Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/04/2008 G Issue 12987
السبت 13 ربيع الثاني 1429   العدد  12987
هل الغاية تبرر الوسيلة عند الغرب؟
عبدالرحمن بن سعود الهواوي

إن ما نشاهده ونراه ونسمعه هذه الأيام من كره بعض دول الغرب وشعوبه للعرب والمسلمين له جذوره التاريخية الطويلة، وما نسمعه من كيل الشتائم والرسوم الكاركتيرية الموجهة ضد رسولنا الكريم محمد بن عبدالله- صلى الله عليه وسلم-لأنه هو السبب الأول لهذا الكره، فالعرب ومعهم إسلامهم...

الذي أتى به نبيهم بأمر ربه هم الأمة الوحيدة الأولى التي تصارعت وتداخلت مع الشعوب الأوروبية منذ القرن السابع الميلادي، وبعد أن أقام العرب دولتهم العربية الإسلامية في الأندلس - جنوب القارة الأوروبية- التي استمرت لعدة قرون، وكان للعرب المسلمين في الأندلس الباع الطويل في تطور الشعوب والأمم الأوروبية، سواء من الناحية المدنية -التمدن- أو الثقافية- فكرية وفلسفية- أو النواحي العلمية.. ومع هذا كان ولا يزال بعض مفكري الغرب وسياسيوه يظهرون الكره والحقد والنظرة الدونية للعرب والمسلمين، وهذا يمكن ملاحظته في وسائل إعلامهم، وفي صحفهم ومؤلفاتهم الثقافية سواء القديمة منها أو الحديثة، ونحن نحاول هنا أن نغوص في أفكار وأطروحات بعض مفكري وفلاسفة الغرب القديمة التي ربما اتخذت معيارا لأفعالهم الحديثة.

فهذا على سبيل المثال الفيلسوف والمفكر السياسي الإيطالي مكيافيلي المولود في سنة 1469م والمتوفى في سنة 1527م له مبدأ أو أطروحة تقول: الغاية تبرر الوسيلة، أما الفيلسوف الآخر الذي سنتكلم عنه هنا بنوع من التفصيل فهو الفيلسوف والسياسي الإنجليزي فرانسيس بيكون المولود في سنة 1561م، والمتوفى في سنة 1626م، وهذا الرجل غريب الأطوار في حياته فهو من ناحية فكرية -فلسفية- فله أطروحات قيمة، فقد عمل بالفلسفة وتقدم العلوم ووضع المناهج العلمية المؤدية إلى تحقيق مارآه من ضرورة تقدم المعرفة الإنسانية، وكان يؤمن بضرورة قيام العلم على أساس التجربة والملاحظة، ويرى أن ذلك هو الذي يؤدي إلى ما أسماه (الإصلاح العظيم). أما من الناحية الأخلاقية والسلوكية فهو إنسان آخر، فهو قد درس القانون وحصل على إجازة فيه، على أساس أن مهنة المحاماة كانت - في عصره- من المهن المدرة للربح الوفير.. وفي سن الثالثة والعشرين أصبح عضواً في مجلس العموم البريطاني.. وحالما أوشك أن يصير مدعياً عاماً عرف أنه هاجم سياسة الضرائب التي تفرضها الملكة.. فعدلت الملكة عما انتوته من تعيينه مدعياً عاماً، فأثرت هذه الحادثة في نفسه، وهو الطموح إلى أعلى المناصب، وجعلته يدرك أن الإخلاص في الحق والنزاهة في التعبير لا يروجان عند أصحاب السلطة، وأدرك أن المجد في الدنيا لا ينال إلا بالنفاق والخداع والغدر والخيانة!. ولما كان الطموح إلى المجد أقوى الدوافع لديه فقد اتخذ هذا المسلك الخسيس لتحقيق أطماعه. وحاول صديق له Earl of Essex إيرل اسكس مقرب من الملكة أن يحصل له على منصب رفيع، منصب المدعي العام، لكن الملكة رفضت (يبدو أن هذه الملكة كانت أكثر فطنة ومعرفة بالأشخاص من غيرها). وعوضه صديقه بأن منحه إحدى ضياعه، لكن حدث بعد ذلك بسنوات قليلة أن فقد صديقه حظوته لدى الملكة، واتهم اسكس بالخيانة.. واستعانت الملكة ببيكون لتبرير اتهام اسكس، وهو ولي نعمته وصديقه الحميم... وأطاع بيكون الملكة فيما أمرته به، بل اجتهد في تلمس الحجج وكيل الاتهامات لصديقه وولي نعمته، ولما قدم اسكس للمحاكمة تولى بيكون نفسه مهمة المدعي العام، وكان أعرف الناس بخبايا صديقه فحكم على ايرل اسكس بالإعدام ونفذ الحكم، وقد دافع بيكون عن مسلكه الشائن هذا.. بقوله: إنه جعل واجبه فوق عاطفته نحو صديقه، وأن مسلكه هذا تبرره الأخلاق!. ورغم ذلك لم تكافئه الملكة بما كان يصبو إليه.. فلما ماتت الملكة، وتلاها على العرش جيمس الأول تقرب إلى بيكون ونال حظوة كبيرة لديه، فعينه أولاً محامياً عاماً، ثم مدعياً عاماً، ثم لورد حاملاً للختم الكبير -وزير عدل-. وحدث أثناء توليه هذا المنصب أن طلب الملك تعذيب أحد المسجونين لحمله على الاعتراف بأنه مذنب، فوافق بيكون على ذلك بينما رفض المدعي العام الآخر، فكافأه الملك على هذا العمل الشائن بأن عينه في أرفع منصب وهو لورد الخزانة ومنحه لقب بارون، فصار من النبلاء وهو في السابعة والخمسين من عمره؟... ومع هذا فقد اتهم، وهو في سن الستين بأنه تلقى رشوة من أحد المتخاصمين في إحدى القضايا، فحوكم ووجد مذنباً، فحكم عليه بالتجريد من جميع المناصب التي يشغلها، ولم ينكر بيكون التهم الموجهة إليه، لكنه اعتبر طرده من الوظائف محنة أصابته لا عقاباً له، وأقر بأنه (ضعيف الإرادة) في مقاومة الشر والفساد، وأنه شارك في مفاسد أهل العصر، وكان الحكم على بيكون هو بغرامة كبيرة، والسجن، والتجريد من الحقوق المدنية، لكن الملك أصدر قراراً بالعفو عنه مكتفياً بعزله من كل مناصبه.

الرياض 11642. ص.ب: 87416
المراجع: د. عبدالرحمن بدوي: موسوعة الفلسفة


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5834 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد