Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/04/2008 G Issue 12985
الخميس 11 ربيع الثاني 1429   العدد  12985
شيء من
سنغافورا وبنو يعرب!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

نالت سنغافورا استقلالها عام 1965م كانت هذه الدولة عبارة عن دولة مكونة من مدينة واحدة يقطنها مليوني نسمة. وكانت كل الاحتمالات عند الاستقلال، ولأسباب موضوعية وطبيعية أهمها زيادة عدد السكان مقارنة بالرقعة الجغرافية المحدودة التي يعيشون فيها، توحي بأن بقاء هذه الدولة قائمة، فضلاً عن ازدهارها، مطلب من الصعوبة بمكان تحقيقه.

ورغم كل هذه التحديات هاهي سنغافورا، ونحن في بدايات القرن الواحد العشرين، واحدة من أنجح الدول تقدماً ومدنية وقوة اقتصادية عملاقة، رغم شح الموارد الطبيعية.

أهمية نجاح التجربة السنغافورية بالنسبة للعالم ككل، إنها تجربة مثالية في كيفية الاستفادة من (الازدحام) السكاني، وتحويله إلى عامل تقدم لا عامل تخلف، في عالم تقول كل مؤشراته إن التحدي العالمي القادم سيكون الازدحام السكاني. فهذه الدولة - كما تقول الأرقام - أكثر الدول في العالم ازدحاماً بالسكان على الإطلاق (15.000 نسمة لكل ميل مربع)، ومع ذلك فإن متوسط دخل الفرد فيها أكثر من 30 ألف دولار سنوياً، وتحتل المرتبة التاسعة من حيث ارتفاع دخل مواطنيها والمقيمين فيها. كما أن لديها أكثر المؤسسات كفاءة في الموانئ والمطارات والخطوط الجوية في العالم وتمتلك هذه الدولة الصغيرة ثالث أكبر قدرة لتكرير النفط في العالم، إضافة إلى أنها واحدة من أكبر المراكز المالية.

والسؤال: كيف وصلت سنغافورا إلى هذه النتائج المذهلة خلال مدة تقارب الأربعين سنة فقط، الأمر الذي جعلها - كما يقولون - (الدولة المعجزة)، التي لم تتغلب على ظروفها الصعبة فحسب، بل حولت هذه الظروف إلى عامل ثراء وقوة ومكانة وتحضر؟

السبب - بمنتهى البساطة - أنها انطلقت من الاقتصاد، واعتبرته (شرعية) بقائها. لم يبحث السنغافوريون عن إيديولوجيا، ولم يدخلوا في تكتلات سياسية أو قومية، بل اعتبروا أن (الاقتصاد الحر)، وآلية السوق، والارتقاء بقيم العمل، والترحيب بالاستثمار الأجنبي، هو الطريق إلى البقاء والتحضر ولتصبح هذه الدولة الصغيرة في النتيجة محط أنظار العالم وإعجابه، بل وتجربة تطمح إلى أن تحتذيها كل دول العالم الثالث التي قتلتها التجارب الفاشلة، ولعبت فيها الإيديولوجيات. فشلت التجارب العروبوية، وعلى رأسها تجربة عبدالناصر، وكذلك البعث، وغيرها من تجارب بني يعرب، لأنها ببساطة همشت الاقتصاد، وراحت تبحث عن الحلول في الإيديولوجيا، فانغمست في الفشل، وكبّلَ الفساد المالي والإداري والسياسي قدرتها على النهوض، فأصبح وضعها يراوح بين (مكانك تحمد) تارة وبين (القهقرى) تارة أخرى. ثم رفع المؤدلجون المتأسلمون شعار (الإسلام هو الحل) بذرائعية لا تخفى على الحصيف فانتقلوا من إيديولوجية سياسية إلى إيديولوجية سياسية أخرى، أما النتائج فلم تتغير، سقط عبدالناصر العروبويين وحل محله (سيد قطب) الصحويين، فتنافس هؤلاء وهؤلاء على من يكون (شهاب الدين)!

تجربة سنغافورا يجب أن تدرس لكل الناطقين بالعربية في رأي لتخليصهم من أوحال الإيديولوجيات. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد