Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/04/2008 G Issue 12977
الاربعاء 03 ربيع الثاني 1429   العدد  12977
عولمة العلم
بروس ألبرتس

إن العلم يشكل مصدراً نفيساً للإرشاد بالنسبة للأفراد والحكومات. ويصدق هذا بشكل خاص لأن العلماء كثيراً ما يكون بوسعهم أن يتكهنوا بالعواقب المستقبلية للتصرفات الحالية.

على سبيل المثال، نحن نعرف أن من يدخن علبتين من التبغ يومياً من المرجح أن يواجه مشكلة خطيرة مع السرطان بعد حوالي أربعين عاماً. ويتوقع العلم أن يستمر الارتفاع في درجات حرارة المناخ وزيادة حجم المحيطات وذوبان كميات هائلة من الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى الحد الذي يؤدي إلى كوارث هائلة، إن لم نعمل على تقييد استهلاك النفط والفحم بشدة في مختلف أنحاء العالم.

هذان مجرد مثالين من آلاف الأمثلة، حيث يكون من الحكمة بالنسبة لصناع القرار أن يأخذوا في الحسبان ما يستطيع العلم أن يتكهن به بشأن المستقبل. إلا أن ما يعرفه العلم كثيراً ما يكون موضع تجاهل حين يتعلق الأمر باتخاذ القرارات الخطيرة.

لا أريد بهذا أن أقول إن العلماء لابد أن يهيمنوا على عملية اتخاذ القرار في الحكومة. إذ إنها مهمة الساسة وليس العلماء أن يحسبوا التكاليف والفوائد النسبية المترتبة على الاختيارات المتاحة أمامهم، ووزن هذه الخيارات على النحو الذي يرونه مناسباً في التوصل إلى النتائج المرجوة. إلا أن العديد من القرارات السياسية سوف تكون سيئة إن لم تعتمد على مدخلات علمية فعّالة.

على سبيل المثال، تخدم حكومة الولايات المتحدة هيئة يطلق عليها هيئة الأكاديميات الوطنية، والتي تقوم على ثلاث منظمات تطوعية تتألف من مجموعة من أبرز العلماء والمهندسين والعاملين في مجال الصحة (الأكاديمية الوطنية للعلوم، والأكاديمية الوطنية للهندسة، ومعهد الطب، على التوالي). وتصدر هذه المنظمة غير الحكومية المستقلة ما يزيد على مائتي تقرير سنوياً، أغلبها للرد على طلبات محددة من جانب حكومة الولايات المتحدة.

تتراوح هذه الطلبات ما بين أسئلة عن المخاطر الصحية المترتبة على الكميات التي يمكن اكتشافها من الزرنيخ في مياه الشرب، إلى أسئلة عن أفضل السبل الواجب اتباعها لدعم الأشكال المختلفة من الأبحاث العلمية. ومن خلال عملية مراجعة بالغة الدقة، تحرص هذه الأكاديميات على أن يكون كل تقرير صادراً عنها مقتصراً على ما يستطيع العلم أن يقوله بشأن الموضوع المحدد اعتماداً على الدليل والمنطق، ودون التفكير مسبقاً في القرارات التي ينبغي على الآخرين اتخاذها.

وعلى هذا فإن التقرير الخاص بمياه الشرب، على سبيل المثال، كان مقتصراً على التكهن باحتمالات الإصابة بسرطان المثانة بين السكان الذين يتعرضون لمستويات تصل إلى خمسة أو عشرة أو عشرين جزءاً في المليار من الزرنيخ في المياه. إلا أن التقرير لم يحاول تعريف الحد الأقصى من تركيزات الزرنيخ الذي ينبغي للحكومة أن تشرعه.

يستطيع أي شخص من 146 دولة أن يطلع على النص الكامل لحوالي ثلاثة آلاف تقرير صادر عن هيئة الأكاديميات بزيارة الموقع الإلكتروني التالي: www.nap.edu. إن المخاطر المترتبة على الزرنيخ لا تتغير في أي مكان من العالم، وهذا يعني أن هذا التقرير الصادر في الولايات المتحدة من الممكن أن يساعد الناس في مختلف أنحاء العالم.

ولكن هناك قضايا مهمة أخرى مرتبطة بالعلم وتتطلب الدراسة من قِبَل منظمات دولية حتى تصبح مقبولة على نطاق واسع. ولتلبية هذه الحاجة تم تأسيس المجلس بين الأكاديمي (IAC) في أمستردام في العام 2000 بواسطة منظمة عالمية للأكاديميات العلمية تسمى الهيئة بين الأكاديمية (IAP). ويتولى إدارة المجلس بين الأكاديمي هيئة تتضمن مجموعة دورية من خمسة عشر من رؤساء الأكاديميات من مختلف أنحاء العالم، ويمثل هؤلاء الرؤساء الدول على نطاق مستويات التنمية الاقتصادية، وتشكل التقارير الصادرة عن هذا المجلس منظوراً دولياً حقيقياً مدعوماً بمجموعة من أفضل العلماء والمهندسين على مستوى العالم.

يقدم المجلس المشورة فيما يتصل بمواضيع مطلوبة من قِبَل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وكلها متاحة على الموقع الإلكتروني التالي: www.interacademycouncil.net. صدر أول تقرير للمجلس تحت عنوان (اختراع مستقبل أفضل: إستراتيجية لبناء القدرات العلمية والتكنولوجية على مستوى العالم). ولقد تحدث هذا التقرير بقدر كبير من الإقناع عن أهمية دعم المؤسسات العلمية والتكنولوجية في كل الدول التي تركز على تسخير المخزون المتزايد من المعارف العلمية والفنية الدولية في تلبية احتياجاتها.

كما قدم التقرير دليلاً إرشادياً تفصيلياً للحكومات والمنظمات الدولية حول كيفية بناء القدرات المؤسسية اللازمة للعلوم والتكنولوجيا في كل من الدول النامية والدول الصناعية. ويقدم آخر تقرير صادر عن المجلس تحت عنوان (إنارة الطريق: نحو مستقبل طاقة مستدام)، أجندة طموحة قائمة على العلم للوفاء بمتطلبات الطاقة على مستوى العالم، وهي المسألة التي تشكل تحدياً هائلاً للعالم أجمع.

تُعَد الهيئة بين الأكاديمية والتي تتألف من مائة أكاديمية علمية، من بين أهم الجهات المتعاملة مع تقارير المجلس بين الأكاديمي. وتتحمل كل من هذه الأكاديميات مسئولية خاصة تتلخص في نشر توصيات هذه التقارير في الدولة التي تنتمي إليها، وهذا من شأنه أن يعزز بصورة واضحة من فعالية هذه الأكاديمية في التأثير على السياسات الوطنية. ويشكل هذا التعاون الوثيق بين الهيئة بين الأكاديمية والمجلس بين الأكاديمي تجربة جديدة على قدر عظيم من الأهمية في تقديم المشورة العلمية الدولية - وهي التجربة التي بدأت للتو في إظهار مدى فعاليتها في نشر فوائد العلم والتكنولوجيا على النحو الذي يحقق المنفعة لكل البشر.

بروس ألبرتس أستاذ الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والرئيس المشارك للمجلس الأكاديمي في أمستردام، ورئيس تحرير مجلة العلم (Science). حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008. - خاص ب(الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد