Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/04/2008 G Issue 12984
الاربعاء 10 ربيع الثاني 1429   العدد  12984
نهارات أخرى
قيم المجتمع في مواجهة صراعات الإيدلوجيا!
فاطمة العتيبي

(م - ع) موظفة هادئة، دمثة، ارتبطت مع الجميع بعلاقة جيدة، ثم كونت جماعة داخل العمل لها سمات خاصة فاجأت الجميع بأفكارها.. إنها تتحدث مع زميلاتها عن أنها تركت منزلها الزوجي وأخذت أطفالها وطلبت الطلاق من زوجها.. ما السبب يا ترى؟!!

- هل أحست بالاستقلال المادي فاستغنت عنه؟

- هل كانت غير راضية عن حياتها وأخيراً قررت الانفصال؟

- هل زوجها غير سوي دينياً وسلوكياً؟

** الحقيقة أن هذه الأسباب كلها لم تكن الدافع وراء ترك (م-ع) لبيتها وطلبها الطلاق..

لقد كان السبب هو عدم استجابة زوجها لإلحاحها عليه بأن يخرج إلى الجهاد في العراق؟! (م-ع) تلقت تعليمها في مدارس البنات وعمرها الآن ثمانية وعشرون سنة تقريباً.. أي أنها تلقت مفاهيمها وقيمها في الخمسة عشر سنة الماضية.

ودرست (م-ع) في كليات البنات وانخرطت في العمل التطوعي في أحد المراكز النسائية..

** تجاهر (م-ع) بفكرها الجهادي ولا ترى بأساً في مخالفة العلماء الذين لم يروا بخروج الشباب إلى الجهاد في أفغانستان أو العراق..

وفي المقابل هي تحمل كل الشحناء والغضب الذي يصل إلى عدم إلقاء التحية على زميلاتها اللاتي يرتدين (عباءة) كتف وهي ترى أن ذلك خروجاً عن رأي الجماعة!

** (م-ع) لا شك لها إيدلوجيا خاصة وهي ناتج قيم ومفاهيم تشددية، مورست عليها ووضعت تحت تأثيرها لسنوات طويلة عبر تطبيقات متنوعة، وبرامج مدروسة، نُفذت خلال سنوات طويلة لتنتج في النهاية امرأة مثل (م-ع)!!

** الإيدلوجي موجود، إنه ملازم لحياة الناس منه البدهي ومنه الفلسفي والديني.. فالقيم والمفاهيم موجودة، لكن إعادة إنتاج الممارسات الإيدلوجية ودعمها لتسير وفق اتجاه معين هو ما تقوم به مؤسسات المجتمع والتي تختلف عن المؤسسات التي تمثل قوى فرضية مثل الشرطة والمحاكم وغيرها..

الأدلجة يعاد إنتاجها في المؤسسات التي ينخرط الناس فيها وتحددها الدولة عبر سياسات عامة يعمل عليها المخططون ليصلوا في النهاية إلى صياغة ذوات منفردة يتكون منها المجتمع وفق قيم معينة متفق بشكل جماعي على صحتها.

** (ينخرط الأطفال في المدارس وينتظمون في تلقي قيم ومفاهيم المجتمع الذي يعيشون فيه إلى جانب تلقيهم علوم التاريخ والمجتمع وبالتأكيد الأدب.. وإلى جانب النظام التعليمي هناك الأسرة والقانون ووسائل الإعلام والفنون، كل ذلك يساعد على عرض وإعادة إنتاج المفاهيم والمعتقدات الضرورية التي تمكن الناس من العمل داخل الإطار الاجتماعي الموجود) (دي سوسير).

** الناس في مجتمع ما بالتأكيد ليسوا مستنسخين لكنهم تلقوا بوضعهم ذواتاً منفردة أدلجة واحدة وبالتالي تكونت ثقافتهم في منتجها النهائي لتشكل منظومة قيم المجتمع الواحد.

** كلنا إذن مؤدلجون وسائر المجتمعات الإنسانية مؤدلجة، والأدلجة هي مجموع القيم والمفاهيم التي تلقاها مجتمع ما عبر خطط وبرامج مدروسة، المجتمع الياباني مختلف عن المجتمع الأمريكي، وسلبية الأدلجة وإيجابياتها تنشأ وفق نوعية النظم والقيم والمفاهيم وما تم إعادة إنتاجه عبر المؤسسات التي ينخرط الأفراد فيها!

** لا بد لأي مجتمع يحرص على بلوغه الناتج الذي خطط له عبر سياساته العامة أن يعيد تقييم الإيدلوجيات المبثوثة عبر مؤسساته التعليمية والإعلامية والخيرية والدعوية والثقافية ويطمئن إلى أن هذه المؤسسات لا تمارس إعادة إنتاج إيدلوجيا متناقضة مع الإيدلوجيا العامة التي يُراد للمجتمع أن ينخرط فيها.. حتى لا نفاجأ بعد سنوات بأن كل نسائنا هن (م-ع)!!



Fatemh2007@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5105 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد