Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
أما بعد
منظومة المعرفة في المقررات الدراسية
د. عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

تتشابه بدرجة كبيرة جداً - المدارس في الوطن العربي في نظرتها للمقررات الدراسية باعتبارها (المنهج الدراسي)، وهي بهذه النظرة القاصرة تحجم مفهوم المنهج وتقزمه، وبالتالي تتغافل بل تنسى وتهمل عناصر ذات قيمة عالية في إثراء المواقف التعليمية وتنويعها، ولا يخفى أن لهذه النظرة المشوهة للمنهج انعكاساتها السلبية على نواتج التعليم وكفاءته.

ومما يعد في حكم المتواتر أن منظومة المحتوى المعرفي الذي (تحشى) به المقررات الدراسية خلال مراحل التعليم العام هوالمحتوى نفسه، يتكرر من صف لآخر، ومن مرحلة لأخرى، والفرق بين الحالتين يتمثل في كم الحشو المعرفي، أما المفاهيم والمضامين فهي واحدة متواترة، ويكمن الاختلاف بين صف دراسي وآخر، وبين مرحلة دراسية وأخرى في كمية المادة المعرفية التي يتم تدريسها، بحيث تتوافق مع القدرة العقلية على نسخ المعرفة وتخزينها، وفق خصائص النمو (العمر الزمني) للطلاب.

ووفق هذا المنظور يتم التركيز في عمليات التدريس على اجترار المعرفة في حدودها الدنيا، وليس على إنتاج معارف أخرى جديدة، تعتمد على توظيف عمليات التفكير ومهاراته، وإعمالها في تنمية المعرفة وإثرائها.

إن البناء البيولوجي الذي يتكون منه العقل العربي يماثل البناء الذي تتكون منه عقول البشرية عامة في الأمم الأخرى كافة، والفرق بين العقلين يكمن في القدرة على توفير البيئة المحفزة القادرة على الإبداع وتنمية مهارات التفكير، واستثمارها في تنمية المعرفة وتنويعها.

ولكي يتحقق تكوين عقول مفكرة متجددة تستوعب المعرفة وتنتجها باقتدار وكفاءة عالية لابد من رؤية جديدة للبناء المعرفي في المقررات الدراسية تتجاوز التعامل الجامد static، إلى التعامل الحيوي dynamic الذي يقوم على إدراك الترابط بين المفاهيم المعرفية، للمثير أوالموقف، واكتشاف معان ورؤى جديدة تعتمد على توظيف مهارات التفكير في عمليات التحليل والتركيب والتفسير والاستقصاء والاستنتاج، وهذا ما تفتقر إليه المقررات الدراسية في بنيتها الحالية، والسبب في ذلك يرجع إلى أمرين رئيسين، أولهما: أن المحتوى المعرفي صيغ في ظل قصور في منظومة الأهداف التربوية التي تساعد المتعلم على التمكن من تحصيل المعرفة بصور متنوعة، أهداف ترتبط بمعايير ذات مستويات متعددة متقدمة في مجالات التفكير ومهاراته، ولتجاوز هذا الإشكال يجب أن يعاد بناء عناصر المنهج، ومفردات المقررات الدراسية في ضوء سلسلة من أهداف محددة واضحة متنوعة، تصاغ بصورة تنتج معرفة يمكن قياس درجة التمكن منها واستيعابها بأدوات موضوعية دقيقة مبنية على جملة من المعايير الطموحة.

والسبب الثاني: يكمن في طبيعة الخبرة التي يتملكها الطالب من دراسة المقررات الدراسية، فمن المعلوم أن جل الخبرات المضمنة في الكتب الدراسية تدور حول نواتج معرفية سطحية، لا تلامس حاجات الطالب، ولا تهيؤه للتفاعل معها، وتوظيفها في المواقف الحياتية المختلفة، أي أن هذه الخبرات مجرد حدث عارض مؤقت، سرعان ما يتسرب من الذاكرة بعد انتهاء الغرض منه، وهوأداء الاختبار من أجل النجاح، إنها خبرات تعتمد على معلومات يتم تحصيلها بالحفظ، وفي أحسن الأحوال الفهم المؤقت الذي ينتهي دوره وأثره بالاستجابة لسلطة الاختبارات. إن تحسين مخرجات التعليم، ورفع درجة كفاءتها تتطلب مراجعة جادة، وعملا مؤسسيا لا تحرفه عوارض التغييرات الإدارية، يسار فيه إلى وضع خطة زمنية محددة لإنجاز الرؤى التطويرية للمناهج التي يجب أن تتم في أسرع وقت ممكن في ضوء أهداف تصاغ بصورة يمكن قياسها بأدوات موضوعية، ومعايير طموحة، ومحتوى يجد الطالب فيه ما يلبي حاجاته، ويساعده على التعامل العملي والإيجابي مع مواقف الحياة متغيراتها، ويمكنه من تنمية المعرفة وإثرائها.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد