار مجرى السيل الجديد، فبدئ بشق طريق جديد يمتد بجانب الصفا والمروة إلى حي القرارة والشامية، فتمكن بذلك الحجاج من السعي من دون إزعاج المارة. |
وفي 2-7-1375هـ صدر الأمر الملكي رقم 15-1- 2925 باعتماد الخرائط والتصاميم الجديدة الخاصة بمشروع توسعة المسجد الحرام. |
وقد شمل ذلك كل المباني القائمة شرق المسجد الحرام، وحول منطقة الصفا وعلى طول الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد، وتمت إزالة الأنقاض، وحفر الأرض لإنشاء طبقة من الأقبية بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر تحت أرض المناطق المحيطة بالمسجد، وما أن انتهت أعمال تشييد الأقبية حتى بدئ في بناء الدور الأرضي من المسعى وإدخاله داخل المسجد الحرام، كما تم أيضا الانتهاء من بناء مجرى السيل الذي بني بكامله بالخرسانة المسلحة بشكل سميك، وقد تم الانتهاء من بنائه عام 1377هـ، وفي الوقت نفسه تواصلت أعمال البناء في المسعى. |
وقد صادف أن تمت مناقشة هذا الموضوع عام 1375هـ، في مجالس علمية، لعلماء وفقهاء المملكة في ذلك الوقت، ورد في مجموعة رسائل شخصية علمية مرسلة من فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي إلى تلميذه فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل بتاريخ 21-12-1375هـ أن الشيخ السعدي اجتمع بكثير من المشايخ والفضلاء من النجديين وغيرهم بعد حج العام المذكور، وتحدث عن اجتماع الشيخ محمد بن إبراهيم - مفتي المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت - بالعلماء والتباحث معهم في أمر توسعة المسعى، وكان ممن حضر هذا الاجتماع الشيخ ابن سعدي نفسه، حسب ما أفاد به، وتمت مناقشة هذا الأمر في عدة مجالس، وكان للحضور آراء متباينة، قال الشيخ ابن سعدي: (فمنهم من قال بأن عرضه لا يحد بأذرع معينة، بل كان ما كان بين الصفا والمروة فإنه داخل في المسعى كما هو ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ومنهم من قال يقتصر فيه على الموجود، لا يزاد فيه إلا زيادة يسيرة يعني في عرضه). |
فمن كلام الشيخ ابن سعدي سالم الذكر يفهم أن الموضوع قديم، وأنه طرح للمناقشة مرات عديدة، ويفهم منه أيضا أن هناك رأيين في أمر توسعة المسعى، أحدهما يجيز الزيادة المطلقة دون تحديد، وأيد ذلك بأنه ظاهر النصوص من الكتاب والسنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأرى أن هذا الرأي هو الراجح عندي، والرأي الثاني هو الزيادة فيه زيادة يسيرة، فكلا الرأيين يجيز الزيادة. |
وفي عام 1376هـ حدث تصدع في عقد عند المروة، وخشية من سقوطه على الساعين أصدر سمو ولي العهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - أمرا برقيا ملكيا برقم (10455) وتاريخ 17-9-1376هـ ونصه: (بحث موضوع عقد المروة الذي ظهر به تصدع، يقتضي اجتماع كل من والدي الشيخ عبدالله بن دهيش، والشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والسيد علوي مالكي، لمشاهدة التصدع الحاصل واتخاذ قرار بذلك لإجراء اللازم على أساسه). |
وقد اجتمعت تلك اللجنة بناء على هذا التوجيه في عصر يوم الخميس الموافق 18 رمضان عام 1376هـ حول العقد المتصدع عند المروة وشاهدوه، وتوقعوا سقوطه متصدعا سيما من ركنه الشرقي، وفي وسطه تصدع يخشى سقوطه على الساعين لانهياره وقدمه، مع الاحتفاظ بمحله، فوجدت اللجنة أن بقائه فيه ضررا على الساعتين، فقررت هدم هذا العقد المتصدع إزالة للضرر، وللمصلحة. |
وفي 24-10-1377هـ تم هدم عقد الصفا، وبنيت درجات من الأسمنت المسلح للصعود ودرجات للهبوط، في أثناء إصلاح منطقة المسعى في عهد الملك سعود يرحمه الله. |
وفي عام 1378هـ صدر التوجيه السامي لمقام وزارة الداخلية بالنظر في مشروعية المصعدين الذين أقيما ليؤديا إلى الصفا، وبناء على ذلك صدر أمر وزارة الداخلية رقم (1053) وتاريخ 28-1-1378هـ للجنة المكونة من كل من: الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن جاسر، ووالدي الشيخ عبدالله بن دهيش، والسيد علوي مالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، بحضور صالح قزاز، وعبدالله بن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا لمعرفة ما إذا كان في ذلك مخالفة للمصعد الشرعي القديم. |
وقد جرى وقوف أعضاء اللجنة المذكورين على المصعدين الذي جرى بناؤهما هناك من قبل مكتب مشروع توسعة المسجد الحرام. |
وبعد دراسة الموضوع ومذاكراته فيما بين اللجنة اتضح للجنة المذكورة أن المصعد الشرقي المواجه للمروة هو مصعد غير شرعي، لأن الراقي عليه لا يستقبل القبلة، كما هو السنة، وإذا حصل الصعود من ناحيته فلا يتأتى بذلك استيعاب ما بين الصفا والمروة المطلوب شرعا، وبناء على ذلك فإن اللجنة رأت إزالة المصعد والاكتفاء بالمصعد الثاني المبني في موضع المصعد القديم، لأن الراقي عليه يستقبل القبلة، كما هو السنة، كما أن المصعد والنزول من ناحيته يحصل به الاستيعاب المطلوب شرعا، ونظرا لكون المصعد المذكور يحتاج إلى التوسعة بقدر الإمكان ليتهيأ الوقوف عليه من أكبر عدد ممكن من الساعين فيما بين الصفا والمروة وليخفف بذلك الضغط خصوصا في أيام المواسم وكثرة الحجيج، وبالنظر لكون الصفا شرعا هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس، ولكون الصخرات المذكورة جميعها موضع للوقوف عليها، وحيث إن الصخرات المذكورة لا تزال موجودة للآن وبادية للعيان، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضا، فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعا من توسيع المصعد المذكور بقدر عرضا الصفا. |
وفي تاريخ 30-1-1380هـ وجه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي العام المملكة ورئيس قضاتها خطابا إلى الملك سعود رحمه الله برقم (503) حول توسعة الصفا، مشيرا فيه إلى أن النحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا ما عدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا، فأشار إلى أن اللجنة لم يتحقق لديها أنها من الصفا، أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا، ومن وقف عليه فقد وقف على الصفا، كما هو مشاهد، ونرى أن ما كان مسامتا للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الأسمنت التي وضع فيها أسياخ الحديد هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا، أما إذا نزل الساعي من الصفا، فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة فإنه يشمله اسم السعي، لأنه داخل في مسمى ما بين الصفا والمروة، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة. |
وبناء على خطاب سماحة المفتي المذكور، تم رفع الأمر إلى الملك فيصل - وكان آنذاك وليا للعهد - بخطاب رئيس الديوان الملكي رقم 27-4-2-238 بتاريخ 11-2-1380هـ، ثم أصدر الملك فيصل أمره رقم 3561 وتاريخ 17-2- 1380هـ باجتماع اللجنة المكونة من: الشيخ عبدالملك بن إبراهيم، والسيد علوي مالكي، والشيخ عبدالله بن جاسر، ووالدي الشيخ عبدالله بن دهيش، والمقاول الشيخ محمد بن لادن. |
واجتمعت اللجنة في عصر يوم السبت الموافق 24-4- 1380هـ بموقع الصفا، وقد اتخذوا قرارا استعرضوا في مقدمته ما جاء في خطاب سماحة المفتي الموجه للملك سعود والمذكور فيما سبق، وهذا نص ما خلصت إليه اللجنة: (فاعتمادا على ذلك حصل التطبيق لما قرره سماحة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المرفوع لصاحب الجلالة الملك المعظم برقم (503) في 30-1-1380هـ وبعد الإحاطة بما تضمنته المذكرة والقرار المذكور بخصوص موضوع الصفا جرى إزالة الحاجز الخشبي والتطبيق لما قرره سماحته والتحديد بالفعل بحضورنا جميعاً، واتفاقنا على ذلك، وعلى هذا حصل التوقيع). |
وفي عام 1384هـ في بداية عهد الملك فيصل رحمه الله تم تشييد قبة الصفا المقببة، وكسوة واجهات الدور الأول من المسعى وأعمدته وأرضيته بالرخام وتغطية سقفه بالزخارف المصنوعة من الحجر الصناعي الملون، وقد أصبحت مساحة المسعى بعد أن ألحق بالمسجد (16700 متراً) للطابقين. |
وفي عهد الملك خالد رحمه الله تم تركيب مكيفات صحراوية ومراوح عادية في المسعى لتقليل درجات الحرارة، ووقاية الساعين بين الصفا والمروة من شدة الحر، وتم أيضاً تركيب حواجز معدنية على جانبي الحاجز الأوسط بطول ممر السعي بالدور الأرضي بعرض متر واحد في كل اتجاه لتكون ممراً لعربات العجزة والمعاقين الراغبين في السعي من الحجاج والمعتمرين وأيضاً تمت تغطية المنحدرات في منطقة جبلي الصفا والمروة برخام محفور مانع للانزلاق وميسر للحركة صعوداً وهبوطاً للساعين. |
وفي عهد الملك فهد رحمه الله شهد الحرمان الشريفان أكبر توسعة على مر التاريخ، فكانت توسعة عملاقة شهد بها القاصي والداني، ويسرت كثيراً على حجاج وزوار الحرمين، فكانت أكبر توسعة معتمدة على تكنولوجيات البناء الحديث، وزاد من مساحة الحرم، وساحات حول الحرم لاستيعاب الزيادة المطردة في جموع المصلين، مع تركيب مكيفات وثريات إضائية كبيرة وعملاقة ذات شكل جميل، وقد حظي المسعى باهتمام كبير ضمن هذه التوسعة فتم توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلاً للساعين، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا، وذلك عام 1415هـ. |
وفي عام 1417هـ تم أيضاً إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع، حتى صارت مساحة المنطقة (375) متراً مربعاً بدلاً من المساحة السابقة وهي (245) متراً مربعاً. |
وفي نفس العام حصلت أيضاً توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول، وأحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المرور. |
وفي العام التالي تم إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام. ويبلغ طول الجسر 72.5 متراً، ويتراوح عرضه من عشرة أمتار ونصف إلى أحد عشر متراً ونصف، وتم تنفيذه وفق أحدث التصاميم الإنشانية، وبما يتناسق مع الشكل الخارجي للمسجد الحرام، مع توسعة الممر الملاصق للمسعى الذي يستعمل للطواف بالطابق الأول في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى، حيث تمت توسعته، فأصبح عرضه تسعة أمتار وعشرين سنتيمتراً ويبلغ طوله سبعين متراً. |
وخلال عامي 1420 - 1422هـ جرى فتح ثلاثة أبواب وكل باب بفتحتين عند المروة لتسهيل الخروج من ذلك الطرف تفادياً للازدحام، حسب النسق التالي: باب في الجهة الشرقية، وباب شمالي صدر المشعر، وباب في الجهة الغربية، وكذلك جرى فتح ثلاثة أبواب في الدور الأول من المسعى عند المروة تسهيلاً لدخول وخروج المصلين والساعين من ذلك الطرف، على نفس الترتيب في الدور الأرضي. |
وعلى جانبي المسعى وبين الأعمدة تم عمل حوالي 228 شباكاً تسمح بتهوية جيدة، إضافة إلى أجهزة التكييف التي جرى تركيبها مؤخراً لتلطيف الجو داخل المسعى، واستعمل الرخام الملون في تبليط أرضيات المسعى، وكذلك كسيت الجدران بارتفاع مترين ونصف بالرخام حتى مستوى الشبابيك، أما الأعمدة على جانبي المسعى فقد كسيت بالرخام والحجر الصناعي. |
وجعل عند نهاية المسعى من جهة الصفا شرفة مستديرة كبيرة، وأخرى صغيرة عند نهايته من جهة المروة، كي يرى الحجاج الساعين في الدور الأول جبلي الصفا والمروة. |
وفي الدور الأرضي ترك جزء من جبل الصفا عارياً على الطبيعة، وكذلك جبل المروة، ثم بعد ذلك بلطت منحدرات الصفا والمروة بالرخام على شكل مربعات بارزة وبينهما فارغات، كي لا ينزلق الحجاج في أثناء السعي. |
وترتفع على جبل الصفا مئذنة من مآذن المسجد الحرام التسعة، وبجوارها قبة جبل الصفا، وهي قبة كبيرة ترتفع على أربعة أعمدة أسطوانية ضخمة وثلاثة أعمدة مربعة كبيرة، وعلى جوانب القبة نوافذ وضع فيها الزجاج الملون بزخرفة إسلامية بديعة، يحيط بها من الداخل حزام بلون أزرق، كتب فيه بحروف بارزة مذهبة الآية الكريمة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وتتدلى من القبة ثريا كهربائية عظيمة من الكريستال تضيء فضاء الصفا. |
أما فوق جبل المروة فقد أنشئت فوقه قبة صغيرة مزخرفة من الداخل، كتب بداخلها على حزام أزرق بحروف بارزة مذهبة، الآية الكريمة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وتتدلى منها ثريا كهربائية من الكريستال تتناسب مع حجم فراغها تضيء فضاء المروة. |
وفي منتصف عام 1428هـ تم هدم بناء المسعى سالف الذكر، واستبدل ببناية جديدة حيث يهدف هذا المشروع إلى تطوير وتوسعة منطقة المسعى من ناحية الساحة الشرقية بزيادة قدرها عشرين متراً ليصبح عرض المسعى الكلي أربعين متراً، وزيادة طابق علوي ثالث للمسعى ليصبح عدد الطوابق الكلي للمسعى أربعة طوابق: طابقان بالإضافة للبدروم، والدور الأرضي، وتوفر التوسعة المفتوحة زيادة المساحة الكلية للسعي من (29.400) متراً مربعاً إلى (72 ألف متر مربع) بعد التوسعة، لتزداد مساحة الدور من (9.800) متر مربع وتصبح (18 ألف متر مربع)، وتأمين ممرات سعي على مستوى علوي في الدورين الأول والثاني لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة مع توفير مناطق للتجمع عند منطقتي الصفا والمروة، لتصبح بذلك مسطحات البناء الإجمالية لكافة الأدوار بمناطق السعي والخدمات حوالي (125 ألف متر مربع) حيث بدأت المرحلة الثانية التي ستشمل هدم وإزالة المبنى الحالي للمسعى بكامل ارتفاعه بما فيها الباكية الأولى الملاصقة للمسعى من التوسعة السعودية الأولى، وإعادة إنشاء منطقتي الصفا والمروة مع القباب الجديدة التي سيتم بناؤها على أحدث الطرق المعمارية الإسلامية. |
ويتكون مشروع توسعة المسعى من أربعة أدوار بدروم للعربات ودور أرضي ودوران أول وثان، بطول 350 متراً وعرض 21 متراً وقد تم إنجاز مرحلته الأولى قبل دخول شهر رمضان 1428هـ للاستفادة من البدروم والدور الأرضي حيث يخصص البدروم لعربات السعي فقط ليصبح الدور الأرضي للسعي، وقد تم استئناف العمل فيه بعد موسم حج عام 1428هـ لإكمال المرحلة الثانية من المشروع إضافة إلى هدم المسعى الحالي لإعادة بنائه من جديد بنفس مستوى الجزء الذي تم بناؤه حالياً. |
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله بنصره قد أصدر أمره الكريم عقب حج عام 1426هـ بانعقاد مجلس هيئة كبار العلماء في جلسة استثنائية لمناقشة مسألة توسعة عرض المسعى للاضطرار بموجب برقية المقام السامي رقم 8020 - م ب وتاريخ 15-6-1426هـ فتبلغ هيئة كبار العلماء ذلك بخطاب صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة عضو هيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة رقم 751078-3 س وتاريخ 6-8-1426هـ فاجتمع مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في الدورة الرابعة والستين للمجلس الذي عقد بمدينة الرياض ابتداء من تاريخ 18-2-1427هـ وأصدرت قرارها رقم 227 وتاريخ 22-2-1427هـ الذي قرروا فيه بالأكثرية عدم الموافقة على زيادة المسعى، مع وجود عدد أقل من أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء قد أجاز التوسعة، حتى أن بعض من الأعضاء الذين صوتوا بعد الموافقة على التوسعة مع الأكثرية، عادوا عن رأيهم الأول، وأجازوا التوسعة بعدها تراءى لهم قوة أدلة جواز التوسعة. |
ومن الذين عادوا في رأيهم من هيئة كبار العلماء، وأجازوا التوسعة بعد اعتراضهم: فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع الذي قال: (لا يظهر لي مانع شرعي من توسعة المسعى) ثم قال: (الحق أحق أن يتبع ولا يجوز لطالب العلم التمسك بقول تبين أن غيره من الأقوال أصح) وقد نشرت مقالته هذه في غالبية الصحف السعودية، وفي عدة مواقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت). |
ومنهم أيضاً فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين وكان ثاني العائدين عن آرائهم من الاعتراض إلى الموافقة، وقد قال: (إن المسعى الجديد امتداد للصفا والمروة، وشاهدته بنفسي قبل 60 عاماً) يقصد امتداد جبلي الصفا والمروة قبل أن يزالا بغرض التوسعة السعودية وبغرض عمل الشوارع. ثم أضاف قوله مطالباً باقي زملائه في هيئة كبار العلماء بالتراجع عن فتواهم لأول بالاعتراض وذلك بقوله: (لعل بقية العلماء يصدرون فتوى يوافقون على ما تم اتخاذه للتيسير على الناس) وقد نشرت كذلك في غالبية الصحف السعودية، وفي عدد من المواقع الإلكترونية. |
واقع الصفا والمروة حالياً: |
لحكومة المملكة العربية السعودية الرشيدة جهوداً كبيرة في العناية بالحرمين الشريفين، وبذل عظيم لكل غال في سبيل تذليل كل الصعاب التي تعترض حجاج بيت الله الحرام وزواره، خاصة وأن الأعداد التي تفد إلى الحرم لأداء مناسك الحج والعمرة في زيادة تفوق كل التصورات. حتى أن المسجد الحرام الذي شهد أكبر توسعة في تاريخه قام بها الملك فهد رحمه لله يشهد ازدحاماً هائلاً - بالرغم من تلك الزيادة التي شهدها، والساحات التي وفرت لاستيعاب الحجاج والزوار وجميع الأماكن المقدسة في مكة المكرمة شهد ازدحاماً هائلاً، ومن ذلك المسعى بين الصفا والمروة. |
وحيث أن الشريعة الإسلامية قد أقرت نظرية الضرورة وأشارت إليها بوضوح النصوص القرآنية الكريمة، والسنة النبوية الشريفة، كما تولى فقهاء الشريعة دراسة هذه النصوص، واستنبطوا منها قواعد كلية وفرعية في العبادات والمعاملات، وبنوا أحكامها الشرعية على مستلزمات الضروريات الخمس وهي: (حفظ الدين، والنفس، والمال، والعقل، والنسل) وذهبوا إلى أن المحافظة على هذه الضروريات الخمس تبيح مخالفة التكاليف الشرعية بعد أن اشتقوا لها أحكاماً وشروطاً وقيوداً من مصادر الحكم الشرعي وقسموا الحكم الشرعي باعتبار عمومه إلى عزيمة ورخصة. |
وعرف بعضهم الضرورة بأنها: خوف من الهلاك على النفس، أو المال سواء أكان هذه الخوف علماً، أي أمراض متيقناً أو ظناً، يراد به الظن الراجح، وهو المبني على أسباب معقولة، إن لم يدفع به الهلاك، أو الضرر الشديد، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة . |
فالأحكام الشرعية مراعى فيها مصالح العباد، وبخاصة الضرورات الخمس سالفة الذكر. |
وتقوم نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي على قاعدتين هما: قاعدة: (المشقة تجلب التيسير)، وقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار). |
فالمشقة تجلب التيسير: يقصد بها أن الأحكام التي تنشأ عن تطبيقها حرج على المكلف، ومشقة في نفسه، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف واستطاعته دون عسر أو حرج، فالمشقة التي تخرج عن المعتاد تجلب التيسير، وتتحقق هذه المشقة إذا كان من شأن التكليف إيقاع الضرر بالمكلف في نفسه، أو ماله، أو فيما يعد من ضروريات حياته ومعاشه، ولهذه القاعدة أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. |
وتدخل هذه القاعدة في باب الرخص، ومن أدلة القاعدة قوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). |
ومن فروع هذه القاعدة قاعدة شرعية أخرى هي: (إذا ضاق الأمر اتسع) وهذه مأثورة عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. |
فمن ذات المصادر الشرعية استنبط فقهاء الشريعة أحكاماً وشروطاً وقيوداً لتطبيق حالة الضرورة، منها: أن الضرورة تقدر بقدرها، وان يكون الخطر الذي يبرر الاضطرار جسيماً وحالا، وان لا يوجد طريق غيره لدفع الخطر، والعودة للحكم الشرعي الأصلي عند زوال أسباب الاضطرار. |
|
الضرورة من الأمور الاجتهادية، فمنها ما هو متصل بأمور الجماعة ومنها ما هو متعلق بخصوصيات الفرد، والذي يهمنا في ذلك المقام، هو ما يتعلق بأمور الجماعة فإذا كان الأمر متعلق بأمور الجماعة والمجتمع، فإن حاكم البلاد هو المسؤول عن ذلك وهو صاحب السلطة التنفيذية في إقرار ما يستوجب الضرورة ومعالجته بالكيفية التي يراها. |
فقد أمر الخليفة عمر بن الخطاب إيقاف تنفيذ الحد في السارق، لمدة معينة، عندما كان ذلك ضرورياً بسبب المجاعة، وعاد لتنفيذ حدود الله عز وجل عندما انتفى الأمر وعادت الأمور إلى طبيعتها. |
كما سبق للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أن أمر بجمع القرآن في مصحف واحد، وكان ذلك ضرورة تهم جميع المسلمين في سائر الأرجاء. |
وفي أمر توسعة المسعى اتخذ ولي الأمر قراراً حكيماً، مستندة دفع الضرر والخطر عن المسلمين، وجلب المنفعة والأمان لهم، والقاعدة الفقهية تنص على أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف، إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم، بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو بما انعقد عليه إجماع الأمة ولاشك أن التوسعة محققة للمصلحة في خدمة الحجيج والمعتمرين وزوار البيت، وفي الأخذ بها دفع للأضرار المحتمل وقوعه عليهم فجزا الله حكمنا خير الجزاء، فهم دوماً وأبداً يتسمون ببعد النظر والحكمة الثاقبة. |
وقد كان لي شرف اقتراح توسعة المسعى وزيادته بما يعادل قدر مساحته التي كانت عليه من جهته الشرقية، حيث توجد ساحة كبيرة خصصت لاستيعاب المصلين، وهي ممتدة حتى حدود مكتبة مكة المكرمة من جهة الشرق، ووجود هذه الساحة سهل إنشاء هذه التوسعة. |
ونحمد الله ونشكر فضله أن منّ على هذه البلاد المقدسة بحكومة رشيدة أخذت على عاتقها منذ تأسيس المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأبنائه البررة، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، رحمهم الله جميعاً، وحالياً الملك عبدالله -حفظه الله ورعاه وأيده بنصره- ، فأولوا الحرمين الشريفين عناية واهتمام بالغ على مر العصور، فكانت التوسعات السعودية للحرمين أكبر توسعات على مر التاريخ. |
فكانت تلك التوسعة التي شرع فيها في عام 1428هـ والتي لاقت بعض الاعتراضات من بعض المشايخ، ومن بعض هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية . |
وإني أرى أن هذه التوسعة جائزة، وذلك للأسباب الآتية: |
قد أجمع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه، فإن ترك جزءاً ولو صغيراً بطل سعيه، حتى لو كان راكباً اشترط أن تضع الدابة حافرها على الحبل، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقى بينهما فرجة عند الشافعي، وقال غيره: لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماماً عرفاً. |
قال ابن عمر رضي الله عنهما: (السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين) . |
فيفهم من قول ابن عمر أن تحديد المسعى إنما كان في مبتدئه ومنتهاه، ولم يتعرض لعرضه. |
حتى أن فقهاء الحنابلة والشافعية والحنفية لم يتعرضوا لعرض المسعى كما أسلفت، فكلام أكثر الفقهاء كان على طول المسعى، وليس عرضه، فالواجب هو استيعاب المسافة من جبل الصفا إلى جبل المروة. |
وقد يعترض البعض على هذه التوسعة بحجة أنها خرجت عن حدود جبلي الصفا والمروة، والحقيقة أنها لم تخرج عن حدود جبلي الصفا والمروة، فمعلوم علم اليقين لكل متابع ومطالع لحركة المد السكاني، والتطور الحضاري والعمراني لمنطقة الصفا والمروة أن المسعى الذي يقع شرق الكعبة المشرفة بين جبلي الصفا والمروة قد تطاولت عليه أيدي الناس على طول الزمان ببناء دورهم ومنازلهم على جانبيه الشرقي والغربي، وطرفيه الجنوبي والشمالي، فأحالوا سعته وانفساحه ضيقاً، وحرجاً، فاختلط الساعي بين الصفا والمروة بالمتسوق، وبالقاطنين على جوانب المسعى من كل جهاته، حتى هيأ الله -عزّ وجلّ- آل سعود حكام هذه البلاد المباركة عام 1375هـ فأزاحوا عن المسعى كل ما أساء إليه، وهيئوا لحجاج بيت الله ومعتمريه أداء مناسكهم بيسر وأمان. |
وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375هـ في عهد الملك سعود -رحمه الله-، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يصعد إليها من أجياد الصغير، ثم تنحدر منها طريق تمر وسط سقيفة مظللة، ومنها تنزل الطريق من فوق هذا الجبل متعرجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم من غربه. |
وقد شاهدت ذلك بنفسي، ويتفق معي أخي الدكتور عويد المطرفي، وذلك بقوله: (كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه، وظهره وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه، فغطت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاد (صخور) جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك. |
ولما ابتدأت هدميات هذه التوسعة ظهر للعيان جبل الصفا على حقيقته الجغرافية الطبيعية التي خلقه الله عليها يوم خلق السماوات والأرض، وأن امتداد طرفه الغربي الجنوبي المحاذي لسيل البطحاء من جنوبها كان يصل قبل إزالته في التوسعة إلى موضوع الباب الشرقي للسلم الكهربائي الصاعد اليوم إلى الدور الثاني من المسجد الحرام من ناحية أجياد، وإلى موضع قصر الضيافة الملاصق للبيوت الملكية من الجهة الجنوبية، الذي موضعه الحالي جزء من مرتفع من جبل الصفا). |
وقد توصل الدكتور عويد المطرفي إلى استنتاج جيد عن تسمية كل هذه المنطقة من هذا الجبل باسم (جبل الصفا) لأن أهل مكة إبان أرومتهم العربية في الجاهلية والإسلام هم الذين سموه بهذا الاسم، وتبعهم في ذلك سكانها من بعدهم، معتمداً على تفسيرات اللغويين، وعلماء العربية، إذ كان من عادة واضعي اللغة الذين يحتج بكلامهم في بيان المراد بمعاني الألفاظ في تفسير القرآن وغريب الحديث النبوي أن يسموا بعض أجزاء جبل ما، أو واد ما باسم خاص به يميز ما سموه منه عن اسم أصله لوصف قائم بذلك الجزء من الجبل، أو الوادي كما هو الحال في تسميتهم أصل جبل أبي قبيس من ناحيته الغربية، والغربية الجنوبية، وما بينهما من امتداد بالصفا الذي جعله الله -عزّ وجلّ- من شعائره في قوله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فإن اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158) سورة البقرة. |
وقد ورد إطلاق اسم (جبل الصفا) على هذه المنطقة من هذا الجبل عند علماء العربية في مدوناتهم العلمية اللغوية، وقد أوردت تعريفات اللغويين عن الصفا والمروة في مبحث التعريف بالصفا والمروة لغوياً. |
قال الأعشى هاجياً عمير بن عبدالله بن المنذر : |
فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا |
ولا لك حق الشرب من ماء زمزم |
فمقصود الشاعر هنا هم سكان جبل الصفا وما حوله مما هو موضع للسكن والاستقرار، ولا يقصد بالتأكيد الصفا بمعنى الحجر الأملس، لأنه ليس محلاً للسكن ولا صالحاً له، ولا هو مما يُمدح به. والدليل على ذلك أن الشاعر قابل ذكر الصفا بذكر الحجون، فقابل جبلاً ذكره بجبل متسع المواضع مريداً سكان كل من الجبلين. |
وهذا يدل على أن الصفا في هذه الآية الكريمة موضع متسع، يمكننا اليوم الاستفادة مما تشمله هذه التسمية في توسيع عرض المسعى، فالشاعر بلا شك عربي وهو ممن يحتج به، وقوله له دلالة قوية في ألفاظ اللغة العربية التي نزل القرآن مخاطباً العرب بها. |
كما ذكر أبو إسحاق الحربي في وصفه لمكة يوم أن حج إليها في كتابه (المناسك) بقوله: (وحيال باب القاضي من طرف باب الصفا إلى منعرج الوادي جبل الصفا، ثم الركن، ركن المسجد فيه منارة، وحيالها جبل أبي قبيس، يتعرج خلف الصفا طرف منه، ثم يرجع الحد إلى الرواق الأيسر للداخل من باب أبي شبية وهو حيال باب البيت) . |
فعرف جبل أبي قيس الذي يحتضن جبل الصفا من خلفه، والصفا أسفل منه من أول منعرجه من ناحية البطحاء، وموقعها الساحة الشرقية للمسعى اليوم إلى منعطفه إلى أجياد الصغير موضع قصر الضيافة اليوم، تغطيه الدور الذي كانت تجثم على قاعدته، وعلوه وأسفله إلى موضع السعي من الصفا المعروف اليوم كما سبق أن ذكرت آنفاً وقد أزيل من موقعه بقصد توسعة المسجد الحرام على مرحلتين. |
كان أولاها عام 1375هـ حين قطعت أكتاف جبل الصفا، وفتح عليها شارع لمرور السيارات يصل بين أجياد والقشاشية التي لم تبق لها اليوم عين أيضاً. |
وثانيها في عام 1401هـ عندما أزيل هذا الشارع، وقطع الجبل من أصله، وفصل موضع الصفا عن الجبل، وفتح بينه وبين الجبل الأصل طريق متسع للمشاة بين ما بقي من أصل الجبل، وبين جدار الصفا من خارجه الشرقي، تسهيلاً للحركة والمشي حول المسجد الحرام، وتيسيراً للناس عناء صعود الجبال والهبوط منها في ذلك الموضع. |
وبهذا أزيل ظاهر جبل الصفا من الوجود، ودخل في ذمة التاريخ في عام 1401هـ بيد أن أصله وقاعدته موجودة تحت أرض الشارع المذكور، وهي ممتدة إلى منعطفه الشمالي الشرقي المواجه لساحة المسعى الشرقية، ومن السهل التثبت من امتداداته تحت الأرض، وقد كان ذلك شاهداً للعيان قبل نسفه، وفصله عن أصله، وإزالة الظاهر على وجه الأرض منه. |
ومعلوم لكل من رأى باب الصفا قبل التوسعة السعودية أن باب الصفا الذي عناه أبو إسحاق الحربي كان يخرج منه من المسجد الحرام إلى الوادي مسيل سيل البطحاء، ثم يسار فيه بعد الخروج منه بانعطاف مرتفع نحو الشرق حتى يلاقي الطريق النازل من منحدر الثنية المنكدرة من أعلى الصفا. |
ومن ثم يدخل إلى المرتفع من الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم، وبهذا يظهر أن طرف جبل الصفا الغربي الجنوبي كان منقاداً إلى موضع السلم الكهربائي الصاعد إلى الدور الثاني من المسجد الحرام، الذي كان موجوداً حتى بدأ التوسعة الحادثة في عام 1428هـ. |
كما أن قول أبي إسحاق في تحديده لجبل الصفا (إلى منعرج الوادي) ينص صراحة على اتساع هذا الجبل شمالاً إلى منعطفه من واجهته الغربية، إلى منعطفه نحو الشمال المقابل للبطحاء (الساحة الشرقية للمسعى) ولا ريب أن ما بين طرفه الغربي الجنوبي وطرفه الشمالي عند منعرج الوادي إلى الشرق من ناحية الشمال تشمله التسمية المقصودة بالخطاب في هذه الآية الكريمة، وما شمله الاسم العلم للمسمى صح اعتبار ما يحدث في بعضه من الأعمال والأقوال حادثاً في جميعه وله حكمه ووصفه شرعاً وعرفاً، ويترتب على هذا أن المنطلق (أي الساعي) بنية السعي من أي موضع مما يشمله اسم الصفا لغة وعرفا يكون داخلاً في عموم المراد بالخطاب بهذه الآية الكريمة، ساعياً بحق وحقيقة بين الصفا والمروة إذا ما انتهى به سعيه مما ذكرت إلى مسامتٍ له من جبل المروة المقابل له من ناحية الشمال. |
كما أن تسمية منطقة جبل المروة في تعريفات اللغويين تدل على أن المروة جبل قائم بذاته وصفاته ممتد الجوانب، واسع الواجهة المقابلة من الشمال لجبل الصفا، وامتداده إلى منعطفه نحو الوادي المواجه من الشمال الشرقي لبطن المسعى. |
كما يدل على ذلك قول قصي بن كلاب الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمتدح ويفخر ويظهر بسط سلطانه على أرض المروة وما جاورها من أراض حيث يقول : |
|
|
فهو بهذا القول يقصد أن جبل المروة وكل امتداداته وما حوله من الأرض التي هي محل للرغبة في التملك والسكن والسيادة التي يفخر بمثلها مثله، ولا يقصد بالطبع المروة التي هي الحجر الأبيض، لوجود هذا النوع من الحجر وتوفره في كل موضع من السهل والجبل، وطبيعي أن تملك وحيازة الحجارة ليس فخراً، ولا مطمع من أحد، ولا يحتاج إليه. |
ويؤيد اتساع جبل المروة في تكوينه الطبيعي الكبير الممتد شرقاً وغرباً، الذي قطعت متونه وأكتافه وامتداداته العضوية في أثناء التوسعة التي تمت عام 1375هـ، ما رواه الأزرقي بسنده من طريق علقمة بن نضلة بقوله: (وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحدائين فضرب برجله فقال: سنام الأرض إن لها سناماً، يزعم ابن فرقد أني لا أعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجنى) ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (إن أبا سفيان لقديم الظلم، ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته). |
وسواد المروة هو ما امتدت إليه مساحة المروة السوداء، ووصل إليه عرضها من ناحيتها الغربية من طرف جبل المروة الغربي المواجه من الشمال اليوم لباب الفتح. |
وبياضها هو ما امتد إليه عرض جبلها من ناحيته الشرقية مما يلي دار أبي سفيان الذي يقع اليوم مكانه على يسار النازل من المدعى إلى الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الشرقية من المروة، وما يتصل بها من الساحة الواقعة شرق المسعى، وهو داره الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (... ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) |
وابن فرقد هذا الذي كان يشاحن أبا سفيان في المروة هو: عتبة بن فرقد السلمي حليف بني عبدالمطلب بن عبدمناف، وكانت داره برباع حلفاء بني عبدالمطلب بن عبد مناف بشق المروة السوداء التي أقر أبو سفيان في قوله هذا يملك ابن فرقد لها. |
ومما يؤيد وجود كل من المروتين هاتين، وأنهما كانتا معروفتين عند أهل مكة آنذاك، وأن لكل من أبي سفيان ملكاً في المروة البيضاء، ولابن فرقد ملك في المروة السوداء أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم ينف ملك أي منهما لما يملكه، ولا نفى وجود واحدة من المروتين، وإنما ذم توسع ادعاء أبي سفيان في ملك ما ليس يملكه. |
كما أن أبا سفيان عربي اللسان، والأرومة يحتج بكلامه في تفسير معاني الألفاظ، وتعيين المسميات وتحديد المعالم والأمكنة في ديارهم، وكلامه هذا يدل على وجود مروتين في جبل المروة وليس مروة واحدة. |
كما يدل أيضاً على اتساع مسمى المروة وواقعها، وأن المروة البيضاء التي نحقق القول اليوم في امتدادها شرقاً تصل ارتفاعاتها دار أبي سفيان الواقعة على يسار النازل اليوم من شارع المدعى إلى ساحة المسعى، وأن المروة السوداء تمتد غرب المروة المعروفة اليوم، وكل هذا يدل على اتساع مساحة المروة إلى جهة الشرق على أوسع بكثير مما يقصر الناس التسمية عليه اليوم من ظنهم أنها واحدة، وأنها مقصورة على ما كان عليه العقد الذي كان منصوباً على الطرف الشمالي من المروة قبل توسعة المسعى. |
وقد كان معروفاً قبل نسف ارتفاعات هذا الجبل، وإزالتها أن جميع المباني والبيوت القائمة في هذه المنطقة أنها كانت مبنية على الجبل، وأن ارتفاعاته التي كانت تحت تلك البيوت قد أزالتها معاول النسف والتفجير تسهيلاً لسير الناس من حجاج وعمار ومواطنين عليها دون إعاقة ولا عنت. |
إن الزيادات الهائلة في أعداد الحجاج والزوار والمعتمرين تضطر، ولاة الأمر دوماً إلى اتخاذ ما يرونه مناسباً للتيسير على المسلمين ودرء المشقة عنهم بما لا يخل بمقاصد الشرع، فقد قال الله عزّ وجلّ {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا أمنا}، فقول الله سبحانه وتعالى يشير إلى أمن الطائف والساعي، والعاكف، وكل مقيم على أرض مكة المكرمة، وكيف يتأتى هذا الأمن والطمأنينة، إلا بقرار حكيم يحد من الدهس والتزاحم والتدافع بين الحجاج والمعتمرين، وهذه التوسعة ستؤمن بإذن الله لهم السلامة، وأداء نسك آمن، وهي في ذات الوقت تقع في حدود البينية الكائنة بين جبلي الصفا والمروة، كما أن التوسعة تشبه اتصال صفوف المصلين خارج المسجد عند امتلاء المسجد بالمصلين، واللجوء للساحات والشوارع المحيطة به، لأداء الصلاة مع الجماعة، وقد جوز الفقهاء ذلك، طالما اتصلت الصفوف. |
فنجده صلى الله عليه وسلم رفيقاً بأمته مريداً لها التيسير والتخفيف، مرخصاً لصحابته الذين سألوه عن تقديم أو تأخير بعض النسك، بقوله (افعل ولا حرج) وهي رخصة نحن في أمس الحاجة إليها الآن، ولا نغفل ما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم وأباحه ورخص فيه عندما أجاب الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الإجابة التي تنم عن تيسير. |
وقد استجدت مستجدات، وطرأت أمور تتطلب أن نعيد النظر في مواجهة الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوار والمعتمرين، خصوصاً في ظل زيادة أعداد المسلمين في العالم والتي بلغت ما يقارب المليار والنصف، مع تطور وسائل المواصلات، مما جعل القادمين للحج والعامرة في ازدياد مضطرد عاماً بعد آخر، حتى زاد عددهم عن المليونين، بما لا يمكن بحال أن تستوعبه مساحة كل شعيرة، من هنا أصبح لزاماً علينا التفكير في الحلول المناسبة في ضوء مستجدات العصر، وتفعيل آراء الفقهاء المعتمرين المعتمدة أقوالهم، على اختلاف مذاهبهم، دونما تعصب لمذهب أو لرأي بعينه، ما دام ذلك يسهم في بلوغنا الهدف الأسمى وهو أداء نسك صحيح، مع الحفاظ على سلامة الحجاج والزوار والمعتمرين والمصلين، دون خروج عن مقاصد الشرع الشريف. |
وإذا كان الفقهاء قد جوزوا الطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة في الدور العلوي، فإني لا أرى بأساً من الزيادة في العرض إعمالاً للقاعدة الفقهية المنوّه عنها سابقاً. |
وقد دل الدليل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج وفي سائر الأعمال، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، أكثر الناس التزاما وحرصاً على اتباعه صلوات الله عليه وسلامه، إلا أن النفس البشرية قد غلبت عليهم، وأصابهم النسيان. |
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن ، فدل ذلك على أن العصا التي كانت بيده الشريفة كانت وسيلة اتصال بينه وبين الحجر الأسود، فقد كان يستلم بها الحجر، ثم يقبل العصا صلى الله عليه وسلم وكل ذلك من باب التيسير على المسلمين. |
وقد وسع موضع الطواف ولم يقتصر فيه على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واتفق أهل العلم على أن ما زيد في المسجد فصار منه صح الطواف فيه، وقياساً عليه يصح ذلك في المسعى، خصوصاً وأن التوسعة واقعة بين جبلي الصفا والمروة الممتد عرضهما أكبر مما هو ظاهر، وغالب اهتمام الفقهاء منصب على استيفاء المسافة الواقعة بينهما طولاً. |
وهذا جائز شرعاً لعدم خروجه عن دلالة نص هذه الآية الكريمة ومنطوقها، كما أن هذه التوسعة في مثل هذا المشعر الحرام سبق لها نظير عبر التاريخ، بل في ما هو مقدم شرعاً. |
- فقد وسع عمر بن الخطاب رضي الله عنه المطاف حين رأى شدة ازدحام الحجاج فيه، فاشترى البيوت التي كانت محيطة به فهدمها، ووضع المطاف في موضعها، وذلك سنة 17هـ. |
- ثم وسعه عثمان بن عفان رضي الله عنه في عهده سنة 26هـ لنفس الغرض أيضاً. |
- ثم وسعه عبدالله بن الزبير أيام خلافته لنفس الأمر حين رأى كثرة الزحام فيه. |
- وفي عهد الخليفة عبدالملك بن مروان (65-86هـ) تمت إضاءة ما بين الصفا والمروة بالقناديل ليلاً. |
ومنذ عهد الخليفة الثاني للدولة العباسية أبي جعفر المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن العباس (136 - 158 هـ)، مازال الخلفاء والسلاطين يقومون بتوسعة المسجد الحرام، والمسعى بين الصفا والمروة. |
* وعندما أراد الخليفة محمد بن عبدالله بن محمد بن علي العباسي ثالث خلفاء بني العباس (158 - 169هـ)، أن يوسع المسجد الحرام، سنة (167هـ)، قام بهدم هذه البيوت، لم ينكر عليه أحد من الأئمة الذين عاصروه. |
فهذا عمل اثنين من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنتهم والعض عليها بالنواجذ، وهو كذلك عمل صحابي جليل، هو أحد خلفاء المسلمين وحكامهم، ومن بعده الحكام والخلفاء والسلاطين الذين توالوا حكم البلاد. |
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، وتابعي التابعين، وعلماء هذه الأمة عبر العصور على هذه التوسعة، وأقروها ولم نجد منهم من اعترض على هذا العمل، بل حبذوه ورأوه عملاً صالحاً تم لمصلحة المسلمين. |
كما أن المسعى الذي هدم مؤخراً ليس هو في عرضه، على ما كان في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، بل أخذ من عرضه بزحف المباني عليه من ناحيته الغربية والشرقية عبر العصور اللاحقة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. |
فكانت البيوت لاصقة بالمطاف مرتصة غرب المسعى، ويدل على ذلك النقول الآتية: |
* دار الأزرق بن عمرو الغساني جدره لاصق بالمطاف من ناحية الشرق، فاشترى ابن الزبير نصفها وأدخله في المطاف. ثم اشترى بقيته المهدي العباسي عام 160هـ فأدخلها المطاف. |
* كما اشترى المهدي العباسي دار خيرة بنت سباع الخزاعية التي كانت لاصقة بدار الأزرق من الشرق وبابها الشرقي كان شارعاً مفتوحاً مباشرة على المسعى قبل أن يؤخر عن موضعه، ووضع المسجد في موضع دارها ودار آل جبير بن مطعم، وجميع الدور التي كانت بين المسجد والمسعى فوضع المسجد في موضعها وأخر المسعى إلى موضعه الذي هو فيه اليوم . |
* وفي توسعة المهدي الثانية عام 167هـ أمر بشراء الدور التي كانت باقية بين المسجد والمسعى فاشتريت وهدمت وهدم أكثر دار محمد بن عباد العائذي الكائنة عند العلم الأخضر بركن المسجد من جهة الصفا وما جاورها توسعة للمسجد وللمسعى، قال الأزرقي: (فهدموا ما كان بين الصفا والوادي من الدور، وجعلوا المسعى والوادي فيها) أي نقلوا المسعى من بطن المسجد إلى موضع الدور التي هدموها. |
فهذه النقول تدل على أن المسعى يتسع حينا بفعل عمليات التوسعة التي يجريها الحكام، وتضيق في أحيان أخرى بفعل زحف المباني والدور. |
وأما من ناحيته الشرقية فإن عدم منع الناس من الزحف عليه ببناء منازلهم وأسواقهم على جانبه الشرقي قد ضيق عرضه كثيراً، ويدل على هذا ما روي عن عثمان بن هند بن عبدالله بن عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي قال أخبرني أبي عن يحيى بن عثمان بن الأرقم حدثني جدي عثمان بن الأرقم أنه كان يقول: أنا ابن سبع الإسلام أسلم أبي سابع سبعة، وكانت داره على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها في الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين فيها: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام)، فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأسلم في دار الأرقم، وخرجوا منها وكبروا وطافوا بالبيت ظاهرين، ودعيت دار الأرقم دار الإسلام، وتصدق بها الأرقم على ولده، فقرأت نسخة صدقة الأرقم بداره: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاز الصفا أنها صدقة بمكانها من الحرم لا تباع ولا تورث، شهد هشام بن العاص، وفلان مولى هشام بن العاص، قال: فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤاجرون ويأخذون عليها، حتى كان زمن أبي جعفر، قال محمد بن عمر: فأخبرني أبي عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال: إني لأعلم اليوم الذي وقع في نفس أبي جعفر إنه يسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها، ونحن على ظهر الدار، فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوته لأخذتها، وأنه لينظر إلينا من حين يهبط الوادي حتى يصعد إلى الصفا،... إلى آخر ما ورد بهذا الأثر . |
فالذي يهمنا في هذه القصة، قوله: (فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ قلنسوته لأخذتها). |
ففي ذلك دلالة على أن دار الأرقم بن أبي الأرقم التي كانوا يجلسون على ظهرها، وأمير المؤمنين أبو جعفر يصعد إلى الصفا من تحتها كان موقعها على شفا الطرف الشرقي من الصفا على يمين النازل منه. |
قال الدكتور عويد المطرفي: وموقع هذه الدار معروف قديماً وحديثاً لم يتغير منذ كان، وهو الآن خارج جدر الصفا الشرقي يكون بعض منه في موضع المبنى اللاصق بالمسعى من الشرق مقر إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمكة، وكان يقوم على موقعه قبل التوسعة السعودية للمسعى دار الحديث، ويوم أن كانت داراً للحديث كان بينها وبين طرف الصفا الشرقي أكثر من عشرين متراً . |
وهذا يدل على أن المنازل في تلك الأيام قد تقدمت عليها، وحالت بينها وبين الصفا الذي كانت دار الأرقم على طرفه تماماً مما يدل على أن أصحاب تلك المنازل قد بنوها على موضع السعي من الصفا، فضيقوا عرضه واعتدوا على أرضه دون أن يمنعهم أحد. |
كما أن قاعدة الجبل أعرض طبيعة من قمته، وهي ممتدة في الأرض يميناً ويساراً بقدر يسمح بإضافة التوسعة المقترحة، كما أن جبل الصفا هو منتهى جبل أبي قبيس، وقد تعرض جبل الصفا إلى كثير من التقطيع والتهذيب من الجهة الشرقية لإقامة البيوت والدور، ومن الجهة الغربية بغرض توسعة المسجد، وكان آخر تقطيع في جبل الصفا في أثناء العمارة السعودية، حينما أزيلت الدور والأبنية التي كانت قائمة، وتمت إزالة أجزاء كبيرة من الجبل، وترك بعض الصخور منه داخل مشعر الصفا، كعلامة على موضع المشعر، فأصول الجبل ممتدة من الجهة الشرقية. |
والشيء نفسه بالنسبة لجبل المروة، فالجزء البسيط الموجود من جبل المروة، وضع كعلامة لهذا المشعر، والأصل أن أصول هذا الجبل ممتدة لجبل قيقعان. |
وقد شهد على ذلك شهود كثر في المحكمة أثبتوا أن جبلي الصفا والمروة ممتدان بأكثر من واقعهما الحالي، وأن تهذيبه والقطع منه، بل ونسف أجزاء كبيرة تمت على مراحل كان آخرها التوسعة السعودية. |
وقد قال قطب الدين النهروالي (ت990هـ) في كتابه: (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) أن المسعى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عريضاً، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد، وترك البعض للسعي فيه، ولم ينكر عليه أحد من الأئمة المعاصرين له هذا الفعل. |
كما ذكر عبدالكريم القطبي (ت1014هـ) في كتابه: (إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام) أن المهدي أمر بتوسعة المسجد الحرام فأمر قاضي مكة يومئذ محمد الأوقصي المخزومي، فهدم البيوت والدور الواقعة بين المسعى والمسجد، ومنها دار الأزرقي، وكانت لاصقة بالمسجد الحرام من أعلاه على يمين الداخل من باب بني شيبة، ودخلت أيضاً دار خيرة بنت سباع المخزومية، وكانت شارعة على المسعى يؤمئذ قبل أن يؤخر المسعى، ودخلت أيضاً دار لآل جبير بن مطعم، ودار شيبة بن عثمان، فهدمت جميعها وأدخلت المسجد. وكان بين جدار الكعبة اليماني، وجدار المسجد الحرام الذي يلي الصفا تسعة وأربعون ذراعاً ونصف ذراع، وكان ما وراءه مسيل الوادي، وقد وسع المسجد من جميع جوانبه، وضاق المسجد من الجانب اليماني الذي يلي مسيل الوادي، وكان في محل المسيل الآن يلوث الناس، وكانوا يسلكون من المسجد في بطن الوادي، ثم يسلكون زقاقاً ضيقاً ثم يصعدون إلى الصفا، وكان السعي في موضع المسجد الحرام اليوم عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في بعض المسجد الحرام اليوم، فهدموا أكثر دار محمد بن عباد وجعلوا المسعى والوادي فيها، وكان عرض الوادي من الميل الأخضر الملاصق بالمئذنة التي في الركن الشرقي للمسجد إلى الميل الأخضر الملاصق لرباط العباس، وكان هذا الوادي مستطيلاً إلى أسفل المسجد الآن يجري فيه السيل، ملاصقاً لجدار المسجد إذ ذاك، وهو الآن بطن المسجد من الجانب اليماني . |
والخلاصة: أن جبلي الصفا والمروة ممتدان بأكثر مما هو واقع اليوم، وقد شهدت ذلك بنفسي قبل التوسعة السعودية، كما أسلفت. |
كما أن المبنى الذي أزيل في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله كان لابد من إزالته، وإعادة بنائه بما يتلاءم مع الزيادة العددية الغفيرة من حجاج بيت الله ومعتمريه، حيث إن المبنى السابق كان مصمماً على قدرة تحمل محدودة، لا تتحمل تلك الأعداد، وقد خشي لا قدر الله من تهدمه وحدوث كارثة لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى، فندعو الله لخادم الحرمين الشريفين بالتأييد والتمكين، والصحة والعافية، وأن يجزل له العطاء على ما متعه الله به من بعد نظر، وتفكير دائم في نفع المسلمين. |
وأخيراً نحمد الله ونشكر فضله أن منَّ على هذه البلاد وقيد لها حكومة رشيدة أولت الحرمين الشريفين العناية وتعهدتهما بالرعاية الفائقة، وبذلت كل غالٍ في سبيل تذليل كل الصعاب التي تعترض حجاج بيت الله الحرام وزواره، خاصة وأن الأعداد التي تفد إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة في زيادة مطردة تفوق كل التصورات، فكانت أكبر توسعة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة على مدى التاريخ في العهد السعودي الميمون. |
جزى الله القائمين على هذه البلاد خير الجزاء، وادخر لهم ذلك في موازين أعمالهم يوم الحساب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وبالله التوفيق. |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمدلله رب العالمين. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|