Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/04/2008 G Issue 12985
الخميس 11 ربيع الثاني 1429   العدد  12985

رحمك الله يا أمي
جواهر عبدالله حمد الحقيل

 

إن من أصعب المواقف التي قد تمر بالإنسان فراق من يحب، ليس من السهل أن نفارق شخصاً عزيزاً علينا، فكيف إذا كنت يا أمي هي من ودعنا!

لم أعرف معنى الفراق الحقيقي إلا بعد رحيلك، وعزاؤنا الوحيد قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، مع إيماننا الجازم الذي لاريب فيه أن الموت حق إلا أنه ما أقسى لحظات الفراق وأمرها ولقد قيل:

نهيل عليه الترب حتى كأنه

عدو وفي الأحشاء نار تلهب

فلو كان يفدى بالنفوس وما غلا

لطبنا نفوساً بالذي كان يطلب

عندما فأجئنا خبر رحيلك بدأت استعرض شريط الذكريات وأجمل الليالي التي قضيناها بقربك، عشرون سنة مضت وأنا في كل يوم أتعلم منك ومن والدي حفظه الله دروساً وتجارب لم أكن لأتعلمها لولا الله ثم وجودكما معي.

علمتيني يا أمي كيف يكون الصبر، رغم كل مرض أصابك كنت أراك الصابرة المحتسبة، لم أرك تتذمرين أو تشتكين مما أصابك، حتى وأنتِ تتألمين كنتِ دائماً تحاولين أن تخفين عنا تلك الآلام حتى لا تشعرينا بالقلق عليكِ حتى أطباؤكِ وممرضاتكِ والذين عاشروك شهدوا لك بذلك.

رغم كل شيء كنتِ قوية الإرادة والعزيمة حتى في أصعب الأوقات كانت لك صفات كريمة وأخلاق فاضلة وعبادة وطاعة وصلة للرحم وعطف على الفقراء والمساكين وحب للخير في أوجه البر والإحسان.

لقد كنت محبوبة من الجميع أبناؤك وبناتك وأحفادك وأقاربك وجيرانك وخير دليل على ذلك هذه الجموع الحاشدة التي جاءت لتصلي عليكِ من رجال ونساء في جامع الملك خالد.. كنتِ يا أمي كالكتاب كل يوم أقرأ صفحة جديدة منه وأخرج منها بفوائد أكثر من عدد سطور تلك الصفحة، لو رحت أسرد ما كنت عليه لامتلأت الصفحات والكلمات لم تنتهي بعد، ومن هنا فإن حياتكِ ستظل ممتدة بقدر امتداد أخلاقك وأعمالك الخيرية وسيظل اسمكِ وذكركِ باقياً في نفوسنا جميعاً.

أمي: إن كنت فارقتينا بجسدك فروحك مازالت باقية بيننا وسيظل حبك ينبض في قلوبنا وتأكدي بأن دعواتنا لك بإذن الله لن تنقطع ودروسك التي تعلمناها على يدكِ ستظل نهجاً نسير على خطاه مادمنا على قيد الحياة.

نسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنكِ فسيح جناته ويجعل قبركِ روضة من رياض الجنة ويجزيكِ جزاء الصابرين ويثيبكِ عما قدمتي لنا خير الجزاء ويجبر كسر قلوبنا على فراقكِ، وأن يحفظ لنا والدي الحبيب وجدي ويطيل في أعمارهما ويلبسهما لباس الصحة والعافية ويجعلهما قرة عين لنا ويلهمني وكافة أخواتي وإخواني الصبر والسلوان..

ولقد قيل:

يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي

إلا الأسى في حنايا القلب يستعر


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد