Al Jazirah NewsPaper Monday  14/04/2008 G Issue 12982
الأثنين 08 ربيع الثاني 1429   العدد  12982

في رحاب المغرب الجميلة (1)
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

حينما كنت صبياً كان الاسم المتداول للمغرب هو مراكش. ومراكش - في الحقيقة - مدينة من مدن المملكة المغربية الكبرى. وهي مدينة جميلة جداً فريدة في اللون الذي كوِّنت به كثير من أبنيتها. وربما كان لشيوع ذلك الاسم صلة بالتسمية الغربية التي يطلقها المتحدِّثون

باللغتين الفرنسية والإنجليزية. على أنّ ذلك الاسم المتداول حلَّ محلَّه اسم المغرب الأقصى؛ وهو الاسم الذي روعي فيه - كما يتضح الموقع الجغرافي، ثم أصبح اسم المغرب الاسم المستعمل؛ وإن كان الاسم الرسمي لتلك البلاد الآن هو المملكة المغربية. وحينما كنت صبياً كان الشعور السائد لدى من يدرِّسون الصبيان في المدارس هو الشعور المؤمل في وحدة الأمة العربية. لذلك كان من بين الأناشيد المفضَّلة لدى المعلمين والتلاميذ أنشودة:

بلاد العُرْب أوطاني

من الشام لبغدان

ومن نجدٍ إلى يمن

إلى مصر فتطوان

وتطوان بلدة جميلة هي الأخرى تتنافس جمالاً مع بلدة طنجة. لكن هل في بلدان المغرب كلها - وأكثرها محافظة على تراثها المعماري الأصيل - إلاّ ما هو جميل؟

وما كان التقدُّم في مسيرتي الدراسية إلاّ ليفتح أمامي باب المعرفة بتاريخ المغرب على مصراعيه؛ ابتدءً بسيرة المجاهدين القائدين موسى بن نصير وطارق بن زياد، اللذين جمعهما نبل الهدف العقدي، ومروراً بمحطات ذات أمجاد سامية بينها ثورة الريف ضد المستعمر بقيادة المجاهد العظيم عبد الكريم الخطابي. وما كان دخولي من ذلك الباب الواسع إلاّ ليزيد شعوري بالانتماء إلى الأمة الواحدة رسوخاً وثباتاً. وكان من محاولاتي التعبير عن ذلك الشعور بيتان من قصيدة بغير اللغة الفصحى؛ وذلك في حفلة من حفلات كلية الآداب بجامعة الملك سعود قبل خمسة وأربعين عاماً؛ وهما:

الثا ثبت حب العرب في فوادي

أهل المدن واهل القرى والبوادي

وما بين طنجة والمنامه بلادي

أبيع عمري ساعة الهول دونه

ومرَّت الأيام لأجد نفسي واقفاً في احتفال من احتفالات مهرجان الجنادرية مشيداً، في قصيدة عنوانها (تراثية)، بفتوحات قادة أُمتنا من الصحابة، رضي الله عنهم، بقولي:

وهبَّت جيوش الفتح تنشر رحمة

وترهب باستبسالها من يحاربُ

ثم مشيداً بفتوحات من تبعوا خطى أولئك الصحابة من قادة الأمة الذين وصلت فتوحاتهم العظيمة إلى الصين شرقاً وبلاد الغال - جنوبي غرب فرنسا - غرباً قائلاً:

وما فترت للمؤمنين عزائم

ولا وقفت للفاتحين مواكب

تخطَّت حدود الصين منهم طلائع

وفي جنبات الغال جالت كتائب

وأصبحت أنَّى سرت شرقاً ومغرباً

تراءت لعيني إخوة وأقارب

ففي الهند أتباع لديني وملَّتي

وفي المغرب الأقصى لقلبي حبائب

وما دام الشيء بالشيء يُذكر - والإشارة إلى المغرب في بعض ما سبق أن قلته قد أوردت - فلعلَّ من غير الخارج عن السياق إيراد أبيات من قصيدة قدَّمت بها - سعيداً - الأمير خالد الفيصل عندما ألقى أمسية شعرية في الرباط - عام 1999م -، ومستهلها:

أملي في الحضور أن يعذروني

إن أتى قاصراً أداء لحوني

رهبة الموقف الجليل أضاعت

ما تبقَّى من عزمي المظنون

الأساطين من ذوي النقد حولي

والمواضي من أعين الغيد دوني

وبعد أن تحدَّثت عن شعر الأمير الذي أبدعَتْه ريشته

فأتى وحي ومضة من شعور

وطني وروعة من شجون

بين طيَّاته تباريح ليلى

تتجلَّى ولوعة المجنون

عبَّرت عن مشاعر القادم إلى بلاد المغرب الجميلة قائلاً:

قد أتى يحمل الوداد صفاء

من رحابٍ بين الصفا والحجون

وثرى طيبة التي مجتلاها

فيض سعد وقرَّة للعيون

وأتى حاملاً أصالة نجد

موطن الشعر من تليد القرون

ملء أردانه شميم عرار

وصبا مرَّ فوق روض الحزون

جادها أمس غدوة ورواحاً

صيِّب الغيث من سحاب هتون

قد أتى يا رباط .. هل أنت إلا

ما اقتضت رغبة العلا أن تكوني؟

تتملَّين طنجة وهي تهدي

قُبلة الودِّ فوق خدِّ العيون

ومناراً يشع نور عياضٍ

قِبلة العلم والتراث المصون

وربوعاً بهيجة أثملتها

نكهة البرتقال والليمون

وتواسين من يقول معيداً

أملي في الحضور أن يعذروني

أما الحديث عن أول زيارة سعدت بالقيام بها إلى المغرب، وما تلاها من زيارات، فسيبدأ - إن شاء الله - في الحلقة القادمة.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد