Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/04/2008 G Issue 12981
الأحد 07 ربيع الثاني 1429   العدد  12981
من أعلام جلاجل..
الشيخ حمد بن عبدالرحمن المزروع (1353-1427هـ)

كان تدوين تراجم الأعلام طريقةَ السلف من العلماء وطلاّب العلم لتعريف الأمّة بعلمائها وأعلامها، ولما في تراجمهم من فائدةٍ ونفع فقد حرصت على كتابة هذه الترجمة عن شيخ وأستاذ عرفته ابتداء من تتلمذي عليه في متوسطة حي السويدي في الرياض واستمرَّت صلتي به إلى وفاته (رحمه الله تعالى)، وكان في تدريسه قدوة صالحة في أخلاقه وسمته فلم نسمع منه كلمة نابية قط، ولم يكن فظا غليظا، بل كان بشوشا لينا رفيقا متواضعا مهيبا، لذا رأيت من حقه علي أن أكتب ترجمة تبين فضله ومكانته كما لا يفوتني أن أشكر كل من أفادني وأمدني بمعلومات عن شيخنا حمد المزروع - يرحمه الله- وأخص بالذكر ابنه الشيخ عبدالله، والشيخ حمد الريس - يحفظهما الله-، والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

هو الشيخ الزاهد أبو عبدالله حمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عثمان المزروع، ووالدته هي سارة بنت عمر بن عبد الله الشويعر - رحمها الله.

ولد في عام 1353هـ، في بلدة جلاجل (1) في إقليم سدير، وعاش في كنف أبويه والتحق صغيراً بالكتّاب ( 2 )، وحفظ القرآن الكريم قبل بلوغ العاشرة من عمره، وتلقّى علومه الأولية في بلده على الشيخ فوزان القديري، والشيخ محمد بن عبد الرحمن بن حمّاد بن ربيعة، والشيخ منصور بن عمران -رحمهم الله- جميعا، حيث قرأ واستظهر عليهم القرآن الكريم ومبادئ العلم الشرعي والحساب، ثم ارتحل إلى مدينة الرياض في عام 1373 هـ، لطلب العلم فدرَس في المعهد العلمي ثم في كلية الشريعة، وتخرّج فيها في عام 1382-1383 هـ، ثم واصل دراسته العالية فحصل على درجة الماجستير في المعهد العالي للدعوة الإسلامية، في عام 1401-1402هـ

كان متوسط الطول مربوعا ذا لحية كثة حنطي اللون، وكان عابداً زاهدا ذا أخلاق فاضلة بشوشا لين الجانب، إذا رأيته يذكرك سمته بسمت السلف الصالح الذين نقرأ في تراجمهم وسيرهم، كما كان جوادا كريما، وكنتُ إذا اجتمعت به في مجلس أو في مسجد يدعوني لزيارته ويصرُّ على ذلك.

شيوخه

تلقّى -رحمه الله- العلم على علماء أفاضل أجلاء ازدهت بهم الدنيا وكانوا أقماراً في سمائها منهم: - مفتي البلاد السعودية الأسبق سماحة الشيخ الإمام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ وأخيه فضيلة الشيخ الفرضي (3 ) عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، وكان محبِّا للمترجَم له وأهدى له كتاب ( العذب الفائض) (4) خصَّه به من بين طلابه (5)، وسماحة الشيخ العلامة الأصولي محمد الأمين الشنقيطي، وسماحة الشيخ العلامة عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق، وسماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وسماحة الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي - رحمهم الله جميعا وغفر لهم- وسماحة شيخنا العلامة د . عبد الله بن عبد الرحمن ابن جبرين -حفظه الله- وقد لازمه أكثر من غيره، وسماحة الشيخ العلامة الأصولي عبد الله بن عبد الرحمن بن غديّان التميمي -حفظه الله-، كما كان - يرحمه الله- يحضُر الندوات التي تقام في الجامع الكبير بالرياض لما كان منزله قريبا منه .

طلبه العلم

كان كثير القراءة لكتب السنة، ويستظهر الكثير من الأحاديث النبوية في الصحيحين وغيرهما، وحفظ عددا من الكتب والمتون العلمية، يدل على ذلك استحضاره لكلام العلماء وأقوالهم في بعض المسائل، ومما يدل على نبوغه مبكرا وسعة أفقه واطلاعه وتميزه أنه كان يؤم المصلين في مسجد (حويطة المزاريع ) (6) في جلاجل وعمره آنذاك ثلاثة عشر عاما، والمسجد وقتها يمتلئ بالمصلين.

من زملائه

الشيخ العلامة عبد الرحمن الدوسري والشيخ عبد الله بن جارالله ال جارالله والشيخ عبد العزيز المحمد السلمان والشيخ حمد بن ريس الريس والشيخ عبد الله بن سليمان المشعلي والشيخ إبراهيم بن علي بن داوود والشيخ محمد بن حسن الدريعي رحم الله الأموات وحفظ الأحياء ونفع بعلمهم جميعا.

كما ذكر لي الشيخ عبدالله ابن المترجَم له، أن أباه كانت له مدارسات مع جمع من أهل العلم، وذلك بتوجيه من سماحة الشيخ العلامة الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله-، منهم سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية - حفظه الله- والشيخ محمد بن سليمان الأمير عضو مجلس القضاء الأعلى والشيخ ابن زاحم، والشيخ محمد السبيعي والشيخ أحمد الأحيدب - رحمه الله- وغيرهم، وكان يتولّى القراءة عليهم في كتب العلم لأنه مبصر.

مشاركاته الدعوية

ومن ذلك مشاركته في كثير من البرامج الرسمية للدعوة والإرشاد في مدينتي الرياض ومكة المكرمة، كما كان له درس دائم بعد صلاة العصر وآخر قبل صلاة العشاء في مسجد الحي الذي يسكن فيه، وكان حريصا على إقامة حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد التي سكن بجوارها، وذلك قبل أن تقام الحلقات الرسمية وكان يلزم أولاده بالحضور والحفظ وأحيانا يشارك بالتدريس فيها وكان يرحب بمن يأتيه ليحفظ القرآن عليه في أي وقت، وحفظ كثير من طلبة العلم كتاب الله على يده.

أبرز تلاميذه

ذكر لي ابنه عبدالله ثلاثة من تلاميذ والده - رحمه الله- وهم : الشيخ د. سعد بن عبدالله الحميّد -حفظه الله-، والشيخ د. عبد السلام بن برجس ال عبد الكريم - رحمه الله- والشيخ خالد بن محمد الشريمي -حفظه الله-، وأما تلاميذه في المدارس النظامية فهم كثيرون.

المدارس النظامية التي

تولى التدريس فيها

بعد تخرجه في كلية الشريعة عام 1382 هـ، عيّن معلِّما في عام 1383 هـ، في معهد بلاد بني ضبيان بمنطقة الباحة ثم انتقل إلى معهد المعلمين في سكاكا بمنطقة الجوف في عام 1383- 1384 هـ، ثم عاد إلى الرياض في عام 1385 هـ، معلِّما في المتوسطة الثالثة، ثم تنقَّل بعدها إلى عدد من المدارس منها، مدرسة تحفيظ القرآن المتوسطة، مدرسة المتوكل المتوسطة، مدرسة المسعودي المتوسطة، وأخيرا استقر في متوسطة حي السويدي إلى أن أحيل إلى التقاعد في عام 1413 هـ بعد خدمة امتدَّت ثلاثينَ عاما.

مما قيل فيه

قال عنه الشيخ عبد الله بن جارالله ال جارالله رحمهما الله : (الشيخ حمد عابد أعجزنا اللحاق به ) انتهى، وقال عنه الشيخ د . عبد الله المطلق حفظه الله (الشيخ حمد من خيرة من عرفت وهو من أفضل من رأيت خلقا والتزاما ودينا ) انتهى، وذكر لي صاحبه الشيخ حمد بن ريس الريس حفظه الله (أن الشيخ حمد بن عبد الرحمن المزروع - رحمه الله- يخفي كثيراً من أعماله الصالحة والتعبدية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولعله يدخل ضمن من وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم- تقي، نقي، خفي، وكان قليل الكلام كثير الذكر والاستغفار ومطالعة الكتب العلمية الشرعية، بعيدا عن القيل والقال، ولا يطيل الجلوس مع من زاره خشية الانشغال عن ذكر الله تعالى، وقد حججنا نحن وإياه مرارا فكان يشغل وقته بإنكار المنكر مهما كان حجمه، وكان يذهب يوم عرفة إلى الأماكن التي لا يجزئ الوقوف بها ينبه الناس بعدم إجزاء الوقوف فيها كبطن عرنة، جلّ وقته وهو كذلك لا يمل ولا يكل، كما أنه كان يتولى الفتيا معنا في الحج هو والشيخ عبدالله بن جار الله ال جارالله رحمهما الله ) انتهى، وذكر لي تلميذه الشيخ خالد بن محمد الشريمي وفقه الله (أن الشيخ حمد المزروع -رحمه الله- كان حريصا على نفع الناس عندما كنا نسكن في حي البطيحاء بالرياض، وذلك بتعليمنا ونحن صغار على حفظ القرآن الكريم وقراءته وقراءة بعض الكتب عليه مثل كتاب ( التبيان في آداب حملة القرآن ) (7) مع كثرة توجيهه ووعظه وكان - رحمه الله - يحضر مجالس العلماء والمؤكد الذي سمعناه كثيرا أنه كان كثير المجالسة للشيخ عبداللطيف بن إبراهيم رحمهما الله، وكذلك فقد كان بعيدا عن مجالس الغيبة والنميمة ولا يرضى أن يذكر أحد في مجلسه بسوء ويلاحظ في وجهه التمعر مع إنكاره على المغتاب، وأما عن عبادته -رحمه الله- فكان يطيل قنوته وابتهاله إلى الله مع كثرة الأذكار وتلاوة القرآن والاستغفار، والذي يظهر أن هذا الشيء تربى عليه من صغره، كما يلاحظ من صفحة سيرته الجد في حياته العلمية حتى كأنك ترى أحد السلف الصالح الذين يذكرون في القرون المتقدمة ) انتهى، وقال عنه رفيق صباه وقريبه رجل الأعمال الأستاذ : عبدالعزيز بن علي الشويعر - حفظه الله- ( كان -رحمه الله- يأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان ينهانا عن الكلام فيما لا يفيد وينكر علينا أن نتحدث فيما لا ينبغي ).

إرث الشيخ العلمي

أكثر ما أبقى - يرحمه الله - تلاميذٌ بررة وأبناء صالحون، نحسبهم والله حسيبهم، كما أبقى بعض الكتابات المتناثرة والتي لم تجمع بعد، وعددا من الأشرطة التي سجلت بصوته - يرحمه الله- وذكر لي ابنه الشيخ عبدالله عن مكتبة والدهم أنهم أهدوها إلى جهة خيرية.

أبناؤه

الشيخ عبدالله، متخرج في كلية أصول الدين، ويعمل أمينا عاما لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بوزارة الشؤون الإسلامية في الرياض، والشيخ أحمد، ويعمل رئيسا للمحكمة الجزئية بمكة المكرمة، بدرجة قاضي تمييز، والشيخ إبراهيم، متخرج في كلية الشريعة، ويعمل معلِّما في المرحلة المتوسطة في الرياض، والشيخ د .عبدالواحد، ويعمل وكيلا لكلية المعلمين للشؤون التعليمية في الدمام، وحاصل على درجة الدكتوراه في المعهد العالي للقضاء، والأستاذ عبدالرحمن، متخرج في كلية العلوم الطبية التطبيقية، ويعمل في مجمع الرياض الطبي.

مرضه وحاله أثناء المرض:

قدم -رحمه الله- من مكة المكرمة في الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني من عام سبع وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة، بعد إقامته فيها مدة شهرين، وقد أصيب بعدم رغبة في الطعام لازمه ذلك حوالي أربعين يوما، حتى ضعفت حاله، ثم أدخل المستشفى مرتين، وزادت عليه الآلام، ومع شدة مرضه وما يعانيه إلا أنه يتفقد الصغير والكبير وأهل بيته ولا يكف عن السؤال عنهم والدعاء لهم وتحميل من عنده السلام عليهم، وكان يُكثر ذكر الله تعالى في جميع أحواله، ويسأل الله تعالى فرجا قريبا ويقول: ( اللهم اكتب لي فرجا قريبا.. اللهم اكتب لي إحدى الحسنيين العافية أو الجنة) وبقي في فراش مرضه ما يقارب الشهر وظهرت لأبنائه علامات تدل على حسن خاتمته.

وفاته

توفّاه الله يوم الأربعاء، الخامس والعشرين من شهر جمادى الأول من العام سبع وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة، وصلي عليه في جامع الراجحي يوم الخميس بعد صلاة العصر، وأمَّ المصلين عليه سماحة شيخنا العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - حفظه الله- ، وحضر الصلاة والدفن جمع غفير من الناس، ودفن بمقبرة النسيم بمدينة الرياض - رحمه الله رحمة واسعة وعفا الله عنا وعنه وأسكنه الفردوس الأعلى وجمعنا به في الجنة آمين يا رب العالمين، وختاما أوجه شكري لمن زودني بمعلومات عن شيخنا حمد المزروع خاصة الذين ذكرتهم في هذه الترجمة، فجزاهم الله خيرا، واللهَ أسأل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وكان فراغي من تحرير هذه الترجمة في 25-12-1427هـ، وهي مختصرة من ترجمة مطوّلة كتبتُها، وهي متداولة بين بعض الباحثين.

( 1 ) جلاجل من البلدان المعروفة في سدير، تبعد عن مدينة الرياض ( 170 ) كم شمالا.

( 2 ) الكتّاب : جمعها كتاتيب وهي المدارس التي كان يتلقى فيها الطلاب قديما مبادئ العلوم الشرعية والعربية والحساب مع التركيز على تعليم القرآن الكريم وحفظه .

( 3 ) الفرضي : كلمة تطلق على العالم المشهور بعلم الفرائض .

( 4 ) (العذب الفائض شرح عمدة الفارض) لإمام الفرضيين الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم ابن سيف، المعروف بالفرضي، وهذا الكتاب شرح لمنظومة عمدة كل فارض في علم الوصايا والفرائض المعروفة بألفية الفرائض للشيخ صالح بن حسن الأزهري من علماء القرن الثاني عشر الهجري رحمهما الله تعالى.

( 5) ذكر لي ذلك تلميذه الشيخ خالد بن محمد الشريمي وفقه الله.

(6) حويطة المزاريع : تصغير حوطة وهي الأرض المحاطة بسور والمزاريع نسبة إلى فخذ المزاريع من بني عمرو بن تميم، وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من بلدة جلاجل في سدير الواقع شمال مدينة الرياض.

(7) التبيان في آداب حملة القرآن.. للحافظ الفقيه النووي - يرحمه الله تعالى-, وهو كتاب قيّم نافع، جزى الله مؤلفه خير الجزاء وغفر الله لنا وله آمين.

كتب هذه الترجمة.. تلميذه
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري
المشرف على الفترة المسائية بمكتبة الرياض السعودية- ص.ب (380488) الرياض (11345 )



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد