Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/04/2008 G Issue 12985
الخميس 11 ربيع الثاني 1429   العدد  12985
هل للغة علاقة بالتقدم والتخلف؟
زكريا العباد - الدمام

نجد في سياق التفكير في إجابة هذا السؤال مثال العرب قبل الإسلام حيث كان تطوّرهم في صناعة الكلام نظماً وخطباً من الإبداع بحيث لا يمكن إنكاره ونجد إلى جانب ذلك التخلف في الفكر والحضارة وأسلوب العيش ما يوحي بعدم التلازم بين المسارات اللغوية والحضارية والفكرية.

غير أن هناك من يربط بين تطوّر (نطق) الإنسان (ومنطقه) وعملياته الفكرية التي تعتبر أساساً وأرضية لتطوّره الفكري والحضاري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تعتبر اللغة مجرد وسيلة جامدة لإيصال الأفكار بل هي حاضن للثقافة والحضارة.

إلا أنه يمكن، ولو نظرياً على الأقل، تصوّر تطوّر لغوي بعيد عن التطوّر الحضاري، ويمكنني تفسير ذلك بأن للإنسان طاقات وملكات وقيم وأن التطوّر الحضاري يعبّر عن تطوّر هذه الملكات والقيم بأكملها إلاّ أن بالإمكان أن يوجّه الإنسان طاقاته باتجاه معين فينمي ملكة واحدة على حساب أخرى أو قيمة على حساب قيم أخرى. وعلى ضوء هذا يمكن أن لا تكون اللغة ارتكازاً في حضارة معينة تعلي من شأن الحكمة والعمل (الصناعة) لكنها تعلي في الوقت ذاته من قيمة (الصمت) أو (التأمّل الصامت) بينما يستبعد ذلك من شعب وحضارة تعلي من شأن وقيمة (القول) إذ يُتصوّر في هذه الأمة أن توجّه طاقاتها في التنمية (اللغوية) على حساب الجوانب التنموية الأخرى.

وبالعودة إلى مثال الحضارة التي تعلي من شأن الحكمة الصامتة والعمل، يمكن أن يطرح السؤال التالي: ما إثر تطوّر الحكمة والعمل على اللغة في هذه الحضارة؟ ألا ينبغي أن ينعكس إثر هذا التطور على اللغة بشكل مباشر ما يؤدي إلى القول بتلازم المسارات اللغوية والفكرية والعملية؟ إنه سؤال وجيه، ولا سيّما إذا فكّرنا في أن الحفاظ على المنجز في الجانب الفكري والعملي هو بحاجة إلى حاضنة لغوية ما يؤدي بالضرورة إلى تغيّر لازم في اللغة وتلازم المسارات.

وهذا مقبول إلى حدّ كبير، إلا أن من الواجب الالتفات إلى أن اللغة لا تقتصر على الجانب المنطوق منها، فهناك لغة (سلوكية) ولغة (جسدية) يمكن لهما أن يساهما في احتضان المنجزات إلى جانب اللغة (المنطوقة).

بل إن اللغة المنطوقة لا تشكل سوى الجزء الأقل أهمية في الحفاظ على المنجزات إذ أن السلوك واللغات الغير مكتوبة هي معبّر مباشر عن ترسّخ القيم الحضارية في الإنسان أما اللغة المنطوقة فكثيراً ما تكذب، أو كثيراً ما تحمل طبقات كاذبة وطلاءات ومكاييج تخفي تحتها الحقيقة وكثيراً ما يحتاج الوصول إلى الحقيقة في (بطنها) إلى عمليات حفر مضنية بينما تتبدى اللغات غير المكتوبة ولا المنطوقة بعفوية تامة معبّرة عن لا وعي الإنسان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد