Al Jazirah NewsPaper Friday  18/04/2008 G Issue 12986
الجمعة 12 ربيع الثاني 1429   العدد  12986
الوعي المروري 1-2
د. محمد بن سعد الشويعر

تخرج الإحصائيات من الجهات المعنية بالأمن والسلامة كل عام بأرقام مخيفة، بين وفيات أو إعاقة أو شلل أو غيرها، حسب كل حالة، كلها بأسباب التهور وعدم التقيد بالإرشادات والتوجيهات التي هي من أسباب السلامة. ونحن أمة مسلمة، ما ترك ديننا ما فيه ضرر على الإنسان في نفسه أو ماله، أو وطنه أو ولده، ومع مجتمعه، إلا وقد سدّ المنافذ المؤدية إلى ذلك الضرر، ولذلك تجب مراعاة حالة الجو: مطر ورياح، وبرودة وحرارة، فلا تسيطر على حالة السائق، إذ علاوة على ما يحدثه التهور في القيادة، من أضرار بشرية.

فإن هناك أضراراً نفسية، وإهدارات مالية، ومصائب تدخل كل بيت، أكثر من أضرار الحروب، والضحايا أبلغ من آثار الأمراض التي خفّت مع التطور الصحي، أو المعارك الحربية، التي يتوقى الناس أضرارها بالاحتراس والمضادات المختلفة، والأدوية المناسبة.

ولا نلوم بعض الدول، عندما تضرب بيد من حديد في مخالفة من لا يحترم الأنظمة، لأن الوقاية أهم من العلاج، وعثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: يزع الله بالسلطان، مالا يزع بالقرآن.. فالطريق ليس ملكا لشخص يعبث فيه متهورا كيفما شاء، بل إن ديننا الحنيف، وجهنا إلى أداء حقه، واحترام هذا الحق، بما جعل الله من حقوق وواجبات، يقول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الطريق حقها، قالوا: يا رسول الله وما حق الطريق؟) رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري.

وللطريق حقوق كثيرة، أولها رد السلام، وعدم مضايقة الناس، وبالنسبة للمرور وأصحاب السيارات، فإن من الحقوق التي تكفل بإذن الله عدم الحوادث، أو الإضرار بالآخرين في أنفسهم وممتلكاتهم، القيادة برفق، ومراعاة شعور الآخرين من حيث:

1- عدم الانشغال أو التفكير، بغير الطريق لا بجوال أو محادثة أو التفات، حتى يضمن سلامة نفسه، ومن معه وسلامة الآخرين، لأن السلامة هي المطلب دائما، وقبل كل شيء، فالسيارة آلة، كيفما سيرتها سارت، وليس لها عقل تفكر به، بل عقلها لقائدها.

2- التقيد بالإشارات المرورية، واحترام وظيفتها، حيث جعلت لمصلحة الجميع: فلا تتجاوز الإشارة، ولا تأخذ يمينا أو شمالا والطريق ليس لك، لأن هذه الإشارات المرورية، إنما جعلت لمصلحة السائق أو المواطن، وأي تجاوز عما عنته هذه الإشارات يورث ضرراً بالغاً لك أيها السائق ولمن معك وللمشاة حسب أعمالهم وأوضاعهم وللآخرين عموماً، فقد يحصل حادث مؤلم ووفيات أو مصائب لا تحمد عقباها فتندم ولات ساعة مندم، ولا يدرك هذه الأضرار إلا من يزور المستشفيات والمحاكم.

3- يقال في المثل: في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة، فلا تعمل أموراً يعتبرها بعض الشباب حرافة ومهارة في القيادة، من حيث الإسراع والتجاوز، يساراً ويميناً مع زيادة في السرعة المحددة، على جنبات الطريق، وهذا فيه خطر محقق، وإن سلم مرّة فلن يسلم الثانية، والعاقل من اتعظ بغيره، وكل ذلك مخالفة صريحة لأنظمة المرور، ولا عقاب مع مثل هؤلاء -الذين ضررهم يتعدى إلى غيرهم- إلا بالعقاب العاجل، وقد كانت بعض الدول العربية وغير العربية، تشدد وتستعمل: إيقاف من خالف أنظمة المرور، وجلده في قارعة الطريق، مع أخذ الجزاء المالي، زيادة عن العقوبة البدنية وفضحه على قارعة الطريق أمام السالكين له.

وأذكر عندما كنت أدرس في الخارج، أن أحد المدرسين، دخل علينا الفصل، وهو مكتئب جداً، فلما سئل عن السبب؟ قال: في طريقي للعمل هذا اليوم، حيث أسير ملتزماً أنظمة المرور واحترم المشاة وأصحاب العربات، إذا بشاب يأتي مسرعا ويصطدم بسيارتي، وأعدم لي مقدمتها، مع ما أصاب سيارته من أضرار، ولما سألته: مالك يا بني؟ وانظر نتائج سرعتك؟.

قال: الأمر بسيط: بابا يشتغل في إحدى الدول، ودخله جيد، اتصل به ويرسل لي سيارة جديدة غير هذه.. فقال له هذا الأستاذ: المشكلة أنني لا بابا لي يرسل لي سيارة بدل هذه، وهذه السيارة هي حصيلة عمري حيث اشتغلت في مجاهل إفريقيا، وتحملت أوضاعا صعبة وشاقة، لأرتاح في بلدي بقية عمري، ونكّد عليّ هذا الحادث، وحديث الغلام ما ترون؟.

4- وفي مثل هذا الموقف: فإن شرع الله يحرّم دماء المسلمين وأموالهم، فمن يتعاطى أدوية أو غيرها، مما ينوّم أو يغيّب الشعور، يجب ألا يسوق ويزاحم الناس، حيث تخشى عليه من دلالة هذه الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ(92) سورة النساء إلى قوله سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) سورة النساء.

ويرى بعض العلماء، أن من استهان بالحرمات: طُرُقاً أو بشراً، فيخشى عليه من هذا العقاب، ومن استهان بالناس ودمائهم بأعماله وتلاعبه بالأنظمة التي سنها ولي الأمر، فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، وعرّضها إلى العقاب العاجل: النفس بالنفس.. والجروح قصاص.

5- ولذا يجب على قائدي السيارات: أن يخضعوا لأمور منها امتحان في القيادة، ويجب التقيد بعد الامتحان على أنواع الاصطلاحات التي تعتبر رموزاً دولية، وماذا تعنيه: سرعة وتهدئة، ووقوفاً وتجاوزاً، ونوعية للطريق وماذا يجب أن يحتاط فيه، انحناء أو انعطافاً أو إضاءة في الليلة، وهي كثيرة جدا، أظن أن نسبة عالية ممن يقودون السيارات، لا يعرفون ماذا تعنيه، ولا يتقيدون بها، ولا ينظرون إلى السرعة المحددة على قارعة الطريق.. ولا السرعة المحددة لكل مسار في الطرقات السريعة مما يجب معه امتحانهم في هذه الأشياء مع الكشف الطبي، ووضع تعليمات خاصة مع عوامل الجو: مطرا ورياحاً، برودة وحرارة.

6- كما أن من آداب القيادة مراعاة أمور منها:

أ- عدم استعمال المنبّه: في الأماكن الممنوع فيها: مثل المستشفيات والمدارس، وفي الأحياء السكنية بطلب أن يفتح له الباب أو لأي سبب، بل هذا الذي يعمل ذلك، ينزعج من جاره لو عمله، لينكد عليه نومته، رغم أن الآخرين لديهم أطفال، وعندهم مرضى وغير ذلك، فيجب على صاحب السيارة أن يعامل الناس، بما يجب أن يعاملوا به، ولديهم إحساس كما لديه إحساس.

ب- عدم السرعة في شوارع الأحياء السكنية، لئلا يضر بالساكنين، ويهلك أطفالهم بالدعس، ويقلق راحتهم، وهذا من حق الطريق الذي يريده لنفسه، فيجب أن يحترمه للآخرين، وهذا أيضا من حق الجار على جاره ليدفع الضرر عنه بأي أسلوب يراه، نافعاً لجاره، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الصحابة ما زال يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيوّرثه.

ج- عدم السير باتجاه مخالف، في الطرقات التي لا يسمح فيها باتجاه معاكس، ومع ذلك يوجد بعض الناس يتعمد المخالفة حتى يختصر الطريق رغم ما فيه من مخالفة وضرر، وربّ عجلة تهب ريثاً.. على نفسه وعلى غيره، ثم إن عمله هذا قد يجرئ الآخرين.

7- يجب أن يدرك كل سائق: أن من يخالف الأنظمة، ويضر بالناس، ويحتقرهم ولا يرى لهم قيمة عنده. فإنه بذلك يعتبر قليل الأدب، ولا يؤدي للآخرين حقوقهم، الواجبة عليه، والتي حث عليها الإسلام، من حق المسلم على أخيه المسلم، وبين ذلك الرسول بأحاديث كثيرة، وهي أمور تدعو للاحترام، وشيوع المحبة والأخوة: (فالمسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه)، ومقتضى الأخوة في الإسلام، أن يكون كل واحد مراعياً لمشاعر الآخر وحريصا على إدخال السرور عليه، وعدم إيذائه، مهما صغر الأمر.. والآباء عليهم مسؤولية في غرس الفضائل في أبنائهم منذ الصغر.

8- ومن ينقُضُ عُرى هذه الأخوة، ويضرّ بإخوانه، ويؤذيهم بقيادته لسيارته: في الطرقات العامة وفي داخل المدن، ليحدث الأضرار المادية والمعنوية، فإنما هو عضو فاسد في المجتمع، يجب إما معالجته ليصلح، أو اجتثاثه حتى لا يفسد غيره، وحتى لا يستشري شرّه بالتقليد والمحاكاة.

(للحديث صلة)

موسى وبنو إسرائيل:

جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله: أن عبدالله بن عباس قال: لما جاء موسى بني إسرائيل بالألواح، فيها التوراة أمرهم بقبولها، والأخذ بما فيها بقوة وعزم، فقالوا: أنشرها علينا، فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة، قبلناها، فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم، حتى صار كأنه ظلّة، أي غمامة على رؤوسهم، وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها، وإلا سقط الجبل هذا عليكم، فقبلوها ثم أُمِرُوا بالسُّجود فسجدوا.

فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت سنة لليهود إلى اليوم، يقولون: لا سجدة أعظم في سجدة رفعت عنّا العذاب. وروي عن أبي بكر بن عبدالله، قال: فلما نشروها، لم يبق على وجه الأرض، جبل ولا شجر إلا اهتز من خشية الله، فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تُقرأ عليه التوارة إلا اهتز ونفض لها رأسه.. قال تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} (64) سورة البقرة، أي بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم، والأمر الجسيم، نكثتم عهودكم ومواثيقكم: {فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} (64) سورة البقرة، بأن تدارككم بالإرسال إليكم، وإنزال الكتب عليكم {لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}.

وجاء عنده في تفسير آية الكرسي، قال ابن أبي حاتم، بسنده إلى ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى: هل ينام ربك؟. قال: اتقوا الله!. فناداه ربه عز وجل: يا موسى سألوك هل ينام ربك؟ فخذ زجاجتين في يديك فقم بالليل ففعل موسى، فلما ذهب من الليل ثلثه، نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل، نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك، قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.

وفي رواية أبي هريرة قال: سمعت رسول الله، يحكي عن موسى على المنبر قال: (وقع في نفس موسى، هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمر أن يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام فاصطفقت يداه، فانكسرت القارورتان، قال: فضرب الله له مثلاً، أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض. (البداية والنهاية 1: 428-429).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد