Al Jazirah NewsPaper Friday  18/04/2008 G Issue 12986
الجمعة 12 ربيع الثاني 1429   العدد  12986
القرآن الكريم وأثره في تحقيق الأمن
م. عبد العزيز بن عبد الله حنفي *

الحمد لله الذي أطعمنا من جوع وآمنا من خوف والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين القائل (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وبعد..

الأمن هاجس البشرية منذ القدم وبتحقيقه يصبح الإنسان آمناً على نفسه وماله وعرضه، وأحد الركائز الأساسية الثلاث التي تتحقق بها الحياة الكريمة القوت والصحة والأمن لهذا جمعها الرسول صلى الله عليه وسلم موضحاً عظم نعمة الأمن على الإنسان ليعيش مطمئناً في الدنيا، مما يدل على أهمية الأمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)، لذلك امتن الله عز وجل على أهل مكة المكرمة بنعمة الأمن فقال سبحانه: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (4) سورة قريش.

وتنعم بلادنا المباركة بحمد الله تعالى بنعمة الأمن والإيمان من خلال تطبيق القرآن الكريم دستوراً ومنهجاً فالقرآن الكريم مصدر الأمن بجميع أشكاله فيه الأمن الروحي الذي هو أساس الاستقرار النفسي {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }(28) سورة الرعد والأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن الاجتماعي، إن القرآن الكريم يمثل منهجاً لتحقيق السعادة الحقيقية فهو يحرم التعدي والظلم والعدوان {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } (190) سورة البقرة.

ويأمر بالعدل والإحسان ويحرم البغي والمنكر وهتك الأعراض {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل، ويحل البيع ويحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ }(188) سورة البقرة.

وما من مجتمع ترك العمل بكتاب الله وأعرض عن سننه وأحكامه إلا وأصيب بانعدام الأمن في الجانب الذي تركوه من القرآن الكريم فتجد المجتمعات الغربية متقدمة في العلوم والتكنولوجيا ولكنها منهارة في الجانب الأخلاقي والروحي والاجتماعي {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (124) سورة طه.

لا حياة هانئة بدون الرجوع إلى التوجيهات الربانية التي ذكرها الله في كتابه الكريم وأمر الناس جميعاً بالإيمان والعمل بها {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } (55) سورة النور، كما قال سبحانه وتعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ } (46) سورة الحجر، وجمع بين الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام.

وقد امتن الله وإذا الإيمان ضاع فلا أمان وهذا ما نشاهده في التفكك الأسري الغربي وانحلال الأخلاق والقيم لدرجة بات معها الشذوذ أمراً مستساغاً لا يمكن محاربته فلجأت الكنيسة والقوى والأحزاب السياسية إلى الاعتراف به ومباركته حتى لا تواجه تيار الفحش الجارف الذي أغرق المجتمعات الغربية وحتى غير الغربية من المجتمعات الآسيوية واللاتينية والإفريقية التي ارتضت الحضارة الغربية منهجاً لها بحلوها ومرها وخيرها وشرها وارتفعت معدلات حالات الانتحار بشكل كبير على الرغم من رغد العيش وارتفاع الأجور والمميزات والحوافز وتوفر جميع الخدمات الصحية والتجارية والترفيهية والرياضية وذلك دليل واضح على عقوبة الإعراض عن الجانب الأمني الذي يحققه الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر وأن الفراغ الروحي لا تملؤه مباهج الحياة وصخبها بل يملؤه القرآن الكريم بأحكامه وتوجيهاته والرضى به حكماً ودستوراً وقائداً، وقد أخبر الله عز وجل عن مآل المؤمنين في الآخرة وحال أهل الجنة وامتنانه عليهم بنعمة الأمن فقال سبحانه: {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (37) سورة سبأ، وبالله التوفيق.

*رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد