Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/04/2008 G Issue 12987
السبت 13 ربيع الثاني 1429   العدد  12987
دفق قلم
الناموس
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

قال لي: كلما سمعت قصة نزول الوحي على نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، توقفت عند كلمة الناموس التي وردت على لسان ورقة بن نوفل حينما أخبرته خديجة - رضي الله عنها - بما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء، فقال لها: لئن كان ما تقولين حقاً، إنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى عليه السلام، وسبب توقُّفي أنني، منذ أن وعيت، أعرف أن الناموس هو البعوض الذي طالما عانينا وما زلنا نعاني من لسعاته أحياناً، فهل لديك ما توضِّح لي به معنى هذه الكلمة؟

قلت له: الذي أعرف أن كلمة الناموس تعني البعوض، الحشرة التي يعرفها الناس بلسعها المؤذي، ولكنَّ هذا المعنى ليس المعنى الوحيد لهذه الكلمة، فلها معنى آخر هو الذي قصده ورقة بن نوفل في الحديث المشهور، فناموس الرجل في اللغة هو: صاحب سرِّه الذي يُطْلِعُه على خاصَّته وبواطن أموره، ويخصُّه من أسراره بما يستره عن غيره، وقد ذكر علماء اللغة أن كلمة (ناموس) مشتقة من النَّمس وهو: الإخفاء، فيقال: نَمَس فلان بكلامه أي: أخفاه، ونَمَس الصائد عن الصيد إذا اختفى عنه في مكان الاختباء المسمى ب(الدَّريئة) والنَّمس والنَّمْصُ الإخفاء والإزالة، وأهل الكتاب يسمُّون جبريل عليه السلام (الناموس الأكبر) لأنه يخفي الكلام حين يلقيه إلى الرُّسل والأنبياء فلا يسمعه أحد من الحاضرين معهم، ولهذا قال ورقة بن نوفل ما قال حينما سمع حديث الوحي وقصته من خديجة رضي الله عنها، ونحن نعلم أن ورقة كان قد اعتنق النصرانية متنزهاً عن عبادة الأصنام في الجاهلية.

ومن لطائف هذا الباب ما ذكره ابن الأعرابي من أنَّه لم يأت في كلام العرب ما كان على وزن فاعول مما آخره سين إلا في عدد محدود من الكلمات المعروفة وهي: الفاعوس، وهو الحبة والوَعْل، والبابوس، وهو الصبي الرضيع، والراموس، وهو القبر، والقاموس، وهو وسط البحر والقابوس، وهو الجميل الوجه، ولهذا سمَّت العرب به أبناءها، والعاطوس، وهو دابة كانوا يتشاءمون بها، والفانوس، وهو النمَّام، ولهذا سُمي نوع من القناديل (فوانيس) لأن شعلتها تنمُّ عن المكان، والجاموس، وهو ضرب من البقر، والجاروس، وهو الكثير الأكل، من باب جَرَسَ بمعنى هَرسَ، والكابوس، وهو ما يقع على الإنسان في نومه، كما أشار إلى ذلك ابن دريد في كتاب (الاشتقاق)، والفاطوس وهو سمكة كبيرة يقولون: إنها تتصدَّى للسفن فتكسرها، والجاسوس، ومعناها معروف.

وهنالك معانٍ أخرى لكلمة (نَمَس) تبتعد عن هذا المعنى الذي تدلُّ عليه كلمة الناموس الأكبر، ولعلَّ معنى الإسرار والإخفاء هو أبرزها، وأكثرها استخداماً، يقال: نامستُه، أي ساررته، وما أشوقني إلى منامستك، ومناسمتك، أي: مناجاتك.

قال لي: يا له من عالم ماتع جميل، عالم هذه اللغة الغنيَّة التي تتسع لكل شيء.

إشارة:

الناموس: صاحب سرِّ الخير، الجاسوس: صاحب سرِّ الشرِّ

www.awfaz.com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد