Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/04/2008 G Issue 12981
الأحد 07 ربيع الثاني 1429   العدد  12981

العرضة السعودية : الرقصة العربية الشعبية «2-2»
البيرق يرمز للأمة ووحدتها وبقاؤه مرفوعا دليل للثبات والقوة

 

صفة العرضة: عندما يتلقّى الناس في الماضي الدعوة للمشاركة في غزوة ينادي منادي الحرب ويمر على المنازل طالباً الخروج إلى مكان التجمع، واليوم عندما يكون هناك احتفال رسمي أو شعبي يبدأ المشاركون في العرضة بالتجمع في مكان الحفل وتقام العرضة، وقد يكون في البلدة فرقة أو أكثر، فتبدأ كل فرقة من مكانها، من الحي الشمالي أو الشرقي أو الجنوبي إلى مقر الحفل، وتلتقي العرضات وتنضم إلى بعضها لتشكل عرضة واحدة، وهم بذلك يشابهون تجمع وحدات الجيش وكتائبه.

وفي حال التجمّع يعيّن شخص لكي يحورب أي ينادي ببدء العرضة، فبذلك يكون أول عنصر في العرضة هو الحوراب.

أولاً: الحوراب أو الحوربة: الحوراب أو الحوربة (أو البيشنة، أو الشوباش) وهو النداء بصوت مرتفع مستحثاً الحضور مخبراً إياهم ببدء العرضة، فيقال: حورب يا فلان، فيرفع المحورب صوته ببيت من الشعر الحربي الحماسي، واضعاً يديه على أذنيه محمولاً على الأعناق حيث يرفعه شبان أقوياء البنية كي يصل مدى صوته الجميع، والحوراب هو نداء للحرب وإعلان ساعة الصفر.

هذا هو الحوراب نداء الحرب وإعلانها، وهو في العرضة امتداد لذلك ونداء لأهل العرضة فعندما يسمعون الحوراب يصيحون مع آخر كلمة للحوراب صباحاً حربياً، ولا يزيد عداد الأبيات التي يقولها على ثلاثة أبيات، وغالباً ما تكون من بيت أو بيتين، ولقد مر الحوراب بمرحلتين: مرحلة ما قبل توحيد الجزيرة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ومرحلة ما بعد التوحيد والاستقرار.

ففي المرحلة الأولى كانت القبيلة وكان التناحر بين القبائل والصراع على أشده، وكانت كل قبيلة أو بلدة تردد الحوراب الذي يفخر بمآثرها ويجعل الحمية في نفوس أفرادها ومن ذلك:

لا شبّت الضِّيان شبّت ضوّنا

يا ضوّنا العليا على الضِّيان

وبعد أن مكّن الله القائد الموحد من لم شتات الجزيرة وتوحيدها والتأليف بين قبائلها وحاضرتها، التف أهل الجزيرة حول قائدهم، ودخلت بذلك العرضة في مرحلة جديدة (وطنية) وتحول بذلك الحوراب إلى المفاخرة بالوطن تحت قيادة الملك عبدالعزيز، ومن ذلك:

يا سيفنا المسلول يابو تركي

يا درعنا الضافي على الأمتان

وبعد ترديد آخر حروف الكلمة من قبل أهل العرضة، وقولهم: (أبشر) أي السمع والطاعة لما ناديت به، ينزل المحورب من على الأعناق، ويبدأ الشاعر بشيل النشيد، وهو إلقاء الشطر الاول من البيت والقصيدة التي سوف يهزج بها في العرضة ويردده أهل الصفوف بالتناوب من غير اهتزاز ودون قرع للطبول أو الدفوف، وبعد ترديده ثلاث مرات أو أربع يلقي الشاعر الشطر الثاني من البيت، وعندها يبدأ قرع الطبول، ويبدأ أصحاب الصفوف بثني الركبتين والتمايل قليلا يمنة ويسرة، وبطريقة خاصة تختلف من عرضة لأخرى، ويبدأ أهل السلاح (المعقودة) بالخروج من الصفوف والتوجه إلى أماكنهم خلف العرضة فرادى متتابعين.

ثانياً: الراية (البيرق): الراية من المعاني التي ترمز للأمة ووحدتها فكل مجتمع يتخذ له راية خاصة يعرف بها بين جميع المجتمعات، وعند الحروب يحمل كل فريق رايته، فما دامت الراية مرفوعة فهذا دليل الثبات والقوة وإن سقطت الراية كان ذلك علامة الهزيمة، ودائماً ما يسعى الخصم إلى كسر راية خصمه حتى يضعف من نفسه، وبالتالي يتم له النصر.

لهذا فإنه يوعز بالراية لأقوى الرجال بنية، وأكثرهم صلابة للحفاظ على الراية مرفوعة خفاقة في حومة الوغي ترفرف معها قلوب الجنود، وكلنا يذكر موقف جعفر ابن أبي طالب في غزوة مؤتة عندما حمل راية المسلمين بيده اليمنى فلما قطعت حملها بيده اليسرى فلما قطعت ضمها إلى صدره، كل ذلك يؤكد أهمية الراية والمحافظة عليها عالية خفاقة بالنصر، ولا تزال الراية عنصراً مهماً في تشكيل الجيش وفي العرضة بالذات، حتى إن ما ينشد في العرضة من أشعار لا يخلو من ذكر الراية (البيرق) والفخر بالتظلل تحت ظلالها، يحملها فوارس كماة، ومن ذلك ما قاله الشاعر فهد بن دحيم:

لي مشينا والبيارق مشنّا

كل جوٍّ مشبعين ذيابه

ثالثاً: أهل الصف: بمجرد سماع الحوراب يبدأ المشاركون في العرضة بالانتظام صفوفاً مشكلين صفين أو دائرة، كل فرد ممسك بيد زميله وكتفه لكتفه من غير اهتزاز سوى ما يعرف بالنز وهو تحريك الجسم يميناً وشمالاً حتى ينسجم الصف في وضع واحد، ويسهل بعدها الاتفاق في الاهتزاز يميناً وشمالاً دون أن يخل أحد بنسق الاهتزاز في الصف، ويظل الوضع بالنز حتى ينزل المحورب ويلقي الشاعر الشطر الأول من البيت، وهنا يردده أصحاب الصف بالتناوب مع الصف الآخر، وبعد أن ينتهي ترداد الشطر الأول يلقى الشطر الثاني ومعه يبدأ قرع الطبول والاهتزاز في الصف يمنة ويسرة، وتختلف طريقة الاهتزاز من منطقة لأخرى ومن بلد لآخر وحسب الإيقاعات المستخدمة في العرضة، ويردد أهل الصف ما يلقيه الشاعر مثنى وثلاث ورباع، ولذا فإنه يعاب على أصحاب الصف التحدث مع بعضهم لأن ذلك يفوّت عليهم سماع الشطر الملقى، مما يخل بنظام الترديد حال عدم السماع، وهنا ينصح من لم يسمع البيت ألا يتخبط في ترداده بأي طريقة، بل يجب عليه الإنصات حتى يتسنى له سماعه وفهمه.

ويتراقص أهل السيوف بالرفع والخفض عند تغيير كل بيت، والمعتاد أنه عندما يأتي بيت فيه فخر ومديح يرفع أصحاب الصف سيوفهم الى أعلى من مستوى الرأس مصحوباً ذلك برفع الصوت إلى أقصى ما يمكن، وهناك حركات يؤديها أهل الصف كوضع السيف على الكتف، وكذلك هز السيف.. ويعتبر أهل الصف عصب العرضة، فبدونهم لا يمكن أن تقوم عرضة، فمن مقومات العرضة وأسسها الصف والترديد، وبدون ذلك لا تسمى عرضة.

ويقدر المشاركون في العرضة بحسب تعداد أهل البلدة قلة وكثرة حيث يشارك أغلب أهل البلدة في العرضة، ويعاب على المتخلف عنها وقلما يوجد شخص لا يجيد العرضة، وقد يكون متوسط أهل الصف قديماً ما بين 40-50 فرداً يزيد ذلك وينقص، أما في وقتنا الحاضر فقد قل عدد المشاركين في العرضة، نظراً لتطور الحياة وانشغال الناس، ووجود نواحٍ ترفيهية أخرى.

رابعاً: المعلِّم : وهو من يقوم بإبلاغ أهل الصف بكل شطر أو بيت، ويتلقى ذلك من الشاعر، ويقوم بدوره بنقله لأهل الصف لكي يرددونه، وقد يكون المعلم شاعراً راوياً للشعر، وقد تضم العرضة أكثر من معلم بحسب حجم العرضة، لضمان إيصال الشعر إلى كل المشاركين.

ويشترط في المعلم أن يكون متذوقاً للشعر حتى لا يخل نقله للبيت بقافيته ووزنه، فلو أنه أخطأ في ذلك لما استقام الترديد على النحو المطلوب وبهذا يختل نظام الترديد.. ومن هنا تكون أهمية المعلم الكفء، ومما يشترط في المعلم أن يكون جهوري الصوت سليم النطق يقول ما يُفهم. ويقوم المعلم بتنظيم حركات أهل الصف إن لاحظ فيها اختلالاً فينبه لذلك.

خامساً: الطبل: الطبل في اللغة هو: (آلة يشد عليها الجلد ونحوه مغطى بالجلد من الجهتين)، والطبول من الأدوات الحربية القديمة المستخدمة في الحروب لإفزاع العدو وإرباكه، وكذلك لإلهاب حماس المقاتلين، ويجري مجرى الأمثال قولهم: (دقت طبول الحرب)، مما يعطي دلالة على العلاقة الوثيقة بين الطبل والحرب.

يقول د. حسن الهويمل في (نشرة التراث): ويستخدم في الإيقاع الطبل وهو من آلات القرع المدوي ذات الوجهين، وكان العرب يستعملونه في حروبهم.. أما الدف فهو مثل الطبل إلا أنه مفتوح من الجهة الأخرى، ويكون استعماله عادة في السامري وفي الأغاني بمصاحبة العود والكمان وسواهما.

إيقاعات العرضة

تختص العرضة بإيقاعاتها المتميزة، وتلك الإيقاعات متعارف عليها وتعتبر واحدة في منطقة الخليج والمملكة، ما عدا ما تمتاز به المنطقة الجنوبية من إيقاعات خاصة، وكذلك إيقاعات التخمير في العرضة السيفية.. وتمتزج إيقاعات طبول التخمير مع طبول الثلثة، ففي التخمير تقرع الطبول قرعتين وتسمى (مثنية) أي قرعتان منتظمتان وبهذا تسمى طبول التخمير، وفي الثلثة تقرع الطبول قرعة واحدة بانتظار تسمى (تفريدة) أي ضربة مفردة، ويسمى إيقاع تلك التفريدة الثلثة، وهو الإيقاع العام وبهذا تمتزج القرعات لتخرج إيقاعاًَ متميزاً للعرضة، ويصحب هذه الإيقاعات أداء حركات متميزة من أصحاب الطبول والدفوف.

وفي المنطقة الوسطى: (يقوم قارعو طبول التثليث بأداء حركات متنافسة منتظمة يرفعون فيها الطبل باليد اليسرى ثم يخفضونها (ينزلونها) إلى أسفل وإلى الأمام مع القفز إلى أعلى قفزتين متتاليتين ثم الجلوس قرفصاء ثم الوقوف مرة أخرى، ويقومون أثناء ذلك بتحريك الجسم في الاتجاهين يساراً ويميناً، مع رفع مشط القدم التي توجد في الاتجاه المضاد وثني الركبتين إلى أسفل قليلا):

نماذج من شعر العرضة:

قال فهد بن دحيم:

جت لابو تركي على ما تمنّى

يوم خلّى السيف يَرِعف ذبابه

شيخنا سيِّر بنا لا توَنا

من سعى بالحرب حِنا ذَهَابه

يا صليب الراس زَبْن المجنَّا

من سلايل وايلٍ يلتجى به

حِنْ هل العوجا نسابق دَخنَّا

فِعْلنا بيّن وكلٍّ درى به

كم صبي طاح يكشي طعنّا

فارق الدنيا وفارق شبابه

لاحتمى البارود منهم ومِنّا

لابتي تاطا الخطر ما تهابه

لي مشينا والبيارق مشنّا

كل جوٍّ مشبعين ذيابه

ننثني لعيون من هو تثنّى

جادلٍ همّه يعلل خضابه

وقال فهد بن دحيم:

نجد شامت لابو تركي واخذها شيخنا

واخمرت عشّاقها عِقب لَطْم خشومها

لي بكت نجد العذية تهل دموعنا

بالهنادي قاصرين شوارب قومها

حِنْ هل العادات ومخضبين سيوفنا

والطيور الحايمة جادعين لحومها

صعبةٍ أفعالنا لي بغاها غيرنا

وكلمة التوحيد حِنّا عمار رسومها

حِنْ هل العوجا نهار الملاقى عيدنا

والجزيرة كلها مدبِّين قُرومَها

لابتي عُوْج المراكيض هذا سوقنا

بيعوا الأرواح في الهوش بأول سومها

مرخصين أرقابنا لي زَهَمنا شيخنا

والقبايل كلها شيخنا قَيْدُومها

في تواريخ العرب راسمين علومنا

وعادة الدنيا تزول وتدوم علومها

وقال عبدالرحمن بن صفيان:

نحمد الله جت على ما تمنى

من ولي العرض جزل الوهايب

خبر اللي طامع في وطنا

دونها نثني إلى جت طلايب

واجد اللي قبلكم قد تمنى

حربنا لي راح عايف وتايب

يا هبيل الراي وين أنت وإنا

تحسب إنّ الحرب نهب القرايب

لي مشى البيرق فزيزومه إنا

حِنْ هل العادات وأهل الحرايب

كان ما نجهل على اللي جهلنا

ما سكنا الدار يوم الجلايب

ديرة الإسلام حامينه إنا

قاصرين دونمها كل شارب

(اليوم عرضة)

ريشة وقلم خالد الفيصل

صوّت يحورب.. قامت تلبي صفوف

طق الطبل.. وانسلّت تغطرف سيوف

اليوم عرضة.. نشوة السيف والخيل

والعز ومضة.. في حياة الرجاجيل

صكّوا على البيرق قروم النشاما

ذبّوا غترهم ما على الهام هاما

كلٍّ تحزّم بالشجاعة حزاما

يا موت وّلْ.. وبيرق العز قاما

اليوم عرضة.. نشوة السيف والخيل

والعز ومضة.. في حياة الرجاجيل

الأرض ثوّر عجها حدر الأقدام

رجلٍ تدوس الذل ورجول قدّام

العجْ وأصوات الرجاجيل وزحام

يا موت ولْ.. وبايع الروح ما سام

اليوم عرضة.. نشوة السيف والخيل

والعز ومضة.. في حياة الرجاجيل

نزّ العرق بجباه حمر النواظر

كلٍّ هتف يا ساعة المجد حاضر

وسيوفهم تمشي كما السيل هادر

يا موت وَلْ.. والطير بالجو كاسر

واليوم عرضة.. رقصة الحرب والموت

وما للرجل رقصة.. سوى رقصة الموت

أهم المصادر والمراجع:

(1) مجلة العرب: س11 ج3 و4، 1396هـ، ص302 - 305 .

(2) ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري.

(3) العرضة رقصة الحرب، سلمان بن سالم الجمل، دار الشبل، وهو أجل ما كتب في موضوع العرضة.

(4) أهازيج الحرب أو شعر العرضة، عبدالله بن محمد بن خميس.

(5) المختار من أشعار العرضة السعودية، مبارك بن سليمان الغوينم.

(6) كتاب شقراء، محمد بن إبراهيم العمار.

للتواصل:

المجمعة: ص.ب 82 - الرمز البريدي: 11952


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد