Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/04/2008 G Issue 12987
السبت 13 ربيع الثاني 1429   العدد  12987
العقل الصريح إلى جانب النقل الصحيح

قرأت الكلمة المعنونة ب(تفكير التكفير وتكفير التفكير) للكاتب حماد بن حامد السالمي في عدد الجزيرة رقم 12974 الصادر يوم الأحد 29-3-1429ه حول التكفير وحرية التفكير، ودعوته إلى استعمال العقل بحرية والحث على النظر والملاحظة والبحث. وهذا مبدأ ثقافي وحضاري. والعقل له مكانة كبيرة في الإسلام فهو مناط التكليف وعليه يكون العقاب والثواب فإذا سقط العقل سقط التكليف وتلاشت الأهلية والاعتبار، وقد تعددت الآيات القرآنية في الحث على التعقل والتدبر والتفكر، وكلها من أعمال العقل، فالتفكير عملية نفسية ذاتية انبثاقها من العقل للوصول إلى نتيجة ما، أو حل مشكلة ما، أو الوصول إلى الأفضل، في إدراك الحقائق الموضوعية أو المعلومات الذهنية.

والأساس الأول في نظرية المعرفة (ابستمولوجيا) في الفكر الإسلامي هو أن المعرفة الصحيحة هي ما كان وفق الواقع والحقيقة، بمعنى أن الصورة الذهنية (الداخل) مطابقة للصورة الموضوعية (الخارج). وإذا كانت غير مطابقة مائة بالمائة فهي المعرفة الناقصة. وحيث إن العقل لا يستطيع أن يسير وحدة فلا بد له من نقل صحيح صريح يقيل عثرته، ويصلح اعوجاجه. فإذا أجمع العقل الصريح والنقل الصحيح الصريح أصابا الحقيقة ووصلا إلى تفكير سديد ونظرة إلى الأشياء والقضايا نظرة متوازنة صحيحة.

ونتج عنهما مجتمع راقٍ آمن من إنحرافات الفكر والتفكير المفضي إلى التكفير والتفجير. فأحادية التفكير وحده دون مظلة شرعية يفقده توازنه النقل دون عقل صريح يجعله في متناول أهل الأهواء يؤولونه حسب ما يريدون وقد استشهد الكاتب بأحاديث عدة عن العقل وفضله على أنها نبوية، ولكنها أحاديث غير صحيحة ولا يجوز روايتها على أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أن الكاتب استشهد بمقولة ديكارت الفلسفية (أنا أفكر إذن أنا موجود) المعروفة بالكوجيتو (التفكير أو الذات المفكرة). إلا أن الاستشهاد بها في أن التفكير الحر يعطي حق الوجود في هذا الكون الفسيح يحتاج إلى نظر، فالتفكير الحر في تنظيراته وتصوراته لا بد وأن يتعثر إذا لم يكن هناك سند من نقل صحيح وصريح. أو موافقة للواقع والحقيقة. ثم إن مقولة ديكارت إذا أردنا أن نعرفها جيداً - التي يتداولها كثيرون مجردة، دون وعي لمعناها وأسبابها ومدى انطباقها على الواقع- فلا بد من إيرادها في سياقها التاريخي ومناسبتها والمنطلقات الفكرية لقائلها حتى يتضح المقصود منها فهذه المقولة تتحدث عن آراء فلسفية وعن رؤية فيلسوف ينقصها كثير من التوفيق.

هذا هو ملخص هذه المقولة وآيات وجود الله سبحانه وتعالى مبثوثة في الكون وفي أنفسنا وفيما حولنا وفي كل شيء كما قال ابن المعتز (وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد) ويكفي ويغني عن ذلك كله قوله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (190- 191) سورة آل عمران. بهذا التفكير والاستدلال النقلي والعقلي يكون لوجودنا قيمة وليس ب(أنا أفكر إذن أنا موجود) فالفكر ليس شرطاً لوجود الموجودات.

سليمان بن صالح الدخيل الله - بريدة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد